لو ألقينا نظرة خاطفة على بعض المشكلات الصحية عند الرجل لوجدنا انها في تصاعد مستمر. فعدد الحيوانات المنوية يتراجع سنة تلو أخرى والاصابة بسرطانات الخصية والبروستاتة في ارتفاع ملحوظ ناهيك بتسجيل أعداد متزايدة من أورام البروستاتة الحميدة والخصية الهاجرة والتشوهات الخلقية التناسلية. هذا عند الرجل. أما عند المرأة فحدّث ولا حرج، فالمطبات الصحية لديها شهدت نوعاً من الانفجار وهذه الحال نراها في سرطان الثدي والعقم وداء البطانة الرحمية وأورام المبيضين وعنق الرحم والأورام الليفية للرحم وتكيس الثدي. ما هو السبب؟ اذا عرف السبب بطل العجب، والسبب هو الفوضى الهورمونية التي صنعها الانسان بيديه فضربت كل أعضائه وخصوصاً الجهاز التناسلي والجهاز المناعي. لقد نثر الانسان في الطبيعة ما جلب البلاء عليه. فالماء والطعام والهواء باتت تحتوي على أعداد متزايدة من المركبات الكيماوية التي خلفت وراءها اضطرابات هورمونية لا سابقة لها، ومعظم تلك المركبات تفعل فعل هورمون الاستروجين في الجسم، وكما هو معروف فإن الاستروجين يحرض على نمو الأنسجة ذات الحساسية الهورمونية. ان أجسام الرجال والنساء تنتج في شكل طبيعي الهورمون الجنسي الاستروجين، وعندما تدخل الجسم مركبات كيماوية محاكية له فإنها تؤدي الى استفحال مفعول هورمون الاستروجين، ما يزيد من تأثر الأنسجة الحساسة له فتنمو في شكل مفرط، الأمر الذي يرفع من خطر التعرض للأورام السرطانية المرتبطة بالهورمون، فمثلاً في حالة خلايا الثدي، فإن تعرض هذه لمزيد من الاستروجين أو أشباهه يجعلها تتكاثر بمعدل الضعف. والمركبات الكيماوية الشبيهة بالهورمون لا تملك تأثيراً مباشراً فقط بل انها تخلق نوعاً من الفوضى على صعيد الرسائل الهورمونية فتتفتق عنها تغيرات وظيفية جنسية وتناسلية ومناعية تؤدي عاجلاً أو آجلاً الى تدهور صحي مستمر. ان تلك المركبات تقود الى فوضى على مستوى الكيمياء الحيوية في الجسم فتتدخل جزئياً أو كلياً في الرسائل الكيماوية فتكون النتيجة إما تضخيم فعل هذه الرسائل أو ارباكها أو لجمها كاملاً، وهذا يقود بدوره الى خلق شروخ عميقة في التوازن الهورموني. وبالتالي فإن مقدرة الجسم على التكيف مع محيطه تضعف فتتدهور الصحة. رب سائل قد يسأل: وما هي المركبات الكيماوية التي يمكنها أن تسبب اضطراباً في التوازن الهورموني في الجسم؟ ان هذه المركبات تشمل: المواد البلاستيكية مثل مركبات الفثالات ومركبات البيسفينوليك. الأدوية مثل المعالجات الهورمونية البديلة. المبيدات الحشرية مثل د. د. ت والتوكسافين والديلدرين. المواد الصناعية مثل الديوكسين. قد يقول البعض وماذا عن الهورمونات الموجودة في النباتات؟ كما هو معلوم فإن النباتات تحتوي على مركبات طبيعية شبيهة بالاستروجين وتسمى بپ"الفيتو استروجينات"التي توجد خصوصاً في بعض الأغذية مثل فول الصويا والقمح وعرق السوس والكرفس والشمار والفواكه الحامضية، ان هذه الهورمونات نافعة للجسم، فهي تقي من خطر الاصابة بالسرطان. وهناك دراسات عدة سابقة أشارت الى الأثر الواقي لپ"الفيتو استروجينات"من سرطان الثدي وسرطان الرحم وسرطان البروستاتة، وحديثاً نشرت دراسة حديثة في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أوضحت ان"الفيتو استروجينات"تحمي من سرطان الرئة، فما بين العامين 1995 وپ2003 قام الباحثون باستجواب مجموعة من المصابين بسرطان الرئة ومجموعة أخرى من الأصحاء وعند القاء نظرة على النتائج دلت الى ان الذين كانوا ينهلون من الأغذية الغنية بپ"الفيتو استروجينات"هم أقل تعرضاً لشبح سرطان الرئة. ما العمل لتفادي أخطار المركبات الكيماوية المخلة بالتوازنات الهورمونية في الجسم؟ قبل الخوض في غمار الاجابة لا بد من أن نأخذ علماً بأنه من الصعب جداً التخلص كلياً من تلك المركبات، فهي موجودة في كل شيء تقريباً من الغذاء والماء والهواء وغالبية المنتجات المنزلية. على أي حال هناك بعض الاجراءات التي من شأنها أن تخفف من وطأة تلك المركبات التي ترافق الانسان كظله: 1 - استهلاك الأغذية الطبيعية التي لم تستخدم في انتاجها الأسمدة والمبيدات العشبية والحشرية. 2 - الحد من تناول الدهنيات لأن المواد الكيماوية التي لم يتم استقلابها أو طردها سيتم خزنها في المستودعات الدهنية للجسم. 3 - ترشيح ماء الشرب باستعمال جهاز مصنوع لا تدخل في تركيبه مواد بلاستيكية أو الألمنيوم بهدف ازالة القسم الأعظم من المخلفات الكيماوية الضارة العالقة بالماء. 4 - الابتعاد عن تسخين الطعام في أوعية بلاستيكية لأنها تحتوي على ملوثات كيماوية تجد طريقها بسهولة الى الغذاء. 5 - تفادي المشروبات المعبأة في عبوات من البلاستيك. 6 - استعمال المنظفات المنزلية الطبيعية والصديقة للبيئة. هل يمكن الحفاظ على التوازن الهورموني في الجسم؟ بالطبع هناك استراتيجية من شأنها أن تسهم في دعم الجسم لتمكينه من الحفاظ على توازنه الهورموني وهذه الاستراتيجية تقوم على ما يأتي: - التقليل من أكل الشحوم واللحوم ومنتجات الألبان لأنها تشكل مصادر غنية بالأدهان المشبعة الضارة، اضافة الى هورمون الاستروجين. - تناول ما يكفي من الأحماض الدهنية الأساسية التي تصنف في نوعين هما: الأحماض الدهنية أوميغا - 3 والأحماض الدهنية أوميغا - 6، ان هذه الأحماض تسهم في صنع أشباه الهورمونات المعروفة باسم البروستاغلاندين التي تتحكم بالهورمونات الجنسية وبصحة القلب والأوعية الدموية والخصوبة وكذلك بالوظائف المخية والعصبية ناهيك بالكثير من التفاعلات الحيوية الجارية في الجسم. - أخذ جرعات داعمة من الفيتامين ب 6 ومعدن الزنك ومعدن المغنيزيوم لأنها تدعم التوازن الهورموني في الجسم. - تناول الحبوب والمكسرات ومنتجات فول الصويا الغنية بالاستروجينات النباتية الطبيعية. - استهلاك الخضروات من الفصيلة الصليبية مثل الجرجير واللفت والكرنب لأنها غنية بمركبات"ايزوتيوسيانات"المضادة للأكسدة والتي لها أثر كبير في استبعاد خطر السرطان. - تجنب الضغوط النفسية وعدم المبالغة في تناول السكر وشرب المنبهات لأنها تحرض على افراز هورمون الكورتيزول الذي يخلق خللاً على صعيد التوازن الهورموني. - ممارسة الرياضة البدنية في شكل منتظم لأنها تدفع الى الاستقرار النفسي والاستقرار الهورموني.