عكست خطب الجمعة التي شهدتها الجوامع السنية والشيعية في العراق أمس تغيراً ملحوظاً في صيغة الخطاب، فبعدما كانت تعج بالاتهامات المتبادلة والانتقادات الحادة على خلفية الاحتقان الطائفي باتت تركن الى الدعوات للتهدئة ونبذ العنف والطائفية ومحاربة الإرهاب"الحكومي والملثم"وتشجيع الحوار وإحياء الأخلاق الحميدة. ولم تغب الانتخابات ومقررات مؤتمر الوفاق الوطني العراقي الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي وما تمخض عنه عن هذه الخطب. دعا الشيخ محمود مهدي الصميدعي، عضو هيئة علماء المسلمين، الى التفرقة بين"الارهاب والمقاومة". وقال في خطبة الجمعة من مسجد ام القرى غرب بغداد:"من الخطأ ان تعرف المقاومة بالارهاب"، مؤكداً ان"مقاومة المحتل امر طبيعي وحق مشروع". واوضح ان"الارهاب والغدر الجاريين في بلادنا مستوردان مع الاحتلال". واضاف ان"هناك ثلاثة اشكال للارهاب في بلدنا هي ارهاب المحتل وارهاب الدولة والارهاب الملثم، وكلها تقتل وتشرد حيثما تحل". ودعا العراقيين الى"الوقوف معاً بوجه الارهاب الذي يقتل بلا حياء من يريد، محدثاً جرائم كبيرة". وقال:"لنقف جميعاً بوجه الارهاب بالكلمة المسموعة والمنطوقة والمكتوبة. فإننا اليوم بحاجة الى وقفة واحدة لأننا يراد لنا ان نقتل ونشرد جميعاً من دون التفريق بين طائفة او مذهب". من جهة اخرى اكد الصميدعي ان"الانتخابات معركة حيث يراد ان يقسم بلدنا من قبل الاحتلال ومن جاء معه". وحذر الصميدعي العراقيين من الادلاء بأصواتهم لمن لا يستحقون. وقال:"إياكم ان تدلوا بأصواتكم الى من تعرفون انه يقتل العراق والعراقيين ويقسمهم. فأصواتكم امانة ولا ينبغي ان تدلوا بها لمن لا يستحقها". ورأى ان من"الخيانة ان نعتز بالمحتل وان نناشده البقاء في ارضنا، لان المحتل كما رأينا قسّم البلاد والعباد وبدد الثروات، ومن الخطأ الكبير ان نظن اننا لا نستطيع ان نقوم وان ندبر امورنا من دون الاحتلال". وفي الفلوجة، شجع معظم خطباء الجمعة في مساجد المدينة الاهالي على المشاركة في الانتخابات المقبلة. ففي جامع الفرقان أكد الشيخ عبد الحميد جدوع أهمية المشاركة في الانتخابات وحذر الناس من"الانسياق وراء الدعوات الرائجة في الشارع الى انتخاب قائمة علمانية بدعوى أن العراق بلد متعدد الاعراق والطوائف ولا يصلح لان يحكمه الاسلاميون خشية من الانزلاق الى الحرب الطائفية"، مؤكداً أن"من يرفع راية الاسلام الحق لا يمكن أن يكون طائفياً بل على العكس فالاسلام هو الخيمة الوحيدة التي يمكن أن تضم جميع العراقيين". ويذكر أن الشيخ عبد الحميد جدوع هو أحد مرشحي"قائمة التوافق العراقية". من جهته حض الشيخ إحسان، إمام وخطيب جامع الراوي في الفلوجة، المواطنين على المشاركة في الانتخابات باعتبارها واجباً مقدساً وقال الشيخ:"أصواتكم أمانة يجب أن تؤدوها وشهادة عند الله يحرم على الانسان كتمانها". وفي الصقلاوية قرب الفلوجة شدد الشيخ يونس صبحي الحمداني، إمام وخطيب جامع الصقلاوية الكبير، على أن"المسلم يجب أن يختار القائمة الاكثر تمثيلاً له ويتجنب الوقوع في شرك الاحكام المسبقة بأن الاسلام غير صالح لحكم العراق كونه بلد ينطوي على طوائف واديان اخرى". وحذر من مقاطعة الانتخابات لافتاً الى أنه"اذا سمحنا للاطراف الحالية بحكم العراق لمدة أربع سنوات مقبلة فسيعني ذلك قتل المزيد من الناس وتهجير المزيد وصولاً الى تشييع العراق، قهراً، بل وأكثر من ذلك، تحويله الى جزء من إيران". وفي مدينة كربلاء 110 كلم جنوببغداد دعا الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني العراقيين في خطبة الجمعة من الصحن الحسيني الى ان"يلتفتوا الى حجم المشاركة ودقة الاختيار بالمرشحين". واكد ان"الانتخابات القادمة مصيرية للشعب لاختيار برلمان يقع على عاتقه اتخاذ العديد من القوانين المهمة في مستقبل البلاد". واضاف ان"حجم المشاركة بالنسبة للشريحة المؤمنة مهم جداً، وتراجعه يفتح الباب واسعاً أمام وصول الكيانات التي لا تحقق المصالح العليا للبلد وتحافظ على ثوابته الدينية والوطنية ويمكن ان تشكل خطراً على مستقبل البلد". وفي النجف انتقد صدر الدين القبنجي، امام وخطيب الحسينية الفاطمية في المدينة، مؤتمر القاهرة وما تمخض عنه باعتباره"مؤامرة لها ثلاثة اهداف: اعادة البعثيين والدفاع عن اهل السنة وتلميع وجهة الجامعة العربية امام أميركا". وطالب القبنجي، الذي لفت الى انه يتحدث بصفته امام جمعة لا أحد قيادات"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" الذين"سرقوا اموال البنك المركزي العراقي واعطوها الى عمرو موسى باسترجاع اموالهم لان المهمة فشلت"واكد ان"المؤتمر حقق الحد الادنى من النتائج الايجابية لنا"مشيراً الى ان المؤتمر"افشل منطق الارهاب والبعث والطائفية ... بقوة اصحابنا الذين حضروا المؤتمر". وفي بغداد ندد حازم الاعرجي امام وخطيب المشهد الكاظمي ب"العمليات الارهابية التي استهدفت الحسينات الشيعية في مدينة ديالى 70 كم شرق بغداد الاسبوع الماضي". وتطرق الى ذكرى وفاة الامام جعفر الصادق مشيراً الى ان"المفاهيم الاخلاقية والعقائدية والجهادية للامام الصادق وعمله تدعو الى تمتين اواصر الوحدة بين السنة والشيعة". ولم يشر الاعرجي في خطبته الى مؤتمر القاهرة ومقرراته، فيما اعتبر امام وخطيب جامع الخلاني محمد الحيدري ما تمخض عن هذا المؤتمر"خطوة ايجابية نحو استقرار الوضع في العراق"ورحب باعتراف المؤتمر ب"المقاومة الشرعية"الا انه شدد على ضرورة التمييز بين المقاومة والارهاب"لان هذا التمييز نقطة حساسة وصعبة للغاية في الوقت الحالي"مشيراً الى ان"الارهاب اخذ ينفذ مآربه تحت عنوان المقاومة"ودعا الحيدري ممثلي المقاومة الشرعية الى الكشف عن هوياتهم والتبرؤ من العمليات الارهابية التي طاولت المدنيين واساءت للمقاومة.