حكومة عدنان بدران لم تكن ضحية لفشلها في دفع عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن. هذه الحقيقة يعرفها جميع الأردنيين، خصوصاً رئيس الوزراء المكلف مدير"وكالة الأمن القومي"معروف البخيت. ووجهها الآخر ان الزرقاوي هو الذي اطاح وزارة بدران بتفجيرات الفنادق التي هزت الأردن، بارتداداتها الأمنية لأن زعيم"القاعدة في بلاد الرافدين"صنّف المملكة الهاشمية على رأس أولوياته لتوسيع"امبراطورية"المذابح. ولعل المهمة الأكثر صعوبة لمن كان يدير الأمن في بلد عرف بهدوئه على رغم عواصف الحرب الإيرانية - العراقية ثم غزو صدام حسين الكويت، فحرب"تحرير"العراق من صدام و"البعث"، تلك المهمة ليست حرباً يريدها الملك عبدالله الثاني"بلا هوادة"في مواجهة"مدارس التكفير"، بمقدار ما هي ابتداع توازن دقيق - وخطر - مع مناهج أردنية بحتة في"مدرسة"الإصلاح والديموقراطية. كرر الملك مرات ان لا عودة عن نهج الإصلاح، ويعرف الأردنيون ان لا أحد احصى عثرات جعلت التغيير في خبر كان... أي مفترضاً على رغم القرار الحاسم منذ سنوات. ولعل معظمهم يلوم حكومات كانت دائماً تتذرع بالبيروقراطية رداء لستر فشل يغطي وتيرة مصالح لا علاقة لها بالحكم ولا برغبة الانفتاح المعلنة، على كل الفئات وبينها تحديداً تلك التي تعتبر نفسها مهمشة. ولا ينفصم عن هذا التصنيف تيار"جبهة العمل الإسلامي"التي نجحت مرات في اقتناص فرص لحشر الأداء الوزاري في دائرة المساءلة، من دون ان تتمكن من طرح البديل المقنع. بل ان كثيرين يبررون هواجسهم برغبة الإسلاميين في ما لا يقل ابداً عن"شراكة"ترجح فيها كفتهم، فتتحول السلطة الى مجرد شاهد! وليس غريباً ان يهمس بعض مَن في الجبهة او مَن يُحسَب على أنصارها، بأن"لعنة الزرقاوي"لم تكن لتطاول المملكة لو كانت لإسلاميي الأردن المعتدلين كلمة مسموعة لدى اهل الحكم الذين يصنفون"الجبهة"باعتبارها مجرد مشاغب. أبعد من ذلك، ان وطأة التفجيرات التي توحدت السلطة ومعارضوها على التنديد بها، لم تعد تترك مجالاً للبلد"الصغير"للرهان على عامل الوقت من اجل إغلاق النافذة الأولى للإرهاب والعنف: بؤر الفقر والبطالة... حيث يتغذى الفكر المتطرف، مستفيداً ايضاً من"تحالف"عمان وواشنطن في مسارات الأزمات الإقليمية لادعاء شرعية في تكفير السلطة وأجهزتها. وإذ تبدو الحرب على"مدارس التكفير"تحصيلاً حاصلاً منذ الآن، لأن لا خيار آخر لصد شرور الزرقاوي او أي مجموعة اخرى تقتدي بشعاراته المتهافتة على الدم، يبقى الاختبار الحقيقي، الخط الموازي ل"الحل الأمني". شعار رائع ما تردده اوساط رئيس الوزراء المكلف عن"إشاعة الحرية والعدل والمساواة"بين الناس، وعن"الحوار بالحسنى"لتفادي التهميش، ولكن يبقى سلاحاً ذا حدين، الحديث عن اصلاحات تشمل المساجد ومؤسسات التعليم والصحافة. فلا أحد في الأردن كما في دول عربية عديدة، يمكنه التعامي عما يضخه ائمة مساجد في وعي اجيال علاقتها مع السلطات استعداء متبادل، لإثبات الذات او ممارسة النفوذ. وعلى رغم استغلالهم الدين، ففي التعليم والإعلام مئات الألغام ايضاً - من وجهة نظر الخائف - ما دامت المنطقة بعيدة عن بدء رحلة الألف ميل في تعريف مفهوم الحريات، وما دامت السلطة رهينة لمفهوم الصراع مع الشارع... كصراع ازلي. لا يبرئ ذلك المدارس والمناهج والصحافة، من مسؤولية حتمية في مواجهة التكفيريين، خصوصاً لأنهم يعتبرون القتل والتدمير لغة الحوار الوحيد. والأمثلة على الضحايا باتت اكثر من ان تحصى، وإذ لا تتمنى السلطات الأردنية عراقاً آخر في"امبراطورية"الزرقاوي، قد تكون الحكومة الجديدة مدخلاً لفرصة جدية من اجل فتح حوار"وطني"جامع، يبدد كل ما علق بثوب"الإصلاح"حين كانت البيروقراطية سيده وسجّانه. لكنها فرصة تبقى معلقة على النيات، وشجاعة الاعتراف بالخطأ، وفضيلة تعلّم الاعتراف بالآخر، وإشراكه في القرار، خصوصاً اذا كان معارضاً. وحين لا يبقى مجال للتخوين، تتراجع ذرائع التكفير.