أعرف جلال طالباني منذ سنوات وعقود فهو صديق عزيز صمدت علاقتنا لتقلبات القضية الكردية صعوداً ونزولاً، ولعل صدام حسين عززها، فبطشه بالأكراد وضعني في صفهم منذ البداية وما زلت. ورأيت"مام جلال"في مقر الاممالمتحدة في نيويورك، وخاطبته للمرة الاولى بلقب"فخامة الرئيس"فابتسم وقال: جلال. أين بغدادونيويورك من مقر رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني على سد دوكان في شمال العراق حيث رأيته في المرة السابقة. العراقيون كانوا"القضية"في نيويورك، والرئيس طالباني ورئيس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري والمسؤولون الذين رافقوهما حضروا اجتماعاً بعد اجتماع، ولا أبالغ اذا قلت ان رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية هوشيار زيباري عقدوا نحو مئة اجتماع متعدد الاطراف وثنائي، من الرئيس بوش، وحتى رؤساء البعثات. الرئيس طالباني يقول عني انني الصديق الذي لم يتغير، وسرني ان اجد انه لم يتغير إزاء سورية، فقد كانت له بها اوثق العلاقات السياسية في العالم العربي. وهو في الاجتماع مع الرئيس بوش حذر من محاولات قلب النظام، وقال ان البديل حكم اسلامي من النوع الذي تقاومه الادارة الاميركية في كل بلد. الرئيس بوش قال ان ادارته تريد من دمشق تغيير الاسلوب او التصرف ولا نريد تغيير النظام. والرئيس طالباني يظل عاتباً على"حلفائه"السوريين، خصوصاً لجهة احتضان بعث صدام حسين، واعتقادهم انهم يستطيعون كسب رجال النظام السابق. أتوقف هنا لأقول انني سمعت نسختين من حديث الرئيس بوش مع القادة العراقيين، فقد كان هناك من بلغني انه ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس هددا دمشق وحملاها مسؤولية"التخريب"في العراقولبنان والاراضي الفلسطينية. أرجو ان تكون هناك فرصة لغسل القلوب بين القيادة العراقية وسورية، والرئيس بشار الاسد دعا الرئيس طالباني لزيارة دمشق، ويجري الآن العمل لترتيب هذه الزيارة. ويستطيع الرئيس العراقي ان يوضح للمسؤولين السوريين رأيه في حيث اخطأوا في التعامل مع العراق بعد سقوط صدام حسين. وهو هنا يلفت الى تغير العلاقة مع ايران بعد تغير الحكم في العراق، فالايرانيون ادركوا أبعاد اللعبة بسرعة، وعقدوا تحالفات محلية يقطفون ثمارها الآن نفوذاً على كل صعيد. ومع ان ايران تستفيد من البعد الشيعي، فإن سورية لها اوراق عراقية كثيرة، لعل اهمها ان المعارضين العراقيين السابقين الذين اصبحوا في الحكم الآن هم حلفاؤها التقليديون على مدى عقود عندما كان البعثان السوري والعراقي على خلاف شديد ويحاول كل منهما اطاحة الآخر. اجمل ما في دورة الجمعية العامة كل سنة انها توفر فرصة لمقابلة قادة العالم تحت قبة واحدة. ومع القمة في الذكرى الستين لتأسيس المنظمة العالمية كان هناك اكثر من 170 رئيس دولة وحكومة. وانتقلت من جانب في مقهى صالة المندوبين مع الرئيس طالباني الى جانب آخر لأحدّث الدكتور الجعفري عن شؤون العراق الداخلية. وجدت رئيس الوزراء، ككل مسؤول عراقي حدثته، عاتباً من غياب تمثيل ديبلوماسي عربي في بغداد ومستاء من التجاهل والإهمال، خصوصاً ان العرب جعلوا من عروبة العراق وانتمائه قضية. قلت للدكتور الجعفري ان الأخ هوشيار زيباري، يجلس الى يميني، وهو سيسمع ما اقول، فقد التقينا في مؤتمر للمنتدى الاقتصادي العالمي على البحر الميت في ايار مايو الماضي، وهو شكا من ان عنده في بغداد 51 سفيراً او ممثلاً ديبلوماسياً اجنبياً، ولا سفير عربياً واحداً. وكتبت بعد ذلك في هذه الزاوية ادعو العرب الى ارسال سفرائهم الى بغداد فماذا كانت النتيجة؟ قتل المصري وجزائريان اثنان، وهوجم البحريني وجرح، وضربت السفارة الاردنية قبل ذلك. رئيس الوزراء يصر على ان الوضع الامني في العراق يتحسن، او هو احسن من سمعته في الخارج. ويقول ان الارهابيين لا يستطيعون ان يفعلوا اكثر من تفجيرات واغتيالات، ولا يسيطرون على أي منطقة او بلدة او شارع في العراق كله. وربما كان هذا صحيحاً، ولكن يفترض ان يقول رئيس الوزراء مثل هذا الكلام، وعندما اقتنع شخصياً فقد اقبل دعوة الرئيس طالباني للعودة معه الى بغداد في طائرته. سألت الدكتور الجعفري عن الدستور فقال انه كان لبعض الفرقاء موقف مسبق منه، وكانت هناك محاولة متعمدة لتسييس الموضوع، الا انه اكد ان الدستور المقترح يضم عناصر جيدة الى ممتازة وتوقع ان يقر في 15 الشهر المقبل، تمهيداً لاجراء انتخابات نيابية جديدة في 15 كانون الاول ديسمبر على اساسه. رئيس الوزراء يتمنى ان يثبت الدستور ان العراق جزء من العالم العربي، ولكن مع عدم توافر توافق على هذه النقطة، فإن هناك اقتراحات عدة بينها ان العراق دولة عربية مؤسسة في الجامعة العربية، وغير ذلك. وكنت مازحت الأمين العام لجامعة الدول العربية الأخ عمرو موسى قائلاً ان موقف الامين العام لمجلس التعاون الأخ عبدالرحمن العطية من عروبة العراق كان اقوى من موقفه. ورأيت الاثنين في الأممالمتحدة ووجدت عندهما الاصرار نفسه على تثبيت عروبة العراق في الدستور. أرجو ان يقبل الأخوة الاكراد صيغة لعروبة العراق نقبلها جميعاً، فالعراق عربي بالأكراد، وهو من دون الاكراد ليس عراقاً. كما ان لبنان من دون مسيحييه ومسلميه ليس لبنان. وقبل هذا وذاك ارجو ان يهزم الارهاب في العراق.