الساعة الآن الواحدة صباحاً، يوم الخميس الماضي. يتحلق حول التلفزيون أربعة موظفين يعملون في الشركة ذاتها. واحد فقط يمسك بجهاز التحكم الوحيد! هو وحده يتفرج على التلفزيون، من بين الموجودين. غفا آخر على الأريكة. أصاب النعاس الثالث، بينما يقرأ الرابع جريدة. أوقفت الصدفة وحدها"المتحكم"للحظة من دون أن يتنقل بين القنوات. يعرض"التلفزيون الجديد"new tv برنامج مسابقات في اللحظة التي توقف فيها"المتحكم"عن التنقل. تستجدي فتاة لبنانية جميلة المشاهدين للإتصال. تسأل بما معناه:"بيرضيكم أضل وحدي؟ عن جد ما بدكم تلعبوا معي؟ ما بدكم تكونوا هون معي؟..."، الأسئلة ذاتها - مع تغيير الصياغة - ستتكرر طيلة نصف الساعة المقبلة، طالما أنها ليست مشغولة بمتصل. لا يتجاوز وقت المكالمات المشاركة نصف دقيقة. يقول المتصل جواباً ليعرف أنه ليس الصحيح، ويقفل الخط، وتبدأ عملية الاستجداء من جديد. استطاعت الفتاة الجميلة بپ"الميوعة"والاستجداء أن تلفت نظر قارئ الجريدة - الأصغر سناً من بين الأربعة. تقف الفتاة الجميلة على يمين المشاهد في الشاشة. تظهر شبكة حروف على يساره - يمين المذيعة، بينما ثبت رقم خاص لمن يرغب الاتصال من السعودية في أسفل الشاشة وبشكل واضح. تظهر أرقام أخرى للمتصلين في أسفل الشاشة أيضاً. ألف أ، لام ل، ميم م، هي الحروف الثلاثة الوحيدة في الشبكة، والمكررة كي تملأ المربعات كلها. السؤال هو:"كم مرة تكرر اسم أمل في الشبكة؟"."13 مرة"، هذا ما قاله قارئ الجريدة في محاولة عدّ سريعة. ردّ عليه زميله"المتحكم"مصححاً: سبقك متصل إليه وقالت له الجميلة:"متأسفة الإجابة خطأ، ما عاد بدي اسمع حدا يقول 13". لكنه - القارئ - أكد أن 13 هي الإجابة الصحيحة وتوجه إلى التلفزيون وعدّها أمام صديقه ليثبت له ذلك. ما الفائدة الجميلة قالت أن 13 إجابة خاطئة؟ قرر"الناعس"المشاركة، ووقف وساعد في العدّ. خططوا وقرروا أن كل حرف ألف أ سيكون المنفذ الوحيد إلى"أمل". عدوا من كل حرف ألف أفقياً إلى اليمين واليسار وعامودياً إلى الأعلى والأسفل، فكانت النتيجة 13"أمل". وقت المسابقة قارب على النهاية بحسب"الجميلة"، وهي نفسها قالت أن 13 إجابة خاطئة ! 12 و10 و11 و9 و8 و14 و15... كلها إجابات خاطئة أيضاً! انتهى وقت المسابقة. لم يحصل أحد على"10 ملايين ليرة لبنانية"، كانت كُتبت في أعلى الشاشة لتحفّز المتصلين. تقول المذيعة:"ما حدا ربح ال 10 ملايين". أبدت الحزن! هي بحسب قولها تريد أن يربح أحد المشاهدين هذا المبلغ."راح أعطيكم خمس دقايق زيادة، بلكي بيقدر حدا يحل السؤال"، ترتفع الموسيقى وأهازيج من داخل الاستديو فرحاً بمكرمة الجميلة. يتكرر الاستجداء. عدد المتصلين قليل. لم تكتف أمل بزيادة الوقت، بل المكافأة أيضاً:"صارت 15 مليون ليرة 10 آلاف دولار". اجتهد الثلاثة وفكروا واستنتجوا أنهم لو اتجهوا أفقياً إلى اليمين أو اليسار من حرف الألف ثم عامودياً إلى الأعلى أو الأسفل من حرف الميم، وكانت النتيجة"أمل"فيمكنهم إضافة أمل أخرى إلى ال 13. ذلك ينطبق أيضاً لو اتجهوا عامودياً ثم أفقياً. الحل برأي الثلاثة الآن هو 28 أمل. لكن الدقائق الخمس انقضت، ولا يمكنهم الفوز ب 15 مليون ليرة! المذيعة الجميلة لم تشأ أن تخسّر مشاهديها! هي تريد أن يربح"حدا ال 10 آلاف دولار". قالت أنها ستقبل بخمسة اتصالات أخرى فقط. قرر"قارئ الجريدة"أن يتصل في حين تكفّل"الناعس"بالعد من جديد للتأكد من النتيجة، قبل أن يصل صوت زميله إلى الاستديو. "مرحباً بك، كلفة هذه المكالمة عشرة ريالات للدقيقة الواحدة نحو 3 دولارات، لقد اتصلت بالرقم الصحيح حتماً. أنت تريد أن تربح الجائزة ..."، هذه الرسالة فاجأت المتصل، فالعادة أن تكون الخطوط مشغولة. الرسالة تستغرق 20 ثانية قبل أن يسمع رسالة أخرى:"يا إلهي لقد فزت، كنت قريباً من الفوز، كل ما عليك هو الاتصال مرة أخرى"! انتظر المتصل لثوان، ظاناً أنه سيتحدث إلى المذيعة. لكنه قرر معاودة الاتصال قبل أن يتصل خمسة مشاهدين أو يجيب أحدهم الإجابة الصحيحة. هذه المرة تغيرت الرسالة الثانية:"لا بد من أن اليوم هو يوم سعدك، كنت قريباً جداً من الفوز، عليك الاتصال مرة أخرى"! أما في المرة الثالثة فكانت الرسالة:"لا تستسلم عليك المحاولة مرة أخرى، لا بد من أن تفوز في المرة المقبلة، كل ما عليك هو الاتصال على الرقم..."! لا تزال الجميلة تقول:"معقول ما حدا بدو يلعب معي، ما حدا وصل عندي عالاستديو"! للمرة الأولى يلاحظ المشاهدون الثلاثة عبارة"وصل عندي عالاستديو"، ليكتشفوا أن فتح الخط لا يعني بالضرورة التحدث مع مقدمة البرنامج. فنظام آلي يختار متصلاً من بين مئات أو آلاف من المجربين للوصول إلى مسامع المشاهدين. لا يزال"القارئ"يحاول الاتصال حتى"وصل"المتصل الخامس، ليجيب إجابة خاطئة مثل الذين سبقوه. كرم المقدمة لا حدود له، فهي سترفع الجائزة إلى 20 مليون ليرة لبنانية، ولن تحدد الوقت أو عدد المتصلين هذه المرة، بل وتقول:"رقم 2 موجود في إحدى الخانات الآحاد أو العشرات، أكتر من هيك ما فيني ساعدكم"! لا يزال"الناعس"يعدّ وفي كل مرة يخرج برقم مختلف، لكنهم اتفقوا أنه 28 أو 29 طالما أنهم عدوا 28 ولا يمكن أن يكون 30 أو 31 لأن المقدمة أقرت بوجود الرقم 2 في إحدى الخانات. اتصل"قارئ الجريدة"أكثر من أربعين مرة، وفي كل مرة يسمع رسالة تحفيزية للاتصال مرة أخرى. استغرب المتفرجون الثلاثة عدم وجود مشاهد ذكي يجيب على السؤال، كي يوقف اتصالاتهم المكلفة، فهم لا يستطيعون التوقف عن الاتصال بإرادتهم طالما أنهم خسروا وطالما أنهم يعرفون الحل الصحيح. أخيراً، اتصل من يعرف الجواب، وخلّصهم من دفع مبالغ أخرى في مقابل اتصالات كانت ستستمر، حتى يصلوا إلى الاستديو. الجواب كان 29 ولم يكن 28. لكن المتصل لم يربح ال 20 مليون، فربحها يستوجب عليه تخمين مكان 3"جوكر"باختيار ثلاثة أرقام من 16 تظهر على الشاشة. خلف الأرقام هناك 60 ألف ليرة أو جوكر، واحتمال وجود الجوكر 3 من 16 في المرة الأولى. صاحب الجواب الصحيح لم يخمّن ولا حتى مكان"جوكر"واحد، كانت جائزته 180 ألف ليرة فقط نحو 120 دولاراً! هذا المبلغ يعادل ما سيدفعه أحد الثلاثة ثمن محاولات الوصول إلى مقدمة البرنامج عبر الهاتف فقط! شمت الموظف الذي كان يحمل جهاز التحكم -"المتحكم"، بصديقيه، وقرر أن يذهب إلى النوم بعدما علّق:"لا بد ان كثيرين غيركم كانوا يعرفون الإجابة، وحاول أضعافهم الاتصال وهم لا يعرفون الإجابة، لكن النتيجة واحدة: أمل سرقتهم، والقانون لا يحمي المغفلين". انتهت المسابقة، ولم ينته البرنامج. بدأت مقدمته بشرح فكرة مسابقة أخرى هذه المرة أسهل بكثير، ولم تقل شيئاً عن أن معظم المتصلين لن يصلوا إليها، وأن الإجابة الصحيحة لا تكفي للحصول على الجائزة - 10 ملايين ليرة، ربما تُرفع. وصل للتو موظف خامس يسكن في المكان ذاته. شاهد زملاءه يتناقشون بشأن البرنامج. فكّر قليلاً وحلّ السؤال المطروح. قال إن"السؤال سهل جداً"... هل وافق زملاؤه على أن يحاول الاتصال؟