أصبح"الفيديو كليب"بمثابة"الشر"الذي لا بد منه للمطربة أو المطرب أولاً ثم للجمهور الذي اختلفت ذائقته وكادت"تتشوه"في زمن الثقافة الاستهلاكية. وقد درجت العادة ان ما من اسطوانة جديدة تنطلق تجارياً من دون"فيديو كليب"يسبقها ويمهد لها و"يضرب"لها موعداً مع المستمعين الذين أضحوا مشاهدين أيضاً. وساهم في ترسيخ هذه الظاهرة غير السليمة تماماً انتشار الفضائيات عموماً ورواج الفضائيات الغنائية المتفرّغة لبث الأغاني المصورة. وإن كان من الجميل ان يشاهد المستمعون"مطربتهم"تغني وترقص وتتأوه وتتنقل أمام الكاميرا، عارضة مفاتنها في أحيان، فإن من المسيء ان يصبح"الفيديو كليب"هاجساً لدى المشاهدين فتسيطر الصورة - وأي صورة - على الغناء وتضحي المغنية لئلا أقول جسدها هي الأساس فيضيع الصوت والكلام والموسيقى وتصبح كلها شأناً ثانوياً. ولعل هذا ما نلمسه دوماً على الشاشات الفضائية التي تبث الأغاني المصورة غير آبهة بالصوت أو الأغنية كأغنية يفترض بها ان تقوم على اللحن الجميل والشعر الجميل. والملاحظ أيضاً ان مخرجي هذه"الكليبات"لا يميزون بين أغنية جيدة وأخرى سيئة أو منحطة فهمّهم ان يبرزوا المطربة - أو المطرب - ولو على حساب الغناء. ولهذا تتشابه"الكليبات"كثيراً لا سيما التي يخرجها فنانون دون المستوى التقني المفروض. يقول لي صديق انه عندما يشاهد"كليبات"هيفاء وهبي أو نانسي عجرم يخفض الصوت نهائياً وفي ظنه ان الكليب يكفي وحده ولا حاجة للصوت أو الموسيقى، خصوصاً أن حركات هيفاء أو نانسي تطغى على أي عنصر آخر، وقد يعيق الصوت أو الموسيقى متعة التأمّل في مثل هذا الجمال. ربما يكون صديقي على حق، فمثل هذه"الكليبات"تتوجه الى العين وليس الى الأذن، والجسد يحلّ في المقدمة فيما تأتي الأغنية والموسيقى في مرتبة ثانية. وخير مثل يمكن ذكره هنا هو اطلالة هيفاء وهبي الساحرة ولكن بجسدها وحركاتها وليس بصوتها وهو يتراجع وينخفض يوماً تلو آخر. إلا أن الكارثة هي أن يقضي"الفيديو كليب"على الغناء فتصبح الأغنية صورة - وصورة مثيرة - قبل أن تكون عملاً ابداعياً يتناغم فيه الصوت والموسيقى والشعر.