التسابق بين الفنانات في اجتراح اشكال جديدة من الفيديو كليبات تجذب المشاهدين وتجعلهم يتسمرون امامه لأيام طويلة، ويرددون مقاطعه في شكل تلقائي، جعل كثرة من الفنانات تختصر الطريق، متوسلة ما يدغدغ المشاعر والغرائز، ويخاطب ايروسية الانسان. من هنا صار الجسد بمفاتنه، هو السبيل السريع للوصول الى الجمهور، وما عداه من سبل تحتاج الى الكثير من العمل والجهد الفني والموسيقي الذي قد يأخذ اشهراً وسنوات، مما يجعل الأيام تمضي عليهن وهن في الظل. الجسد بدا يظهر في الفيديو كليب في شكل ايروسي في أوروبا وأميركا، والتقليد المباشر كان سمة المنتجين والمخرجين العرب، لنجد أنفسنا امام العديد من الفيديو كليبات المستزرعة في غير بيئتها، وبطريقة لا تنسجم والمعيارية القيمية في الوطن العربي. الأمر لا يتعلق بدرس في الأخلاق، ولا يتعلق بمقياس ضيق للفن، لكن ما يحصل هو استزراع أسوأ ما في التجارب الأوروبية لدينا، بدلاً من الاستفادة من التقنية البصرية التي تستخدم في إنتاج الفيديو كليب، وبدلاً من الاشتغال على نص موسيقي بصري يخلق لدينا فيديو كليبات حقيقية لا مجرد لقطات دعائية ساخنة لا اكثر. الشابة التونسية نجلا، في كليبها الاخير، يمكن ان تكون أوضح مصداق لما يمكن تسميته ب"سكسسة الاغنية"، وتحولها في شكل تام من نص سماعي لنص غرائزي. في كليب نجلا الجسد هو الاساس، وبقية الاجزاء مجرد اكسسوارات تكميلية. الموسيقى، الصوت الضعيف جداً والذي يكاد ألا يسمع، اللحن، كل ذلك يأتي خادماً للجسد، اذاً نحن لسنا امام نص مغنى، بل أمام جسد يغني بذاته. صوت نجلا لا يمكن ان يصنف اصلاً ضمن الاصوات الغنائية. هي بالتأكيد ليست مثل نانسي عجرم او أليسا، وحتى ليست مثل روبي ومروى، فالمطربات السابقات - على رغم التفاوت - يملكن حداً أدنى من الغناء والصوت القادر على اعطاء قيمة جمالية للمستمع بعيداً من الحاجة لجسد مغر. الصوت لدى نجلا، بهمسه الخفيف، يحمل ايحاءات جنسية مؤكدة، خصوصاً عندما تمسك الفتاة بسماعة الهاتف وهي تستعرض جسدها، وتتكلم بصوت منخفض. من يشاهد الفيديو كليب يلاحظ توافر عناصر الاثارة: الجسد البض، الصحراء اللافحة بحرارتها، العقرب اللادغ، والثعبان القارص، وشمس الصحراء العمودية. والجامع بين الجميع هو "الحرارة": حرارة الجسد، والصحراء، والجو، والسم، واللدغة، والنتيجة ان تصل "الرسالة" الى المشاهد حارة ساخنة ليلدغ غرائزياً ويثار. الطريف في الأمر، ان اسم نجلا، يكتنز هذه الاثارة كما هو جسدها. فالعيون النجلاء، هي العيون الواسعة الجميلة. ونجل الأرض: شقها، وطعنه طعنة نجلاء: اي طعنة واسعة. ونجل الشيء: أظهره. وجميع هذه الصفات تنطبق على الشابة نجلاء في كليبها.