يظهر التقرير السنوي للعام 2005، الذي أصدرته أخيراً منظمة"مراسلون بلا حدود"، الصورة القاتمة لأوضاع الصحافة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً في البلدان العربية. وهو يأتي في وقت يتزايد الحديث عن حرية الصحافة في عالم اليوم، وتتصاعد وتيرته، بشكل خاص، بصدد الهوة الشاسعة بين المبادئ والقيم وبين الواقع السياسي والإعلامي في أنحاء مختلفة من العالم. فمع كل التقدّم العالمي الذي تحقق على صعيد الوسائل التقنية لنقل المعلومات، مكتوبة كانت أم مسموعة أم مصوّرة، ما تزال حرية الكلمة سجينة القيود المرئية وغير المرئية، الأمر الذي يصل في بعض الحالات إلى أوضاع صارخة، كما تشهد على ذلك إحصاءات قتل العاملين في مجال الإعلام، وحجر حرية الفكر في كثير من البلدان، إلى درجة أصبحت في إطار المألوف أو المسكوت عنه. ويُعنى هذا التقرير بتقويم حرية الصحافة في دول العالم، من خلال قائمة اعتمدت معايير محددة لتبيان وضع الصحافة فيها، فجاءت كوريا الشمالية في أسفل القائمة التي تشمل 167 دولة، فيما احتلت البلدان العربية المراتب الدنيا فيه، فحلت ليبيا في المرتبة 162، نظراً الىغياب الصحافة المستقلة فيها، واعتماد سكانها على مصادر النظام الحاكم الرسمية للحصول على الأخبار والمعلومات. وتتميز الدول، التي احتلت المراتب الدنيا في القائمة، بعدم السماح لوسائل الاعلام التي لا يملكها النظام الحاكم، وبعدم وجود أي نوع من أنواع حرية التعبير، وخضوع مصادر الأخبار والمعلومات كافة ووسائل الحصول عليها ونشرها للرأي العام خضوعاً مطلقا للسلطة الحاكمة. وبالتالي فإن عمل الصحافيين ودور وسائل الإعلام فيها يختصر على ترديد وإعادة ترديد شعارات السلطة والدعاية الرسمية وما يسمح به النظام من أخبار ومعلومات. وتتصدر الدنمارك وفنلندا وإيرلندا قائمة الدول التي تتمتع فيها الصحافة بالحرية، حيث حرية التعبير مصانة فيها تحت حماية القانون. في حين تراجعت الولاياتالمتحدة إلى المرتبة 44 بعدما كانت في المرتبة 22، بسبب توقيف جوديث ميلر الصحافية في"نيويورك تايمز"واتخاذ تدابير قضائية تهدد بكشف سرية المصادر الصحافية. أما غالبية أسوأ دول العالم التي تغيب فيها حرية الصحافة والرأي فإنها تقع في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل التي تقهقر سجلها في هذا الصدد، نظراً الى قتل عدد من الصحافيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأشار التقرير الى قتل صحافيين في العراقوإيران ولبنان. ويشكل العراق أكثر البلدان خطورة بالنسبة للصحافيين، إذ إنه المكان الذي يتم فيه خطف أكبر عدد ممكن من الصحافيين في العالم، كما قتل فيه 56 صحافياً منذ بدء الحرب الأميركية عليه في آذار مارس 2003، وخطف 29 آخرين. وعليه فإن الحرب على العراق هي الحرب الأكثر خطورة وقتلاً للصحافيين منذ الحرب على فيتنام التي قتل فيها 63 صحافياً لكن على مدى 20 عاما 1955-1975. ويمكن القول أن الإعلام في العراق كان هدفاً من اليوم الأول للحرب في العراق، اذ قتل المصور التلفزيوني بول موران من تلفزيون استراليا ABC في انفجار سيارة مفخخة في 22 آذار 2003. ويكاد لا يمر شهر دون مقتل صحافي أو اثنين. وما تزال منطقة الشرق الاوسط من"بين المناطق الاكثر صعوبة"لممارسة حرية الصحافة. وبحسب التقرير تحتل إيران تحتل المرتبة 164 من اللائحة، فيما يحتل العراق المرتبة 157، وسورية المرتبة 145، وتونس المرتبة 141، ولبنان المرتبة 108. وهذا يدلل على مدى نفور الأنظمة العربية من حرية الصحافة على رغم تبجحها بها ليل نهار، وتذرعها بأولوية التنمية الاقتصادية، ومنعها تكوين النقابات الناطقة بمصالح الصحافيين والمدافعة عن حرياتهم، وغياب الحريات العامة. وبالتالي فإن الصحافيين في المنطقة العربية ما يزالون يجازفون بحياتهم في مناطق خطرة أو يواجهون ملاحقات أنظمة متسلطة وشمولية، تفرض العديد من القيود على حرية الصحافة والرأي. إضافة إلى أن معظم المؤسسات الإعلامية الرئيسية تملكها الدولة ومؤسساتها، وأن القليل المسموح به من وسائل الإعلام الخاصة يخضع لقيود كثيرة غير مرئية، مثل الطباعة في مطابع تابعة للدولة، والحصول على الورق عن طريق مؤسسات رسمية، وهو ما يفرغ الحرية الإعلامية من محتواها ويمنعها من تحقيق غايتها. ويعدّ تقرير منظمة"مراسلون بلا حدود"مناسبة لتسليط الأضواء على أهمية دور الصحافة في عالم اليوم، وللتحدث عن معاناة الصحافيين الذين يضحون بأنفسهم من أجل الحقيقة والبحث عن المعلومة الصحيحة في مناطق الخطر. إلا أن ذلك لم يغير من وضع العمل الصحافي كثيراً، لأن التقرير يعتبر العائق الأول أمام استقلال الصحافة هو التشريعات المعمول بها، إضافة الى المخاطر التي يواجهها الصحافيون في عملهم. فقد اعتقل العديد من الصحافين في البلدان العربية، ودخلوا السجن عام 2005 بتهمة"التشهير"، أو"التطاول على رئيس الدولة"، أو بتهمة"الاساءة للإسلام"، أو"نشر أخبار كاذبة". إضافة إلى"أن بعض الصحافيين احتجزوا في زنزانات انفرادية من دون محاكمة وحرموا من الاستعانة بمحام، وآخرون تعرضوا للتعذيب ولسوء المعاملة، وانتزعت الاعترافات منهم انتزاعاً قسرياً". كذلك فإن أجهزة الأمن في اسوأ أنواع الانظمة القمعية ما تزال تلاحق أي محاولة لنقل الوقائع بنزاهة، والتحري عن أي موضوعات حساسة، كالفساد والتيارات الاسلامية والمحرمات الاجتماعية والدينية. وعلى رغم التغيرات الواسعة التي عرفها العالم، إلا أن التغطية الإعلامية في عصر عولمة المعلومات ما تزال مختلة وغير متوازنة، حيث تظهر المقارنة الموضوعية حجم الاختلاف بين تغطية الأحداث في البوسنة والهرسك وكوسوفو وبين تغطية مآسي موزامبيق وسيراليون والمجازر المرتكبة في العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة. لقد تعقدت مهمات الصحافة في عالم اليوم، حيث ما تزال الحروب سمة مميزة لحل النزاعات بين الدول، وحيث أنظمة الهيمنة والشمولية لا تقيم وزناً لمختلف الحريات العامة والفردية. ويتزايد القلق كذلك من تهديد حرية الإعلام بسبب الحملة الأميركية ضد ما تعتبره واشنطن إرهاباً، الأمر الذي يشكل اختزالاً نظرياً واصطلاحياً بالغ الفجاجة، تمتد جذوره عميقاً في تربة الذهنية البوليسية الأميركية بمعناها الأمني. كاتب سوري.