زيارة الدولة التي بدأها العقيد علي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الموريتاني الى المغرب تتجه الى اختراق تدريجي لبلدان الجوار الاقليمي بحسابات افريقية وعربية، أي انها تتوخى شرعية الخارج بعد الاطمئنان الى شرعية الانتقال الديموقراطي في الداخل. وكما كانت زيارته الخاطفة سابقاً الى غامبيا اشارة الى التعاطي وبلدان الاتحاد الافريقي بمقدار من التفهم والتفاهم، فقد كانت مشاركته في قمة مجتمع المعلومات في تونس التي شارك فيها وزير خارجية اسرائيل سلفان شالوم تأكيداً لالتزامات سريان مفعول التطبيع والكيان الاسرائيلي، إلا أن زيارته المغرب سيكون لها نصيب أوفى في تأمين الشرعية المغاربية من دون اثارة الحساسيات. أقله لأن العلاقات بين نواكشوط وبلدان الشمال الافريقي تنفذ من الطابع الثنائي، باعتبار ان الاتحاد المغاربي معطل الآليات والتحركات. وسيكون على كل من المغرب والجزائر تحديداً أن يكسبا ود النظام الجديد الذي يضطلع بدور أكثر حساسية في الموقف من نزاع الصحراء. الأكيد ان الرباط التي كانت الأولى التي أوفدت المبعوث ياسين المنصوري رئيس الاستخبارات الخارجية الى موريتانيا، قبل تبين توجهات النظام الجديد، جازفت بكل الأوراق دفعة واحدة. لذلك جاء اختيار موريتانيا في الرد على التحية بأفضل منها. ومع ان جبهة بوليساريو بدورها لم تكن غائبة عن رصد التطورات في بلد المليون شاعر، فإن ما يهم الجزائر في المعادلة انها لم تكن راضية عن سياسة نظام الرئيس السابق معاوية ولد أحمد الطايع في هذا النطاق، وبين عدم الرضا واكتشاف هوية النظام الجديد تسارعت الأحداث في اتجاه تعزوه نواكشوط الى التزامها دعم جهود الأممالمتحدة، لا أقل ولا أكثر. فيما ترصد الجزائر مسار الانفتاح، ان كان سيشكل تحالفاً محورياً أم ينطبع بالتوازن، غير ان حدة الاستقطاب لن تكون بالدرجة نفسها التي كان عليها الوضع سابقاً. ذلك ان تأسيس الاتحاد المغاربي، على رغم تعثره وجموده فإنه حافظ على ميزة رفض المحاور في منطقة الشمال الافريقي. وكان لافتاً انه احدث عام 1989 على انقاض الوحدة المنهارة بين المغرب والجماهيرية الليبية في مقابل معاهدة الأخوة التي ربطت بين الجزائروموريتانياوتونس، ما يعني استحالة العودة - ظاهرياً - الى سياسة المحاور. غير أن النظام الجديد لا يواجه صعوبات حقيقية في تحسين علاقاته مع دول الجوار، أكان ذلك على الصعيد الافريقي بعد ازالة غيوم الخلافات مع السنغال أو على المستوى المغاربي بعد تحسين العلاقات مع ليبيا. وان كان ذلك لا يلغي حسابات الأطراف المتصارعة وفي مقدمها الجزائر والمغرب. لكن العامل الاقتصادي أصبح يميل الى ترجيح كفة البحث عن علاقات متكافئة في ضوء اكتشاف النفط في موريتانيا، الذي لا بد ان تكون له انعكاسات في تجاوز نفوذ الماضي بالنسبة الى الموريتانيين وجيرانهم على حد سواء. واذ يسعى النظام الجديد في نواكشوط الى الضغط في مساحة داخلية واقليمية عبر التلويح بورقة الديموقراطية الانتقالية التي ستتوج بانتخابات رئاسة عام 2007، فإن المجال الذي يشكل مركز القلب بالنسبة الى موريتانيا يكمن في التزام حياد متوازن يريده المغاربة ان يبتعد قليلاً عن سياسات النظام السابق ويريده الجزائريون وجبهة بوليساريو ان يحافظ على شعرة معاوية. من السابق لأوانه توقع حدوث موقف درامي إزاء نزاع الصحراء، نظراً الى التوازن شديد الصعوبة في قضية كهذه، غير ان اختزال التحدي الموريتاني في ضرورات ترتيب البيت الداخلي يجنب البلاد أي ضغوط، والأقرب الى ذلك إحالة الموقف الى ما بعد الاستحقاقات الاشتراعية والرئاسية، ففي الفترات الانتقالية يصبح الانشغال بأوضاع الداخل أكثر حيوية. ولا يبدو ان أي طرف سيطلب من النظام الموريتاني ان يمنح أكثر مما يستطيع، وعلى حد المثل الفرنسي فالمرأة الجميلة لا تقدر ان تمنح أكثر مما عندها. كل الحدود المتوقعة لسياسة نواكشوط بعد انقلاب الثالث من آب اغسطس لن تزيد عن الاستجابة لقلق الداخل، ومن غير الوارد تقويم الموقف بغير المعايير الداخلية التي تتوق لاختراق شرعية مطلوب تحرر النظام من أي ضغوط، والشهور الأربعة لا تقاس بالموقف من نزاع دخل عامه الثلاثين وسط ترقب حل الشرعية الديموقراطية.