استقال محافظ المصرف المركزي الإيطالي أنطونيو فاتسيو من منصبه الذي كان يشغله منذ أكثر من عشر سنوات. وجاءت الاستقالة قبيل ساعات قليلة من إصدار الحكومة الإيطالية مرسوماً يفعّل مجريات قانونية كانت ستُفضي إلى عزله من المنصب الذي يُتيح القانون الإيطالي له حق البقاء فيه مدى الحياة. وتلت استقالة فاتسيو عاصفة سياسية استمرت خمسة شهور إثر افتضاح سر عملية مالية كبيرة نتجت من شراء أسهم أحد البنوك الإيطالية. الوسط السياسي الإيطالي تنفّس الصُعداء بعد الاستقالة لأن خروج فاتسيو من المشهد سهّل على الأطراف السياسية الإيطالية، سواء من الحكم أو المعارضة، مواجهة المرحلة المقبلة من تاريخ أهم مؤسسة مالية إيطالية بهدوء أكبر ورويّة قلّما توافرت بين الطرفين منذ نزول بيرلوسكوني إلى معترك السياسة الإيطالية في عام 1994. النتائج والتداعيات التفعيل القانوني ضد فاتسيو كان سيُفضي إلى انهيارات كبيرة في الاقتصاد الإيطالي. وتبدو الصورة الآن أكثر هدوءاً، إذْ تتجه النية إلى إصدار قانون يتيح لمحافظ المصرف المركزي البقاء في منصبه لخمس سنوات قابلة للتجديد، وإناطة مهمة اختياره إلى مجلس الوزراء بعد أن كانت هذه المهمة من صلاحيات رئيس الجمهورية. وتشير التوقعات الى أن اتفاقاً واسعاً بين القوى السياسية في البرلمان سيمرر قانون تحديد مدة المحافظية للمصرف المركزي الإيطالي. واعتبرت المعارضة التي أثنت على فاتسيو قراره بالاستقالة ان تلك الخطوة"جاءت متأخرة وأضرّت بصورة إيطاليا". وشددّ زعماؤها على الاستعداد في الاتفاق مع الحكومة على تعديل القانون الخاص بمحافظ المصرف المركزي"على أن يتم اختيار شخصية لها حضورها الدولي واحترامها وضرورة عدم إخضاع اختيار من يشغلون هذا المنصب للتقسيمات السياسية والحزبية البحتة". ومن بين الأسماء الأكثر تداولاً لشعل هذا المنصب اسما تومّازو بادوا سكيوبّا الذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة المصرف المركزي وماريو مونتي الذي شغل لدورتين منصب عضو مجلس المفوضية الأوروبية. وتبدو حظوظ مونتي أكبر بقليل لأنه سيحصل، في حال ترشيحه، على دعم اليسار المعارض أيضاً، إلاّ أن أوساطاً اقتصادية مطّلعة لا تستبعد أن يتم اختيار أحد مساعدي فاتسيو نفسه لشغل منصب المحافظ، وذلك لضمان الاستمرارية ولو لحين ودرء هزات يعجز الاقتصاد الإيطالي عن مواجهتها عشية الاستعدادات للانتخابات البرلمانية في الربيع المقبل. التحقيقات وعلى صعيد التحقيقات القضائية، تواصل في السجن المركزي لمدينة ميلانو استجواب رجل المال الإيطالي فيوراني للكشف عن ملابسات عملية الالتفاف التي كان يُعد لها للهيمنة على مصرف"أنتون فينيتا". وتشير التسريبات الإعلامية إلى أن فيوراني أكد في استجواب أول من أمس أن"فاتسيو كان على علم"بخطته في شراء أسهم المصرف المذكور. وكانت الفضيحة انفجرت في الثاني عشر من شهر تموز يوليو الماضي ودخل اسم فاتسيو ضمن ملف التحقيقات بعد ذلك بشهرين. وتميّزت الأسابيع الماضية بجدل واسع ومطالبات عدة لفاتسيو بالانسحاب من موقعه وإتاحة الفرصة أمام القضاء للتعامل مع الملف برويّة أكبر ومن دون اهتزازات سياسية عنيفة. إلاّ أن فاتسيو، الذي حصل قبل شهور على عروض كبيرة وملحّة من تحالف بيرلوسكوني ومن المعارضة للدخول إلى معترك السياسة، فضّل البقاء في مؤسسته التي عمل فيها لخمسة وأربعين عاماً حتى اللحظة الأخيرة، أي بعد اعتراف فيوراني بپ"علمه"بما يجري حول مصرف أنتون فينيتا.