خفضت اسرائيل سقف توقعاتها من قمة شرم الشيخ واستبعدت اختراقاً سياسياً في العلاقات مع السلطة الفلسطينية، كما أبدت مزيداً من التشدد في"ملف الأسرى"وأصرت على التوجه الى الفلسطينيين بمطالب أمنية عدة من دون ان تكون مستعدة لدفع أي ثمن سياسي لقاءها. في المقابل بدا واضحاً ان تل أبيب تسعى الى تعزيز العلاقات مع مصر، اذ تحدثت عن احتمالات قوية بأن يلبي الرئيس حسني مبارك دعوة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لزيارة الدولة العبرية قد تسبقها اعادة السفير المصري الى تل أبيب. وعلى رغم الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي مساء أول من أمس على تشكيل لجنة وزارية مشتركة للبحث في قضية المعتقلين الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال بسبب هجمات نفذوها قبل اتفاقات أوسلو العام 1990، إلا ان مراقبين رأوا ان تشكيل اللجنة أزال عثرة جديدة في طريق قمة شرم الشيخ، لكنه لم يحل المشكلة و"ما حصل ليس سوء إرجاء الأزمة في هذه المسألة الى ما بعد انعقاد القمة". لجنة للاسرى ووعد باطلاق نجل البرغوثي وأكدت تصريحات أقطاب الدولة العبرية وتعليقات صحفها ان اسرائيل لا تزال تصر على تحديد"المواصفات"لاطلاق أسرى فلسطينيين بنفسها، مستبعدة الافراج عن أسرى"تلطخت أياديهم بدماء اسرائيليين"، وأنه في احسن الأحوال قد تفرج بعد أشهر على ما بين ثلاثة وأربعة أسرى قدامى متقدمين في السن ويعانون أمراضاً. ودحض شارون الأنباء عن احتمال افراج السلطات الاسرائيلية عن قتلة الوزير الاسرائيلي رحبعام زئيفي أو عن مخططي العملية، وفي مقدمهم الأمين العام ل"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"أحمد سعدات، وقال في مستهل جلسة الحكومة الاسبوعية أمس ان الموضوع ليس مطروحاً على جدول الأعمال، وهو ما أكده أيضاً وزراء حكومة من"ليكود"و"العمل"على حد سواء. وأعلن الوزير العمالي حاييم رامون ان اسرائيل لن تفرج في المستقبل عن أسرى متورطين في قتل اسرائيليين وان قتلة الوزير زئيفي سيبقون وراء القضبان فترة طويلة. وقال وزير الدفاع شاؤول موفاز ان اسرائيل تعتزم الافراج عن اثنين من الأسرى الذين طالبت السلطة بهم، وان احدهما هو نجل مروان البرغوثي. وأضاف انه ينبغي منح فرصة"منضبطة"لرئيس السلطة الفلسطينية"لكن في كل الأحوال فإن كل بوادر حسن النية سيقرها الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني من دون تسرع وبجرعات ملائمة". وتابع ان ثمة انذارات لدى اجهزة الأمن الاسرائيلية عن نية"حزب الله"تقويض القمة، مبررا اعلان رفع حال التأهب الأمني على طرفي"الخط الأخضر". من جهته، دعا القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود اولمرت الى ملاءمة السياسة الاسرائيلية مع الواقع الجديد الناشئ في أراضي السلطة، وقال:"ينبغي تغيير الاسطوانة بحيث تعكس مرونة من جهتنا لقاء بعض الخطوات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية"، من دون أن يخوض في التفاصيل. وقال نائب وزير الدفاع زئيف بويم للاذاعة الاسرائيلية انه"يتحتم الحذر من القيام ببوادر حسن نية زائدة. ويجدر بنا بعد تجربة الماضي ان لا نتسرع بل توخي الحذر"، مضيفاً ان دعم اسرائيل لرئيس السلطة الفلسطينية ضروري لتفادي اتهامها بعرقلته،"لكن شرط ان يتم ذلك بجرعات صحيحة وكمية مناسبة". لا حماسة اسرائيلية لزيارة رايس الى ذلك، بدا ان اسرائيل ليست متحمسة للزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الى المنطقة أمس، اذ بثت وسائل الاعلام العبرية نقلا عن محافل سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب الانطباع بأنها تتحسب من ان تمارس واشنطن"ضغوطا"على اسرائيل لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين قدماً والشروع في تطبيق"خريطة الطريق"الدولية، فيما ترى اسرائيل ان الوقت لم يحن بعد لذلك، وان المطلوب أولا تنفيذ الفلسطينيين استحقاقات المرحلة الأولى من الخريطة، خصوصاً في كل ما يتعلق ب"محاربة الارهاب"وتفكيك الفصائل المسلحة. ولفت المعلق السياسي في صحيفة"هآرتس"ألون بن الى المفارقة في الموقف الاسرائيلي الذي بات يفضل التدخل المصري على الأميركي، وكتب انه لو كان بوسع اسرائيل التعبير بصراحة عن موقفها لطلبت من رايس الانصراف الى بيتها. وأضاف ان اسرائيل ليست مرتاحة للتقارب الأميركي - الأوروبي بداعي انه يأتي على حسابها، كما انها متنبهة الى التأييد الكبير الذي يحظى به الرئيس الفلسطيني الجديد في أروقة البيت الأبيض،"هذا فضلا عن عدم الارتياح من المبادرة الاميركية لاحياء التنسيق الأمني الثلاثي الأميركي - الاسرائيلي - الفلسطيني ما سيحول دون رد فعل اسرائيلي عسكري متسرع على عمليات فدائية فلسطينية". وختم المعلق بالقول ان أكثر ما يخشاه رئيس الوزراء الاسرائيلي هو ان ترى واشنطن في اعادة نشر قوات الأمن الفلسطينية في قطاع غزة ووقف النار تطبيق الفلسطينيين التزامهم في"خريطة الطريق"، ما يستدعي الانتقال الى المرحلة الثانية منها من دون نزع الأسلحة من الفصائل الفلسطينية، ودعم اسرائيل اقامة دولة فلسطينية في حدود موقتة. في المقابل، تعول اسرائيل على القمة ان تثمر انطلاقة أخرى في العلاقات مع مصر، ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن مصادر سياسية مصرية ان الرئيس مبارك سيتجاوب هذه المرة مع دعوة لزيارة اسرائيل، علماً انه لم يزرها رسمياً باستثناء مشاركته في مراسم تشييع رئيس الوزراء السابق اسحق رابين أواخر العام 1995. وبرأي معلقين اسرائيليين فإن مبارك وشارون هما الرابحان من القمة الوشيكة"التي ستعزز حكومة الرئيس المصري في بلده والعالم العربي وتحديداً واشنطن"، وان نجاح القمة سيخفف الضغوط الاميركية على القاهرة لاجراء اصلاحات في النظام نحو"الدمقرطة". أما شارون فسيسجل نقاطاً لمصلحته في الرأي العام الاسرائيلي بتأكيده ان القمة ستبحث مسائل أمنية فقط ولن تعلق مفاوضات سياسية أو تخوض في تطبيق"خريطة الطريق". وكتبت معلقة في صحيفة"معاريف"ان القمة ستمنح شارون عناوين مشجعة في وسائل الاعلام العبرية ومن شأنها ان تحقق انعطافة ايجابية في موقف الاسرائيليين من خطة فك الارتباط، وقد تمهد الى انضمام حركة"شاس"الدينية الشرقية الى ائتلافه الحكومي بعد ان يرى اقطابها ان مطلبهم تنسيق تطبيق الخطة مع الفلسطينيين قد تحقق.