بعد ضربة بالي، تحدث اندونيسيون وأوستراليون عن 11 أيلولهم. وفي 11 آذار مارس قال اسبان انه 11 أيلولنا. فما طرأ في نيويورك وواشنطن، صيف 2001، غدت دلالته تتعدى حدثه المروّع حتى صار أقرب الى الحالة التي تتوافر لها مواصفات معينة. واللبنانيون، في المعنى هذا، صار في وسعهم أن يصفوا يوم 41 شباط فبراير الجاري بأنه 11 أيلولهم. صحيح ان عدد الذين قتلوا قليل نسبياً، إلا أن مصرع الرئيس رفيق الحريري هو ما وصفه كاتب ومعلق لبناني ب"تسريع التاريخ". فهو محطة هناك"ما قبلها"وهناك"ما بعدها". وفضلاً عن طبيعتها الارهابية المحضة، لا تزال التساؤلات تتلاحق حول كيفيتها"التقنية"، والشكل الذي اتخذه إعدادها وتنفيذها. فهنا أيضاً تقاطع الشر البدائي مع الاستخدام التقني الذي، بالمناسبة، باتت وراءنا كمية من التجارب تقول إن في وسع أي كان، مهما بلغ به التخلف، إتيانه. بيد أن أكثر ما يُدرج اليوم اللبناني المشؤوم في 11 أيلول، يتعلق بالأفكار. وهنا، كذلك، نحن أمام تحولات من طبيعة زلزالية. فهي المرة الأولى منذ مقتل رياض الصلح، يتعامل فيها المسيحيون اللبنانيون مع شخص الراحل المسلم بوصفه"شهيدنا"و"قتيلنا". ووراء الحالة العاطفية الجارفة هذه ربما كمن إقرار جديد، يؤمل أن تبلوره الأيام اللاحقة، مفاده أن اللبنانية ذات صيغ متعددة وذات سبل مختلفة يستحيل ضبطها في صيغة وسبيل واحدين. كذلك كنا رأينا كثيرين في"اليسار"و"وسط اليسار"يأخذون على الحريري سياساته الاقتصادية. إلا أن الهزة التي عصفت بهم هم أيضاً، انطوت على إعادة ترتيب للأولويات. ذاك ان الموضوع في لبنان هو أن تبني، وليس كيف تبني. ومن دون أي انتقاص من جدارة السؤال الأخير، يبقى ان الانتقال إليه يظل معاقاً ما لم يتحقق الاستقلال نفسه. والاستقلال اللبناني لا يزال مهمة مطروحة في الأفق، قد يستدعي بلوغه تضحيات جسيمة. غير أن هزّة الأفكار الكبرى طالت الطائفة السنية اللبنانية. فالجريمة بيّنت أن الأولوية لبناء الوطن اللبناني، وأن الرطانة"القومية"السابقة لم تنجح إلا في تشكيل ذريعة يستخدمها طرف أقوى وأكبر لمنع قيام الدولة - الأمة في لبنان، ولتفتيت اللبنانيين باللعب على تناقضاتهم. هكذا جاء مصرع الحريري يغلّب الواقع على الوهم. وهو وهم دلت التجارب كلها على أن مساره الوحيد الممكن هو ما عرف اللبنانيون وعاشوا منذ 1975. وبالمعنى هذا، وعملاً بالاستخدامات الرمزية الدارجة، تنسحب من التداول"بيروت عبدالناصر"و"بيروت المقاومة"، وطبعاً"بيروت حافظ الأسد"، لتولد"بيروت رفيق الحريري". وربما حمل 11 أيلول اللبناني إضافة من الحريري الى الحريرية. فالرئيس الراحل مثّل واحداً من العقال والمعتدلين الذين لم يدفعهم 11 أيلول الأميركي في وجهة قصوى وراديكالية. لقد حافظ على اتزانه وحرصه على دور وسيط كان يليق بالعهد الكلينتوني السابق على الجموح الايديولوجي في أميركا. لكن الذين تجاهلوا هذا الدور لم يكونوا البوشيين والمحافظين الجدد، بل أولئك الذين أصروا على التمديد للرئيس اميل لحود. وهكذا كان الآخرون يبادرون الى استبعاد الاحتمال الوسطي، قارئين 11 أيلول الأميركي على نحو ينجب 11 أيلول لبنانياً.