قالت مصادر وزارية ونيابية ان الفكرة التي كان يتداولها عدد من الشخصيات والقوى السياسية للقيام بمبادرة مدروسة لتنفيس الاحتقان الناتج عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، دفنت قبل ان ترى النور، وكانت تهدف الى المجيء بحكومة حيادية تشرف على الانتخابات النيابية. وكشفت المصادر ل"الحياة"ان الفكرة طرحت في نطاق ضيق جداً، لكن تسارع الأحداث والتطورات السياسية بعد استشهاد الحريري كانت وراء سحبها من التداول بذريعة ان المعارضة وعلى رأسها رئيس"اللقاء النيابي الديموقراطي"وليد جنبلاط ذهبت بعيداً في رفع سقفها السياسي لا سيما بعد دعوتها في اجتماعها الأخير الى"انتفاضة الاستقلال". ويرى وزراء ونواب في الموالاة ان المعارضة"ذهبت بعيداً في طروحاتها وأخذت تطالب بالمستحيل وبالتالي فإن مجرد البحث في استبدال الحكومة بأخرى حيادية مصغرة يعني ان السلطة منيت بهزيمة سياسية على يد المعارضة التي اخذت تستفيد من تصاعد حملات الاستنكار الدولية والعربية الشاجبة لجريمة اغتيال الحريري، اضافة الى ان التغيير الوزاري سيعطي المعارضة ورقة جديدة لطرح المزيد من المطالب المستعصية". ولفتت المصادر الى ان مجلس الوزراء اراد من خلال إسراعه بتعيين وديع الخازن خلفاً لوزير السياحة المستقيل فريد الخازن، بعد ساعات على استقالته،"إقفال الباب امام البحث عن مخرج للمأزق السياسي الذي سيؤدي للدخول في طريق مسدود في حال تصاعدات المواجهة بين الموالاة والمعارضة". ورأت المصادر عينها ان المعارضة"ترفض عقلنة موقفها، مما يحتم على السلطة من خلال القوى الداعمة لها عدم التراجع تحت الضغطين السياسي والشعبي"، وأن"إطلاق مبادرة تساعد على عودة الهدوء سيدفع بالمعارضة الى تكبير الحجر بمطالب جديدة لا نعرف الى اين ستذهب في طروحها او بالأحرى شروطها". ولفتت المصادر القريبة من اهل القرار في السلطة الى ان المعارضة"ستتصرف ليس على اساس انها منتصرة فحسب وإنما ستدفع بالقوى الدولية والإقليمية المتعاطفة مع تحركها الى مزيد من الضغط يتجاوز الساحة المحلية الى سورية". وقالت ان الحكومة"امام خيار وحيد هو اعداد العدة للدخول في مواجهة سياسية مفتوحة مع المعارضة بكل قواها لما سيسفر عن تراجعها من سلبيات اولها توفير المزيد من الأوراق لها لتستغلها في الانتخابات النيابية". وأكدت المصادر ان الموالاة ومعها الحكومة اخذت تحضّر نفسها لهجوم مضاد، وأن مجلس الوزراء حدد السقف الذي ستحشد تحته ما تيسر من قوى لتعبئة الرأي العام على اساس اتهام رئيس الحكومة عمر كرامي المعارضة بأنها تعقد العدة لانقلاب. ونقلت عن رئيس الجمهورية اميل لحود قوله في مجلس الوزراء"إننا تقدمنا بأكثر من مبادرة لكن كل المبادرات سقطت بما فيها الدعوة الى الحوار إذ ردوا علينا المعارضة برفض كل اشكال الحوار وذهبوا بعيداً في تصعيد تحركهم وبطريقة تتعارض مع مظاهر التعبير عن الأسى والحزن باغتيال الرئيس الحريري". كما نقلت عن لحود قوله"ان اي مظهر من التعبير عن الحزن الذي تقوم به عائلة الرئيس الحريري، يبقى مقبولاً لا بل مرحباً فيه، ونحن نقدم كل مستلزمات هذا التعبير لكن هناك من يحاول استغلال هذه المناسبة الأليمة لإرباك البلد وإحداث خلل لا نسمح به وسيعالج بالطريقة المناسبة". وأشارت المصادر ايضاً الى ان الوزراء شددوا على ضرورة"عدم التراجع امام المعارضة بذريعة انها لم تعد تستهدف لبنان وإنما اخذت تقفز فوق الواقع اللبناني للنيل من سورية ودورها في ظل اشتداد الضغوط على البلدين". وأوضحت المصادر ان المعارضة لا تكتفي بإسقاط الحكومة وإظهار الدولة انها غير موجودة وإنما"تستهدف سورية التي نعتقد انها في طليعة الدول المتضررة من اغتيال الحريري لأنه ابرز رموز الاعتدال"، مشيرة الى ان دمشق"تنصح باستيعاب الوضع بتفعيل التواصل للخروج من المأزق لكن قوى اساسية في المعارضة تستمر في شن حملاتها ضدها". وأشارت المصادر الى ان فكرة الإتيان بحكومة حيادية بقيت في اطارها العام من دون التفاصيل، بعد ان صعدت المعارضة موقفها، مؤكدة ان"هناك نية لتشكيل حكومة وحدة وطنية فور الانتهاء من الانتخابات على اساس قيام الحكومتين اللبنانية والسورية بوضع جدول زمني يحقق انسحاب القوات السورية من البقاع الى داخل الحدود، ثم اجراء مراجعة شاملة لملف العلاقات الثنائية لتنقيتها من الشوائب وتطويرها في المؤسسات الدستورية من دون تدخل الأجهزة الأمنية التي تبقى مهامها محصورة في نطاق التنسيق لحماية الأمن القومي للبلدين، ذلك اضافة الى تصحيح تطبيق اتفاق الطائف في ضوء إقرار الأطراف بالخلل في تطبيقه".