بدء الاقتراع الرئاسي في نيوهامبشر بالولايات المتحدة    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    الأكبر في الشرق الأوسط.. مقر عالمي للتايكوندو في الدمام    العالم يترقب الرئيس ال47.. وأمريكا تتأهب لسيناريوهات الصدام    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    تعليم الطائف بدء تطبيق الدوام الشتوي بالمدارس مع بداية الفصل الدراسي الثاني    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    تنوع تراثي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقالة الفريق العماري أنهت فترة احتقان وحصرت مهمات العسكريين في الثكنات . بوتفليقة "جنرالاً" وحيداً في الجزائر بعد اقالته جنرالات الحياة السياسية وتطهير العسكر
نشر في الحياة يوم 14 - 02 - 2005

أنهى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ فوزه بولاية رئاسية ثانية في الثامن من نيسان أبريل 2004، والتي حصل فيها على اكثر من 85 في المئة من أصوات الناخبين، مهمات أكثر من ألف ضابط كبير في الجيش الجزائري في أكبر عملية"تطهير"يقوم بها رئيس مدني في هياكل أهم مؤسسة دستورية في البلاد، والتي كانت تشكل، إلى وقت قريب، محور القرار الجزائري و"مصنع"الرؤساء. فهل سيطر الرئيس بوتفليقة فعلا على مقاليد القرار في الجيش؟ وكيف تمكن رئيس مدني من النجاح في ما فشل فيه اسلافه؟ وهل أنهت التغييرات التي قام بها مشاركة الجيش في إدارة الشؤون السياسية للبلاد؟
يتفق عدد كبير من قدماء ضباط الجيش الجزائري على القول ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نجح في تطويع المؤسسة العسكرية وإبعاد كل من كان يشكل إلى وقت قريب مصدر قرار موازٍ أو مصدر"إزعاج"مستمر يعترض تنفيذ سياسة المصالحة الوطنية في الميدان.
بوتفليقة لم يختلف عمن سبقوه الى الرئاسة في كيفية الوصول إلى الحكم بفضل"الإجماع"الذي كان حوله، بين قيادات المؤسسة العسكرية، لتولي رئاسة الجمهورية بعد استقالة الرئيس السابق اليمين زروال في 11 ايلول سبتمبر عام 1998 بسبب خلاف حول التعامل مع ملف"هدنة"ناشطي"الجيش الإسلامي للإنقاذ"وتزايد نفوذ مستشاره للشؤون الأمنية الجنرال محمد بتشين. لكنه في المقابل كان متميزا في سياسة النفس الطويل التي اعتمدها في إدارة الصراع مع قيادات الجيش الجزائري إلى أن كسب شرعية شعبية مكنته من تجاوز كل الشرعيات التي كانت تصنع لمن سبقه من الرؤساء.
فترة الصراع وجس النبض
سجلت الأوساط السياسية والإعلامية منذ الأشهر الأولى لتوليه الحكم، خلال الفترة الرئاسية الأولى، محاولات متكررة للرئيس الجزائري للإفلات من سيطرة العسكريين. اذ انتقدهم للمرة الاولى عام 1999 خلال زيارته لسويسرا ووصف قرار قيادات الجيش وقف المسار الانتخابي سنة 1992 ب"العنف"، ما أثار ذلك انزعاج قيادات بارزة في المؤسسة العسكرية. وعاد مطلع الخريف، في السنة نفسا، الى استفزاز الجيش مرة ثانية بتسريب معلومات إلى وكالة"رويترز"، مثلما اعترف بذلك لاحقا، ليعلن فيها مصدر قريب من رئاسة الجمهورية أن قيادة الجيش اعترضت على الحكومة الجديدة التي قام بتشكيلها.
وتسبب هذا"الخروج"المتكرر من بوتفليقة في تردي علاقاته مع رئيس الأركان السابق الفريق محمد العماري، الذي يُنسب اليه تصريح صحافي جاء فيه أن اختيار عبد العزيز بوتفليقة لتولي منصب رئاسة الجمهورية عام 1999 كان ل"سبب بسيط"هو أنه كان"الأقل سوءاً"من بقية الشخصيات السياسية التي جرى بحث فرص ترشحها.
وتصاعدت حدة الاحتقان سنة 2002 عندما انتقد مصدر"قريب من وزارة الدفاع"في صحيفة"لوسوار دالجيري"الرئيس الجزائري بحدة وتبعه بعد ذلك مؤتمر صحافي عقده الفريق العماري، وهو الأول من نوعه منذ تعيينه في هذا المنصب عام 1993، تحدث فيه عن علاقاته مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقضايا تخص الشؤون السياسية مثل الوضع في منطقة القبائل.
ومع تصاعد وتيرة الصراع حول الانتخابات الرئاسية التي جرت في نيسان 2004 تردد لدى أوساط سياسية ودبلوماسية أن الفريق العماري كان أبرز الذين اعترضوا على تجديد ولاية بوتفليقة لأسباب عدة أبرزها:
- السيطرة المفرطة على مختلف صلاحيات القرار في كل مؤسسات البلاد من دون الحاجة الضرورية إلى ذلك مما تسبب في تكدس الصلاحيات في مركز واحد وانعكس على السير العادي لمؤسسات البلاد.
- تراجع مستمر لتأثير العسكريين كمركز قرار مواز لسلطات رئيس الجمهورية قبل انتهاء ما يعتقدون أنها"مهمة وطنية"لإنقاذ الجمهورية من الجماعات الإسلامية المسلحة، وأيضا تكرار انتقاداته لبعض قيادات الجيش.
فشل تهديدات بوقف الانتخابات
حاول الفريق العماري مرارا، في الشهور التي سبقت الثامن من نيسان الماضي، موعد الانتخابات، التهديد ضمنا أو صراحة بوقف المسار الانتخابي إذا حدث تزوير في النتائج أو انسحب المرشحون المتسابقون على كرسي الرئاسة. لكن هذه التهديدات لم تجد الصدى المطلوب لدى بقية دوائر القرار في الجيش الجزائري. ويذكر دبلوماسي غربي أن جنرالا بارزا في جهاز الأمن الخارجي أطلق إشارات واضحة إلى أبرز الممثليات الدبلوماسية الغربية في شأن"عزلة"تصريحات الفريق عن"الإجماع"الذي تبلور داخل الجيش في شأن موقف الحياد المعبر عنه داخل المؤسسة العسكرية. ويعتقد أن الولايات المتحدة أبلغت العماري قبل يومين من الانتخابات، عبر سفارتها في الجزائر، عن قلقها من بروز مخاوف جدية من"حمام دم"إذا تدخل الجيش مجددا"لتصحيح"نتائج الانتخابات. وقد كان العامل الخارجي حاسما في دفع الجيش إلى تبني الحياد وعدم التدخل مجددا في الساحة السياسية.
عناصر نجاح بوتفليقة
ويحصر جنرال سابق في الجيش الجزائري نقاط القوة في سياسة بوتفليقة في علاقته مع قيادات المؤسسة العسكرية في ثلاثة عناصر أساسية هي:
1 - القدرة المستمرة على المناورة والتي جعلته يتحول من شخص هادئ الطبع إلى رئيس جمهورية يجيد الاستفزاز والمناورة بشكل مستمر وهي المنهجية التي فضل إتباعها على مدار السنوات الخمس الفائتة خلال الفترة الرئاسية الأولى. وفضل التذكير في هذا الشأن بخطاب ألقاه في ولاية تيبازة 60 كلم غرب وصف فيه قيادات الجيش التي تنشط أيضا في مجال التجارة الخارجية ب"القطط"التي تحاول الظهور ك"أسود".
2 - عدم تورط الرئيس بوتفليقة في إدارة شؤون البلاد خلال فترة الأزمة بين 1992 و1999 في تحرير مواقفه من كل متاعب المذابح الجماعية ضد المدنيين مما جعله"المحامي"بامتياز عن قيادة الجيش في الخارج. وهو ذكّرهم بهذا الدور قبل الانتخابات عندما أشار إلى جهده في إنقاذهم من محكمة الجنايات الدولية التي كانت تهدد بعض الأوساط بإحالتهم اليها بسبب ما عرفته البلاد من مذابح في منتصف التسعينات.
3 - اعتماد الرئيس بوتفليقة على خبرته في نظام الحكم بين 1962 و1983 لخلق مؤيدين له داخل المؤسسة العسكرية وتفكيك الإجماع الذي كان ضده داخل الجيش، وهو عامل حاسم جعل قيادات بارزة في"عزلة"خلال الأنتخابات الأخيرة.
لكن سياسيين مطلعين على شؤون الحكم ما زالوا يعتقدون بأن ما حصل في الانتخابات الأخيرة لا يعدو أن يكون اكثر من"سيناريو شرف"أعطي فيه دور البطولة إلى الفريق العماري لتمكين الرئيس الجزائري من ضمان تجديد ولايته الرئاسية للمرة الثانية"في إطار انتخابات ديمقراطية غير مطعون في شرعيتها". ويعتقد المصدر أن دوائر في المؤسسة العسكرية كانت، على الأرجح، وراء إقناع بعض السياسيين الذين رفض المجلس الدستوري ترشيحاتهم مثل الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بجدوى دعم المرشح علي بن فليس بهدف تجنب تكرار سيناريو المقاطعة الذي كان الهاجس الأوحد الذي يهدد بفشل الانتخابات التي مكنت الرئيس بوتفليقة من الحصول على غالبية 85 في المئة من الأصوات وهو ما دفع وزير داخليته نور الدين يزيد زرهوني عقيد سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية، إلى وصف نتائج هذه الاستحقاقات ب"تصحيح الجمهورية".
رحيل العماري و"الجماعة"
كان من أبرز نتائج الإنتخابات الرئاسية حدوث تصدع داخل المؤسسة العسكرية. فالفريق محمد العماري الذي كان الرجل الأول في الجيش الجزائري وجد نفسه وحيدا ومعزولا في مواجهة الأوضاع الجديدة لأن المؤسسة لم تكن معه على طول الخط، فكان أن قرر مع نهاية شهر حزيران يونيو إيداع استقالته من المؤسسة ككل وطلب الحصول على التقاعد. ولم تنفع المحاولات التي تمت حتى من طرف الرئيس بوتفليقة لإقناعه بجدوى العدول عن قراره"المفاجئ"الذي لم يعلن عنه رسميا إلا في الثالث من آب أغسطس 2004 كانت"الحياة"أول صحيفة عربية أكدت استقالة العماري رسميا في 27 تموز/يوليو. وكان وزير الداخلية يزيد زرهوني صرح في 17 تموز بأن الفريق العماري في عطلة خاصة"للعلاج في إسبانيا"وأكد عودته إلى منصبه في 22 تموز.
وبالتزامن مع تعيين اللواء قايد صالح في منصب رئيس هيئة الأركان قرر الرئيس بوتفليقة بصفته وزير الدفاع الوطني إسناد صلاحيات واسعة إلى اللواء أحمد صنهاجي الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني فأسند اليه عدداً كبيراً من الصلاحيات التي كانت تخضع في السابق لسلطات قائد أركان الجيش.
ومباشرة بعد الإعلان رسميا عن استقالة الفريق العماري قرر عدد من ضباط المؤسسة العسكرية المؤيدين لخطة الفريق العماري في احترافية الجيش ومكافحة الإرهاب التنحي من مناصبهم وكان ضمن"الدفعة الأولى"اللواء شريف فضيل قائد الناحية العسكرية الأولى والذي تولى إدارة خلية مكافحة الإرهاب في منتصف التسعينات. وبعد أيام تقرر إنهاء مهمات ما يزيد لى 800 ضابط سام من مختلف الرتب على التقاعد قبل اكمالهم السن القانونية.
أفضت التغييرات التي قام بها الرئيس بوتفليقة منذ توليه الحكم لولاية رئاسية ثانية إلى تفتيت كتلة مؤيدي سياسة الفريق محمد العماري في إدارة شؤون المؤسسة العسكرية لكنها ساهمت في بروز ثلاث دوائر قرار داخل وزارة الدفاع الوطني:
1- كتلة رئيس أركان الجيش الجزائري اللواء أحمد قايد صالح الذي يتولى حاليا مهمات الرجل الأول في"قيادة هيئة الأركان"والتي تشمل إدارة شؤون التسلح وتهيئة الجنود والوحدات القتالية ومتابعة تطور أداء المؤسسة العسكرية في النواحي، وقيادات القوات المسلحة وما يرتبط بهما من قرارات على المستوى المحلي أو العلاقات مع الخارج. ويستقبل اللواء قايد صالح ضيوفه حاليا في مبنى هيئة الأركان وله فريقه الخاص الذي يتولى أداء التشريفات والتنسيق معه في إدارة الملفات التي له سلطة عليها. وكانت هذه الكتلة الأكثر تأثرا من التغييرات التي قام بها الرئيس الجزائري منذ نيسان الماضي سواء بسبب مواقفهم المعارضة لسياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أو للاشتباه بعلاقاتهم المميزة مع الفريق العماري.
2- كتلة الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني اللواء أحمد صنهاجي والذي فوضه الرئيس بوتفليقة، بصفته وزير الدفاع الوطني، صلاحيات واسعة في إدارة الشؤون المرتبطة بوزارة الدفاع الوطني وكل ما يتصل بمتابعة المديريات المركزية في الوزارة والعلاقات مع الخارج ضمن الاختصاصات الوزارية. وساهم اللواء صنهاجي في بروز فريق جديد يتولى إدارة شؤون وزارة الدفاع ومن بين اعضاء هذا الفريق رئيس ديوانه العقيد بومدين عتو الذي أسند اليه شؤون المديرية المركزية للاتصال والتوجيه.
وأبعد اللواء صنهاجي الكثير من الضباط الرفيعين الذين اشتبه في معارضتهم سياسة الرئي بوتفليقة.
3- كتلة جهاز الاستعلامات والأمن وهي الكتلة الأساسية في المؤسسة العسكرية ويرأسها اللواء محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق وهو يتولى حاليا إدارة شؤون الاستخبارات العسكرية بمساعدة ضباط رفيعين لم تشملهم التغييرات التي قام بها الرئيس لوقوفهم إلى جانبه خلال العهد الأول ومساهمتهم الكبيرة في تنحية مجموعة كبيرة من ضباط المؤسسة العسكرية الذين كانوا ضد سياسة بوتفليقة. كما تعتبر هذه الكتلة الأهم في إدارة عمليات ملاحقة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة التي تقوم بها مصالح الأمن، وفي تنفيذ سياسة المصالحة الوطنية والعفو الشامل، على حد سواء.
دعم الخيارات المعلنة
وكل هذه الكتل تشترك الآن في دعم الخيارات المعلنة من طرف الرئيس بوتفليقة بصفته وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة وهي أساسا:
1- التفرغ لإنجاح مسار احترافية الجيش الذي شرع فيه على مستوى الهياكل الداخلية للمؤسسة العسكرية وعلى مستوى العلاقات مع حلف"الناتو"وأيضا جيوش الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
2- تجنب التعليق على التطورات السياسية التي تعرفها البلاد وتجنب أي اتصال سواء مع المحيط السياسي أو الإعلامي أو الدبلوماسي خارج الاختصاصات المحددة لكل عسكري ضمن هرم الجيش الجزائري.
3- الخضوع بشكل كامل إلى السلطات المباشرة لرئيس الجمهورية بصفته وزير الدفاع الوطني أو القائد الأعلى للقوات المسلحة سواء عبر الوصاية الإدارية ممثلة في شخص الأمين العام لوزارة الدفاع أو الوصاية العسكرية ممثلة في شخص رئيس أركان الجيش وكلاهما يؤيد بشكل كامل سياسة وبرنامج الرئيس الجزائري.
ويلخص عسكري متقاعد وضع العلاقة بين الرئيس بوتفليقة وضباط الجيش قائلا:"بوتفليقة هو اليوم الجنرال الوحيد في الجيش ودونه ليسوا إلا مساعدين في مهمات محددة". وتابع:"الجيش يتلقى الأوامر والقرارات اليوم ولم يعد يصدرها كما في السابق".
ويدعم هذه التوجه عقيد أحيل على التقاعد قبل سنوات اذ يقول"بوتفليقة أنهى وضعية شاذة بدأت بإلغاء المسار الانتخابي والجيش لا يمارس اليوم السياسة إلا في إطار الضوابط التي يحددها الرئيس بوتفليقة شخصيا".
ضباط المواجهة مع الاسلاميين أبرز المغادرين
استهدفت التغييرات"الاستعراضية"التي قام بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طيلة الشهور الستة الماضية في هرم المؤسسة العسكرية فريقين من القيادات الأساسية في الجيش سواء على المستوى المركزي او المحلي.
فبعد تنحي الفريق محمد العماري، رئيس هيئة الأركان، عن منصبه لأسباب خاصة اضطر عدد من المقربين منه إلى إتباع المسلك نفسه، فكان من بينهم عدد من كبار الضباط مثل اللواء فضيل الشريف، والجنرال محمد وداي قائد أركان الناحية العسكرية الأولى، ونائب قائد الناحية العسكرية الأولى عبد الرزاق معيزة. وهؤلاء تولوا مهمات أساسية في إدارة أبرز العمليات التي استهدفت عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة منذ منتصف التسعينات.
واضافة إلى فريق"القوات الخاصة"الذي عمل إلى جانب الفريق العماري كان من بين الذين استهدفتهم التغييرات مساعدو الفريق العماري في وزارة الدفاع الوطني والذين كانوا يعملون تحت سلطته مثل اللواء عبد المالك ساسي مدير العلاقات الخارجية في وزارة الدفاع الوطني، والعقيد حسين شياط مسؤول المديرية المركزية للإعلام والتوجيه. وطالت التغييرات لاحقا اللواء محمد تواتي العقل المدبر في وزارة الدفاع الوطني والذي شغل حتى نهاية العام الماضي منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العسكرية. وقرر تواتي الاستقالة من منصبه للتفرغ لإدارة شؤونه الخاصة. والعامل المشترك بين الراحلين من المناصب القيادية في الجيش الاهتمام بالشؤون السياسية وتعليقاتهم المستمرة حول التطورات التي تشهدها البلاد.
وفي المقابل شهدت المؤسسة العسكرية وافدين جدداً على أكثر من مستوى. اذ استعان اللواء أحمد قايد صالح بفريق قيادة القوات البرية التي كان يشرف على إدارتها قبل تعيينه في المنصب الجديد لمساعدته في مهماته. وكان من بين هؤلاء اللواء أحسن طافر الذي كان في قيادة الناحية الثالثة وعين في منصب قائد القوات البرية وهو كان من مؤيدي الفريق محمد العماري لكنه لم يقطع"شعرة معاوية"مع الرئيس الجزائري.
وشملت التعيينات عدداً آخر من الذين عملوا تحت سلطة الفريق محمد العماري خلال السنوات الماضية مثل الجنرال لحبيب شنتوف الذي كان تولى مهمة إدارة عمليات تفكيك معاقل الجماعة الإسلامية المسلحة في منطقة سيدي موسى سنة 1997 قبل أن ينتقل إلى مدينة بشار 1700 كلم جنوب غرب على الحدود مع المغرب لإدارة شؤون القبعات السوداء.
واستثنت التنحيات حتى الآن بعض كبار الضباط الذين لهم صلة وثيقة بالفريق العماري مثل اللواء كمال عبد الرحمن قائد الناحية العسكرية الخامسة شرق الجزائر، واللواء السعيد باي قائد الناحية العسكرية الثانية غرب الجزائر.
لكن الرئيس الجزائري عمد مطلع العام الجاري إلى إنهاء مهمات اللواء عبد المجيد صاحب قائد الناحية العسكرية الرابعة جنوب الجزائر بعد مقتل 18 عسكرياً في اعتداء نفذه مسلحون من تنظيم"الجماعة الإسلامية المسلحة". وقال محللون ان الرئيس بوتفليقة تعهد بعدم التسامح مع كل من يخل في أداء واجباته المهنية"كائناً من كان".
وأبرز قادة الجيش الذين رحلوا من قيادة شؤون المؤسسة العسكرية بعد الرئاسيات
الفريق محمد العماري: ولد في 7 حزيران يونيو 1939 بالجزائر وهو ضابط سابق في جيش التحرير الوطني. خريج الأكاديمية العسكرية في الإتحاد السوفياتي وقد تولى قيادة أركان ناحية بين العامين 1970 - 1976 ثم عمل في مكتب عمليات قيادة الجيش حتى سنة 1988 ثم عين قائد الناحية العسكرية الخامسة حتى العام 1989 وبعدها قائد القوات البرية حتى نهاية عام 1992، وعين قائدا للقوات الخاصة ثم قائد أركان الجيش الوطني الشعبي منذ جويلية 1993.
يقول المقربون منه أنه كان"صمام الأمان"داخل المؤسسة العسكرية لكونه"شخصية محترمة ومتميزة"أثبتت"الكفاءة والالتزام"في إدارة شؤون الجيش، وهو كان بذلك القائد الوحيد الذي تجمعت فيه سلطة القرار في قيادة المؤسسة العسكرية.
وبسبب مسؤولياته تولى الفريق العماري طيلة 11 سنة على رأس هيئة الأركان إدارة أبرز الأزمات مثل الخلاف مع الرئيس السابق الجنرال اليمين زروال ومستشاره الجنرال محمد بتشين. وهو دعم بشكل صريح توجه مدير جهاز الاستعلامات والأمن الاستخبارات العسكرية اللواء توفيق لمباشرة سياسة الرحمة ثم الوئام المدني. ويذكر مقربون منه أن قراره الاستقالة من منصبه تم بسبب ما شعر به من"واجب أخلاقي"في ضرورة إخلاء الطريق لشخص آخر يكون بمقدوره إرساء علاقات أكثر استقراراً مع الرئيس الجزائري الذي يرغب في استرجاع صلاحيته كاملة.
اللواء شريف فضيل: برز كشخصية عسكرية في كانون الثاني يناير في العام 1992 عندما ساند فريق الجنرالات الذين طلبوا من الرئيس السابق الشاذلي بن جديد التنحي من منصبه بعد فوز"جبهة الإنقاذ"بغالبية المقاعد في الاستحقاقات البرلمانية التي جرت في 26 كانون الاول ديسمبر 1991، وتولى الشريف فضيل مهمات ميدانية في عمليات ملاحقة عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة وكان يدي في الكثير من الأحيان بتصريحات إلى الصحف يعبر فيها عن التوجه"الاستئصالي"المناهض للحوار مع الجماعات. يعتبر واحداً من العسكريين الذين تولوا مهمة تفكيك"الجماعة الإسلامية المسلحة"في منطقة المتيجة جنوب العاصمة بين العامين 1997و 2003.
اللواء محمد تواتي: يعتبر العقل المدبر لقرار وقف المسار الانتخابي سنة 1992 وهو يوصف عادة ب"المخ"لكونه الأكثر إطلاعا على تطورات الوضع السياسي بفضل علاقاته مع مختلف الأحزاب السياسية وتنظيمات المجتمع المدني. وقد مكنته علاقاته من قيادة مختلف جولات الحوار التي قامت بها السلطات مباشرة بعد تنحي الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بقصد إيجاد منفذ للأزمة السياسية التي عرفتها مؤسسات البلاد. تولى اللواء محمد تواتي خلال السنوات الأخيرة مهمة"حلقة الربط"بين"قيادة أركان"الجيش والرئيس الجزائري في فترات الأزمة التي واجهت الطرفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.