ما هو القاسم المشترك بين الأمراض الآتية: الحوادث القلبية الوعائية، الأزمات الدماغية، ارتفاع الضغط الشرياني، داء هشاشة العظام، الداء السكري الكهلي، السرطان، تنخر الأسنان؟ الاستطلاعات الميدانية العلمية المحلية والدولية بما فيها الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وجهت اصابع الاتهام الى الغذاء على انه متورط في شكل او بآخر في إشعال فتيل الأمراض الآنفة الذكر. الغذاء اليوم أصبح اشبه بالجثة الهامدة بعد ان كان حياً يرزق. ويعزى ذلك بالدرجة الأولى الى التحولات والتبدلات والتغيرات الطارئة وغير الطارئة التي لحقت به من نقطة انتاجه الى نقطة استهلاكه، ناهيك بعمليات الغسل والنقع والتصفية والتبريد والتجميد والتخليل والتقشير والتقطيع والطهي والقلي، اضافة الى المعالجات الحرارية والكيماوية. فهذه كلها ادت الى ضياع بل الى إتلاف الكثير من العناصر الغذائية اللازمة والضرورية لكي تقوم خلايا الجسم بعملها على أفضل حال. أصبح الغذاء اليوم محملاً بالكثير من المضافات والمبيدات والحافظات والمنكهات وغيرها من المشتقات التي لا هم لها سوى إلحاق الأذى والضرر بأجهزة التصفية في الجسم، فتصاب هذه لاحقاً بالعجز والقصور فتتقاعس عن القيام بواجبها للتخلص من المخلفات والفضلات التي تتراكم في الجسم، لتؤدي عاجلاً ام آجلاً الى ما يحمد عقباه. الأمراض والانحرافات الناس اليوم اصبحوا يعيشون عصر السرعة في كل جوانب حياتهم حتى في ما يتعلق بغذائهم. تراهم يتهافتون وخصوصاً معشر الصغار والمراهقين، على وجبات الأكل السريع والوجبات الجاهزة ونصف الجاهزة لالتهامها على عجل. لكنهم يتجاهلون ان هذه العجالة قد تكلفهم اغلى ما عندهم اي صحتهم. فلو حاولنا إلقاء نظرة فاحصة على وجبات الأكل السريع والوجبات الجاهزة ونصف الجاهزة لوجدنا انها تفتقر الى الكثير من الصحة والعافية وخصوصاً على صعيد الألياف والمعادن والفيتامينات. وإلى جانب ذلك، فهي مدججة بالشحميات والصلصات المفعمة بالأحماض الدسمة المشبعة التي ترفع الكولستيرول السيئ في الدم الذي يحط رحاله على الغشاء المبطن لجدران الشرايين مؤدياً مع مرور الوقت الى تصلبها وقساوتها ومن ثم الى سدّها. وهذا ما ينتج منه عواقب خطرة تجعل حياة من تعرض لها واقفة على كف عفريت. طبعاً هذا لا يعني انه لا يمكن مقاربة وجبات الأكل السريع، فهي من حين لآخر لا ضير منها، والمهم في الأمر هو عدم التهامها في شكل دائم، الى حد الإمان. فهذا من شأنه ان يقود الى انحرافات خطرة تترك بصماتها على الصحة والعافية وخصوصاً عند اطفالنا الصغار والمراهقين الذين هم في طور التطور والنمو. في بلاد العم بوش يعاني 65 في المئة من السكان من زيادة الوزن والبدانة بسبب وجبات الأكل السريع، ويقدر عدد الذين يلاقون ربهم كل عام نتيجة البدانة ب300 الى 400 ألف شخص. وبدأت الشركات العملاقة المنتجة للوجبات السريعة تغيّر من سياستها لتجنّب او مواجهة الملاحقات القضائية التي تطالبها بدفع تعويضات هائلة على غرار ما دفعته شركات التبغ لضحاياها من المدخنين. وتحاول الآن شركات الوجبات السريعة التلميع من صورة منتجاتها لجعلها اكثر صحة اذا صح التعبير. فهي تقوم حالياً بنشر المعلومات المتعلقة بتكوينها وتقزيم حجم وجباتها الفردية والحد من المواد الدهنية الضارة... باختصار، انها تحاول تسويق وجباتها على انها خفيفة لايت لغاية في نفس يعقوب، اي حض الناس على الاستهلاك. ...ان الغذاء هو عماد الصحة، والصحة الجيدة مرتبطة بالتغذية السليمة التي تزود الجسم بعناصر القوة والحيوية وتدفع شر الأمراض عنه وما اكثرها. وفي ما يأتي الخطوط العريضة للتغذية السليمة: - الاعتماد قدر المستطاع على الأغذية الطبيعية التي تتمتع بمواصفات بيولوجية تجعل منها نصيراً للصحة، فمثل هذه الأغذية تقدم اكبر الفائدة للجسم لخلوها من المركبات والمواد السامة التي تستعمل في انتاج الأغذية غير الطبيعية. - تناول الأغذية الكاملة، فالاستغناء عن اجزاء صالحة للأكل يعني هدر عناصر حيوية مهمة قد يكون الجسم في اشد الحاجة إليها. ان العادة السيئة التي يقوم بها البعض للتخلص من اغلفة الحبوب وقشور الفواكه والخضار هي ضرب من الجهل، إذ ان تلك الأغلفة والقشور تحتوي على معادن وفيتامينات وألياف مفيدة للصحة. هذا عدا الخمائر التي توجد في قشرة هذا الغذاء او ذاك والتي تسهم بصورة او بأخرى في جعل الطعام اسهل هضماً وامتصاصاً وامتثالاً، وبالتالي اقل عبئاً على اجهزة الجسم المشرفة على الهضم. - تنويع الطعام، فالإنسان يحتاج الى اكثر من 40 عنصراً غذائياً لضمان حسن عمل اعضائه وخلاياه، وبما انه لا يوجد اي غذاء يستطيع بمفرده تأمين هذه العناصر، فكان ضرورياً التنويع في مصادر الطعام المختلفة، إذ تشمل الحبوب واللحوم والسمك والخضار والفواكه والخضروات والحليب والبيض والزيوت النباتية. - تناول ما يكفي من البروتينات من دون زيادة ولا نقصان. يجب اعتماد مصادر بروتينية جيدة ترجح فيها كفة السمك والدواجن والبقول والجوز. ويجب الحد من تناول اللحم الأحمر. - عدم اهمال الخضروات والفواكه. اذ كشفت الدراسات وجود علاقة قوية بين استهلاك الفواكه والخضروات والوقاية من امراض عدة منها الأمراض القلبية الوعائية والسرطان وارتفاع الضغط الشرياني. - الاختيار الجيد للدهون. إن التوجه نحو الدهون الجيدة هو عنوان للصحة. الدهون الجيدة هي الغنية بالأحماض الدهنية وحيدة عدم الإشباع وعديدة عدم الإشباع، فقد دلت البحوث الى ان استبدال حصة من الدهن السيئ بأخرى من الدهن الجيد ادى الى تراجع الأمراض القلبية الوعائية بنسبة تجاوزت الأربعين في المئة. ويجب ألاّ يغيب عن اذهاننا السكريات. فهذه يجب ان تحتل حصة الأسد من مجموع الطاقة اللازمة للشخص يومياً. ولكن من المعلوم ان هناك سكريات بسيطة سريعة الامتصاص، وسكريات معقدة بطيئة الامتصاص، وعين الصواب في هذا المجال هو الحد من الأولى التي تدفع للإحساس بالجوع سريعاً وإذا تم تناولها بكثرة، فإنها تتحول الى شحوم. ان الاستهلاك الكبير للسكاكر البسيطة يسبب السمنة، وهذا ما حصل في السنوات العشرين الأخيرة في كل بلاد العالم تقريباً. اذ اندفع الناس وراء المأكولات والمشروبات الغازية والسكرية التي تعج بالسكاكر البسيطة المضافة. الصحة والمشروبات الغازية شهدت السنوات الثلاثون الأخيرة انقلاباً ترك بصماته السلبية على الصحة... وهو اعتماد الناس أكثر فأكثر على المشروبات الغازية والسكرية. أدت هذه العادة السيئة إلى القضاء على عادتين حسنتين هما شرب الماء وشرب الحليب. فالمشروبات الغازية والسكرية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحل بديلاً من الماء. فهذا الأخير يجعل لزوجة الدم على أحسن ما يرام، الا ان الأولى تجعله مرتفعاً وهذا ما يؤدي الى قلة سيولة الدم، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام تشكل الخثرات مع ما ينتج منها من أزمات قلبية ودماغية. أما في شأن الاستعاضة عن الحليب بالمشروبات الغازية والسكرية، فهذا سلوك خطير ونتائجه أخطر بكثير وفي شكل أخص على الأطفال والشباب. أبحاث عدة بينت أن الإكثار من شرب الصودا أدى إلى كثرة تعرض الأطفال للكسور العظمية. إضافة إلى ذلك، لو ألقينا نظرة تحليلية على المشروبات الغازية لوجدنا أن محتواها يتألف من السكر وغاز الكربون وملونات ومعطرات ومحمضات، أي انها مركبات لا قيمة لها سوى كونها مدمرة للصحة.