شبّان بأعمار مختلفة تراوح بين السابعة عشرة والثلاثين يخرجون ويدخلون إلى نفق حملت مداخله آثار الغارات الإسرائيلية التي طاولته أكثر من مرة على مرّ الزمن، متأبطين أسلحة رشاشة. توزعوا في محيط النفق، وبعضهم توارى خلف الأشجار، وآخرون تموّهوا حاملين مناظير للمراقبة. يخرجون كل نصف ساعة في دوريات راجلة على مرأى من عناصر الجيش اللبناني المتمركزين عند سفح النفق منذ العام 1991، في وضعية تمكّنهم من رؤية ما يحصل عند باب"نفق عين الحلوة"التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، بالعين المجرّدة. هذا ما لاحظه الصحافيون الذين استضافتهم القيادة العامة في جولة هي الأولى من نوعها لاستعراض واقع النفق وغيره من الأنفاق الواقعة في الناعمة والبقاع، في ضوء التجاذبات التي حصلت غداة تكليف الجيش اللبناني اتخاذ إجراءات عسكرية في محيط هذه الأنفاق بعد معلومات عن تهريب أسلحة عبر الحدود اللبنانية - السورية، إضافة إلى اعتقال عدد من العناصر المتهمة بالدخول إلى لبنان خلسة قيل أنها تابعة إلى"فتح الانتفاضة". وحده رجل سبعيني جلس على كرسي، إلى جانب باب النفق، حاملاً القرآن يقرأ آيات طالباً من الله حماية هذا النفق و"روّاده". على طريقته عبّر"الشيخ"عن موقفه من وجود السلاح بين أيدي الفلسطينيين في لبنان. ردّ فعل فرديّ، ينضمّ إلى آراء ومواقف لغيره من اللاجئين الفلسطينيين فتلقي الضوء على موقف المدنيين من تسليم السلاح الفلسطيني لا سيّما في ظلّ القرار الرقم 1559 وشبه الإجماع اللبناني على ضرورة سحب هذا السلاح في خطوة"لضمان الاستقرار في البلاد". الجبهة الشعبية - القيادة العامة وفتح الانتفاضة، اثنان من التنظيمات الفلسطينية المتمثلة داخل المخيمات وهو تمثيل للفصائل الموجودة داخل فلسطين. بحسب قاطني مخيم عين الحلوة، فإن التمثيل الشعبي للفصيلين ليس كبيراً، وبالتالي عدد مناصريهم محدود، وهذا ما بدا جلياً في اعتصامات دعا الفصيلان إليها. ومع أن الدعوة إلى هذه الاعتصامات كانت في أكثر من مخيم في الجنوب وبيروت وجاءت تحت عناوين عدّة منها التمسك بحق العودة، فإن الحضور الشعبي كان قليلاً جداً. الدخول إلى أي من المخيمات الفلسطينية في بيروت والجنوب، لا يعكس"التوتر"الحاصل. التدقيق على مداخل المخيمات والذي غالباً ما يقوم به الجيش اللبناني شبه غائب، والوضع في المخيم عادي. لا وجود لمظاهر مسلحة غير اعتيادية توحي باستنفار ما، ولا يافطات تحدد موقفاً مما يجري بين الطرفين الفلسطينيواللبناني. حتى لتظنّ أن الأخبار لم تصل إلى قاطني المخيمات. هذا"الهدوء"ليس نابعاً من شبه الغياب الشعبي للقيادة العامة ولفتح الانتفاضة مقارنة بمناصري الفصائل الأخرى، ولا حتّى من عدم وصول الأخبار إلى هذه الشريحة من الفلسطينيين."اعتدنا هذه المواقف من اللبنانيين، فهم في كل فترة يحرّكون هذه القضية بهدف الضغط علينا"، يقول أبو وائل، وهو شاب وشم على كتفه الأيسر صورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأبو وائل كان بين مجموعات شبان، بدوا يتسامرون في أي شيء إلاّ في الأوضاع السياسية الراهنة. يتدخل آخر:"وأنتم الصحافيون لا تأتون إلى هنا إلاّ عندما نتّهم بالإساءة ولكنكم لم تأتوا يوماً لنصرتنا، مما نعانيه من غياب لأدنى حق من حقوقنا كبشر". ويستدرك ثالث:"لن نسلّم سلاحنا، لن نعطي حرّاس الأرز ولا غيرهم الفرصة حتى يكرّروا مجزرة صبرا شاتيلا في حقنا". الكلام عن السلاح الفلسطيني مع سكان المخيمات أو مع ممثلي الفصائل لا يمكن فصله عن حياتهم العامة، ولا سيما الاجتماعية منها. ولكن بفارق بسيط هو أن الناس العاديين يتكلّمون بنبرة قابلة للنقاش. تشيح أم أحمد بنظرها إلى سيل من التلامذة يخرجون من باب المدرسة، وتقول:"إذا ما سلّمنا سلاحنا من سيضمن لنا أن أولادنا سيتمكنون من الحياة بطريقة أفضل". ولكن، ماذا لو خُيّرتم بين الحصول على حقوقكم المدنية من طبابة وتعليم وعمل في مقابل تسليم هذا السلاح؟ تلمع عينا أم أحمد لثوانٍ، ولكنّها تنفض رأسها كأنها تحاول التخلّص من تلك النظرة أو على الأقل الفكرة:"مرت سنوات عدّة علينا، ولم يبدِ إخواننا اللبنانيون أي إشارة إيجابية، فمن يضمن لنا ذلك؟". يعتبر اللاجئون الفلسطينيون سلاحهم ورقة التفاوض الوحيدة الرابحة في أيديهم، وهي خلاصهم إلى طريق العودة إلى أرضهم، أو على الأقل ضمان عيش كريم لهم في انتظار ذلك اليوم."من سيضمن لنا حق العودة؟ ومن يضمن لنا سلامتنا من أي اعتداء إسرائيلي؟ إن الحكومة اللبنانية غير قادرة على حماية مسؤوليها كيف ستتمكن من حمايتنا؟". سيل من الأسئلة يواجهك فيها أحمد، طالب جامعي ما إن تسأله عن موقفه من المطالبة بسحب السلاح الفلسطيني. ويضيف:"أنا أدرس الصيدلة مَن يضمن لي حق العمل؟ ومن يضمن لي حق التملك؟ نحن لا نريد الحرب ولسنا مع توتر العلاقات مع الحكومة اللبنانية، وأفضل أن أنام جائعاً على العودة إلى سماع أصوات أزيز الرصاص أو هدير الطائرات، ولكن المشكلة لا تكمن في السلاح الذي يحمله بعض الفلسطينيين وإنما بالطريقة التي يتم التعامل فيها معنا كشعب". وتقول فداء:"لم نقم بأي اعتصام أو تحرّك مناصر للقيادة العامة في وجه الافتراءات التي تطاولهم، ليس لأننا مع الجبهة الديموقراطية أو مع فتح، ولكن حفاظاً على عدم توتير الأجواء أكثر، ولكن باسمي وباسم جميع الفلسطينيين أطلب من الحكومة اللبنانية توضيح موقفها ومطالبها منّا ونحن على استعداد للنقاش وحتى للضغط على ممثلينا بهدف الوصول إلى حلّ يرضي الطرفين وعلى الأقل يضمن لنا حياة بشرية"، في إشارة منها إلى الزيارات الرسمية التي قام بها عدد من القادة الفلسطينيين على رأسهم الرئيس محمود عباس، والتي أكد بعدها هؤلاء المسؤولون أن الحكومة اللبنانية لم تفتح معهم قضية السلاح الفلسطيني. من جهة ثانية، توافق خالدة على تصريحات المسؤولين عن الفصائل الفلسطينية المختلفة:"لسنا في حاجة إلى سلاح جديد من المخيمات، انظري داخل أي منزل وتشاهدين الرشاشات وحتى الآر بي جيه، في كل منزل في المخيم توجد قطعة سلاح، ونشأنا على أن هذا السلاح هو لقتال الإسرائيليين ولا هدف آخر له". يجمع اللاجئون الفلسطينيون، شعباً ومسؤولين، على أن الهجمة على السلاح الفلسطيني إنما هي عملية تضخيم تهدف إلى تهجير الفلسطينيين أو توطينهم. ويرون طرح هذه المسألة في الوضع الذي يمر فيه لبنان مقدمةً للضغط على"حزب الله"من أجل تسليم سلاحه في المرحلة المقبلة. ويؤكد معظم الفصائل، لا سيما منظمة التحرير الفلسطينية، على ضرورة ضبط النفس من كلا الطرفين وسحب الموضوع من التجاذبات السياسية، واللجوء إلى طاولة الحوار. ويرى سكان المخيمات ان ما يحصل مع كل من الجبهة الشعبية - القيادة العامة وفتح الانتفاضة، يندرج ضمن الضغوط على سورية، رافضين"تراشق النار بين السوريين واللبنانيين من فوق رؤوس الفلسطينيين". ويتبنى آخرون وجهة نظر المشرف العام لميليشيا فتح منير المقدح والقائلة إن"الفلسطينيين كالجسد إذا ما أصيب أحد أطرافه تتكاتف الأطراف الأخرى من أجل لملمة الجرح"، داعين إلى فتح الملف الفلسطيني ككل متكامل من دون أي اجتزاء.