هل ثمة مبالغة في الأحاديث عن تصاعد موجة التسليح بين حركة "فتح" الموالية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات و"عصبة الأنصار" بزعامة أحمد عبدالكريم السعدي أبو محجن في مخيم عين الحلوة؟ وهل للتضخيم الإعلامي دور في تسليط الأضواء على استمرار الاستنفارات بين أنصار الطرفين؟ وما الأهداف من إعادة فتح الملف الأمني للمخيم؟ اتفقت آراء قياديين في الجبهتين "الديموقراطية لتحرير فلسطين" و"الشعبية لتحرير فلسطين" والتيارات الإسلامية في مخيم عين الحلوة على ان عرفات اتخذ قراراً بإعادة ترتيب البيت "الفتحاوي" خصوصاً في الجنوب وتحديداً في عين الحلوة، بذريعة وجود مخطط لاغتيال كادراته ينفذه أنصار "أبو محجن"، بدأت ملامحه تظهر من خلال حوادث استهدفتهم، ومنها اغتيال المسؤول الأمني المقدم أمين كايد. وكشفت مصادر فلسطينية ان اعادة توحيد "فتح" في عين الحلوة بعد الانشقاقات التي تعرضت لها بدأت بناء على اوامر من عرفات من مقر قيادته في غزة. واتخذ مجموعة من القرارات المالية التي تستعجل ترميم الوضع الداخلي ل"فتح" ابرزها العودة عن تجميد الرواتب والمخصصات والمساعدات الاجتماعية، اضافة الى رصد اموال لإعادة بناء البنية العسكرية للميليشيا، على نحو يتيح لهم الدفاع عن النفس حيال الخطر الداهم من جانب "عصبة الأنصار". وأكدت المصادر ان رعاية عرفات بطريقة غير مباشرة للمصالحة التي حصلت بين سلطان أبو العينين ومنير المقدح الذي لم تعد له علاقة تنظيمية مباشرة ب"فتح"، ساعدت على تسريع اعادة الاعتبار الى الحركة التي ستعمل في سبيل استعادتها مرجعيتها في المخيمات. ولفتت الى ان عرفات سيصدر قريباً قرارات تنظيمية توزع المسؤوليات. وقالت ان خالد عارف "أبو أدهم" يتولى الآن مسؤولية منطقة عين الحلوة، وان الاتصالات نجحت في اعادة بعض الذين تركوا او جمدوا الى "بيت الطاعة" الفتحاوي. وعزت عودة المقدح الى "فتح" الى عاملين: "القوة التي يتمتع بها في المخيم وعلاقته بعدد من التنظيمات الفلسطينية ذات البعد الاصولي، اذ ان التحاقه سيتيح له تفكيك بعضها من خلال "اقناع" المقاتلين الذين ينضوون تحت لوائها بالعودة الى فتح". وأشارت الى ان "بعض تنظيمات فلسطينية اسلامية التقت أخيراً مسؤولين "فتحاويين" وبعضهم من عاد مجدداً الى قواعده، وحاولت معرفة الاسباب التي دفعت بعرفات الى الالتفات مجدداً الى عين الحلوة بعد طول غياب ادى الى قطع المخصصات عن العدد الاكبر منهم". وكان هؤلاء بقوا سنوات خارج "فتح" وعملوا الى جانب المعارضة لكنهم واجهوا مشكلات اجتماعية وسياسية لم يسعفهم احد على حلها، وكان لا بد من ان يعودوا الىها. ونفى هؤلاء ان يكون هدف العودة توحيد البندقية بقوة السلاح تحت راية "فتح" او استعادة المرجعية بالحسم العسكري. وأكدوا ان قرارهم هو لحماية انفسهم من محاولات التصفية. الا ان مصادر فلسطينية اخرى تعتقد ان عرفات يتوخى من هذه الخطوة توجيه مجموعة من الرسائل في اتجاهات عدة منها: - ان من يتابع الوضع الميداني يكتشف ان هناك مبالغة "فتحاوية" في تسليط الاضواء على ما يحصل من استعدادات في عين الحلوة، وان كانت قيادة "فتح" في المخيم تحمل الاعلام مسؤولية التضخيم وتصويره انه بؤرة امنية لا بد من التخلص منها. - تأكيد مرجعيته في المخيمات خصوصاً في الجنوب، وهذا يتعارض مع امكان الدخول في صدام مسلح نظراً الى ان الامساك بالورقة لا يتم بالقوة، اضافة الى ان رغبته في توجيه رسائل تفرض عليه الحفاظ على الورقة. - ان عرفات يتهيأ لاستئناف المفاوضات ويحاول منذ الآن قطع الطريق على احتمال الضغط على مؤيديه في لبنان. ويوحي ان محادثات تقرير مصير اللاجئين على الابواب وان لا بد من الحديث معه في شأنه عبر تقوية موقعه، علماً ان مصلحة اللاجئين هي في التنسيق بين المسارات العربية لمقاومة التوطين". وبالنسبة الى مستقبل الوضع الامني في عين الحلوة، قالت المصادر الفلسطينية ان الاجواء، وأياً تكن الذرائع، لا تسمح بالانجرار وراء قتال عنيف في المخيم، مع حصول احتكاكات من حين الى آخر بين "فتح و"عصبة الأنصار". وتابعت ان "الجميع يبحث عن أبو محجن، ولا ندري أين هو وهناك من يقول انه ترك المخيم منذ مدة ولديه نحو مئة مناصر مستعدون للتضحية دفاعاً عن مواقعهم". وعلى خط التهدئة، أكد عضو المكتب السياسي ل"الديموقراطية" علي فيصل والمسؤول السياسي ل"الشعبية" أبو فادي راجي ان الجبهتين، اللتين ليستا طرفاً في النزع، باشرتا اتصالات مع وجهاء عين الحلوة تحضيراً لعقد مؤتمر شعبي فلسطيني فيه، يصدر ميثاق شرف يحرّم القتال الداخلي". وكشفا ل"الحياة" ان "الاتصالات قطعت شوطاً مع الفصائل الفلسطينية وأن بعض التيارات الاسلامية تجري لقاءات مع "عصبة الأنصار" لانتزاع موافقة الجميع على المؤتمر اضافة الى تبريد الاجواء". وأكدا "اننا ضد تحويل عين الحلوة بؤرة امنية وكنا اول من دان مجزرة قصر العدل في صيدا واعتبرناها عدواناً يستهدف الدولة اللبنانية وسورية والفلسطينيين في لبنان". وشددا على "اهمية القيام بتحرك يقطع الطريق على امكان تفجير الوضع، ويمنع المتضررين من العلاقة الفلسطينية - اللبنانية من استغلال بعض التوتر للعودة الى نغمة الجزر الأمنية التي نرفضها ونعتبر انفسنا اننا تحت سيادة القانون ونرفض ان نكون دولة ضمن الدولة اللبنانية". وأوضح كل منهما ل"الحياة" ان الجبهتين "تعملان لتجنب ما يسيء الى علاقتنا بالدولة اللبنانية لأننا نطمح الى تحسينها وصولاً الى التفاهم على ورقة عمل مشتركة على قاعدة دعم الدولة اللبنانية واعادة بعض الحقوق المدنية الى الفلسطينيين".