ما كدت انتزع للقراء بعض الاخبار السارة من وسط ركام الأمة الاسبوع الماضي حتى خطف الارهاب من بيننا الصديق العزيز مصطفى العقاد وابنته ريما في الهجوم المجرم على بعض فنادق عمان. الارهاب حصد عشرات الابرياء في الايام الاخيرة، ولكل ضحية اهل واحباء يبكون فقيدهم كما نبكي من نحب. وان كان من سبب اضافي للبكاء فهو ان كل يوم سيحمل ضحايا جدداً طالما اننا نعتذر للارهاب او ننكر وجوده او نتهم به الآخرين. اعود الى القراء اليوم بمجموعة اخبار تراوح بين الصالح والطالح، والخبر الذي قد اراه والقارئ ساراً، لا يسر صاحبه بالتأكيد. سرني ان سقط مشروع القانون عن الارهاب الذي قدمته حكومة توني بلير الى البرلمان البريطاني، فالعمال يتمتعون بغالبية 66 مقعداً في مجلس العموم، غير ان ثورة بعض الاعضاء العمال على حكومتهم جعلت القانون المقترح يهزم بغالبية 31 صوتاً بعد ان صوت 49 نائباً عمالياً ضده. في اليوم التالي"التايمز"و"الديلي ميل"نشرتا العنوان نفسه عن بلير"بداية النهاية؟". وقالت"لديلي تلغراف"ان الهزيمة"اسود يوم لبلير"، في حين قالت"الديلي اكسبرس"انه"في طريقه الى الخروج"واختارت"الاندبندنت"عنواناً"لحظة خسر توني بلير سلطته". اقول: يستاهل، خصوصاً ان للتصويت علاقة بالحرب على العراق، فعلى رغم انكار رئيس الوزراء وجود صلة بين الحرب والارهاب، فان كل مصدر آخر، بما في ذلك استطلاعات الرأي العام تؤكد هذه الصلة، ولا يعني انكار بلير سوى انه سيفشل في معالجة الارهاب فشلنا نحن في معالجته ونحن ننكر المسؤولية عنه. كان بلير يريد منح حكومته حق توقيف المتهمين بالارهاب 90 يوماً على ذمة التحقيق، وهو طلب ينم عن مبالغة هائلة، ففي استراليا مدة التوقيف المماثل 24 ساعة، وفي اسبانيا خمسة ايام، وفي الولاياتالمتحدة التي تعرضت لارهاب فظيع ولا تزال مستهدفة سبعة ايام. ارجو ان يستقيل توني بلير او يحمل على الاستقالة، فهو يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن حرب غير مبررة على العراق يقتل فيها الابرياء كل يوم. مسؤولية جورج بوش اكبر، وادارته تدفع الثمن، فقد سقط من اركان عصابة الحرب لويس ليبي، مساعد نائب الرئيس ديك تشيني، وربما تبعه آخرون، قبل ان يصل القضاء الى الكبار. وسرني ان يدفع جورج بوش الثمن انتخابياً ايضاً، ففي ولاية فرجينيا فاز الديموقراطي تيموثي كين بمنصب الحاكم، وفي نيوجيرسي فاز ديموقراطي آخر هو جون كورزين، وفي حين بقي الجمهوري مايكل بلومبرغ حاكماً في نيويورك فالفضل لفلوسه لا للرئيس. اذا كان ما سبق يدخل في باب ما يسر القارئ ويسرني فانني اكمل بما يثير العصبي، فقد قرأت ان ماثيو ليفيت، المسؤول عن برنامج مكافحة الارهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى، عين رئيساً لمكتب في وزارة الخزانة الاميركية مسؤول عن المعلومات الاستخباراتية في مكافحة تمويل الارهاب والجرائم المالية. كتبت عن ليفيت غير مرة في السنوات الاخيرة، فهو ليكودي متطرف سيسخّر كل قدرات مكتبه الرسمي ضد العرب والمسلمين، وهو وقف دائماً ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، ومع حكومة اسرائيلية متطرفة ذات ممارسات نازية. واكتفي منه بتعليق له عن تعيينه يغني عن شرح، فهو قال:"انا فخور بما حققت وزملائي في المعهد لفهم عالم ما بعد 11/9/2001، وبالتركيز على حزب الله وحماس وغيرهما من الجماعات الاسلامية الرديكالية المختلفة عن القاعدة اكدنا تشابك وعمق التهديد الارهابي الذي نواجهه...". طبعاً هذا كذب ووقاحة لا يقدر على مثلهما الا ليكودي شاروني يكره العرب والمسلمين، فحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي لا تهدد الولاياتالمتحدة، ونظام كل منها ينص على ان يبقى نشاطها في ارض المواجهة مع اسرائيل. وهي لو فعلت غير ذلك لاتهمتها انا بالارهاب. غير ان ليفيت موجود في معهد واشنطن وفي الادارة لخدمة اسرائيل لا الولاياتالمتحدة، وهو حتماً لا يرى ارهاب حكومة شارون، ولا يهمه قتل بنات المدارس طالما انهن فلسطينيات. اطالب الدول العربية كافة بعدم التعاون مع ليفيت لأنه لن يخدم أي مصلحة سوى المصلحة الاسرائيلية. وأريد بعد الاخبار الايجابية والسلبية ان ابدي ايجابية من عندي ارجو ان تستفيد منها الحكومتان الاميركية والاردنية. كنت في عمان عندما ضرب الارهاب الفنادق، وقرأت في اليوم التالي خبرين توقفت عند مضمونهما: باتر محمد علي وردم كتب في"الدستور"معبراً عن صدمته لقراءته خبراً عن وجود عطاء بدعم من الوكالة الاميركية للانماء الدولي لاختيار شركة اعلانات واتصال عام للترويج للأجندة الوطنية في الاردن. ومحمد الجيوسي كتب في"الغد"ان السفير الاميركي في عمان ديفيد هيل دعا لإحلال العمالة المحلية محل الاجنبية في المصانع الاردنية، مؤكداً وجود استراتيجيات واضحة قائمة لذلك نتيجة نقص العمالة المحلية في بعض المناطق الصناعية المؤهلة. اقول للحكومتين الاردنية والاميركية انه لا يناسب الاردن ابداً مثل هذا التدخل الاميركي، على المكشوف، في شأنه الداخلي. واسهل طريقة لتدمير ثقة المواطن بالاجندة الوطنية هو ان يكتشف دوراً اميركياً فيها. ثم ان موضوع إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الاجنبية هو مسلمة لا تحتاج الى نصح السفير الاميركي. الملك عبدالله يحاول ان يصنع لبلده الفقير بالموارد الطبيعية شيئاً من لا شيء، وقد نجح الى حد كبير في تحقيق قسط من الرفاه واستقرار ضربه الارهاب الاخير. وهو سينجح اكثر اذا نجح في ابقاء الولاياتالمتحدة، ظاهرياً على الاقل، على بعد ذراع من القرار الوطني المستقل.