منذ أكثر من سبع سنوات، والمخرجة والأكاديمية الفلسطينية علياء أرصغلي، تحلم بتأسيس تجمع ما يسلط الضوء على سينما المرأة الفلسطينية، وينتصر لمواضيع مهملة، أو مسكوت عنها، فأسست"شاشات"، التي أعلن ميلادها، لتكون ليس فقط المؤسسة الفلسطينية الوحيدة من نوعها، بل المتفردة على المستوى العربي أيضاً، عبر تنظيم مهرجان سنوي لسينما المرأة في فلسطين، يحمل اسم"شاشات"، أيضاً. وپ"شاشات"، كما يعرّفها القائمون عليها، مؤسسة غير ربحية، تركز في عملها على سينما المرأة، في محاولة لإبراز أهميتها، وأبعادها، عبر طرح مواضيع اجتماعية حول تصورات عن ماهية النوع الاجتماعي، والقيم الناتجة عن هذه التصورات. ويتكون مجلس إدارة"شاشات"من نساء ورجال ناشطين في مجال الثقافة، والإعلام، والتعليم، والتنمية، وتديرها أرصغلي... وعلى رغم أن مقرها الرئيس في رام الله، إلا أنها كونت شراكات مع جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومركز السلام في بيت لحم، وهي تعمل على الوصول، في أقرب وقت، إلى قطاع غزة. وحددت"شاشات"نشاطاتها في أربعة مجالات، أولها مهرجان"شاشات"لسينما المرأة في فلسطين، وهو مهرجان سنوي يهدف إلى إظهار إبداع المخرجات السينمائيات الفلسطينيات، والعربيات، والعالميات، والعمل على تشبيك المخرجات الفلسطينيات، مع الحركة السينمائية النسوية العالمية، عبر المهرجانات، أو من خلال صناديق الإنتاج، وشركات التوزيع. راجع ملحق السينما في"الحياة"يوم الجمعة الماضي. والمجال الثاني الذي تعمل"شاشات"في إطاره، هو تنمية وتطوير قدرات المخرجات الفلسطينيات، من خلال دعم الإنتاج النسوي الفلسطيني، وتشجيع مشاركة المخرجات الفلسطينيات في المهرجانات والمنتديات والمؤتمرات السينمائية العالمية والإقليمية، علاوة على عقد ورشات عمل مهنية، ودورات تدريبية. وإضافة إلى ما سبق تأمل"شاشات"أن يكون النجاح حليفها في تحقيق أهداف"برنامج محو الأمية الإعلامية حول النوع الاجتماعي في المدارس"، والتي تتلخص في تنمية قدرات الأجيال الجديدة، على تحليل ومناقشة لغة الإعلام، خصوصاً ما يتعلق بصورة المرأة، من خلال عرض سلسلة من أفلام مهرجان"شاشات"، بما فيها أفلام المخرجات الفلسطينيات. وفي مجال التواصل الثقافي، بدأت"شاشات"العمل على تأسيس مكتبة سينمائية تشمل كتباً وأفلاماً عن سينما المرأة، في رام الله، ونابلس، وبيت لحم، إضافة إلى تفعيل العروض والحوارات السينمائية، عبر ناد شهري للسينما. وتؤمن"شاشات"بأن الثقافة والإعلام يلعبان دوراً مهماً في تشكيل المفاهيم والمعتقدات الثقافية، وفي تكوين الرأي العام حول المرأة ومكانتها الاجتماعية، مؤكدة على أن بإمكان الثقافة في شكل عام، والسينما على وجه الخصوص، إتاحة فضاءات واحتملات رحبة للمساواة بين المرأة والرجل، والوصول إلى فرص اجتماعية واقتصادية تكفل للمرأة"الكرامة والتطور"، علاوة على ما تساهم به في اتساع مجالات التعبير الإبداعي عن حياة المرأة عموماً، والفلسطينية خصوصاً، ومعاناتها، وأحلامها، وتطلعاتها، خصوصاً"أن عدم المساواة بين الجنسين، قضية متأصلة في المنظور الثقافي التقليدي عن المرأة، والمتجذر لا تلقائياً في المجتمع". وعبرت أرصغلي عن سعادتها بتفاعل المخرجات الفلسطينيات مع فكرة"شاشات"، وتحدياتها المقبلة، وبالدعم الذي قدمته مؤسسات دولية عدة لدعم المهرجان، من بينها مؤسسة التنمية السويدية سيدا، ومؤسسة التعاون السويسرية، وصندوق الأممالمتحدة للسكان، والمركز الثقافي البريطاني، والمركز الثقافي الفرنسي الألماني، كما قام المركز الثقافي البريطاني، واليونسكو، بتقديم الدعم للمكتبات الثلاث، عبر كتب عن المرأة والسينما، واسطوانات"دي.في.دي"لأهم كلاسيكيات السينما العالمية. منفذ نحو الحرية "الآن بات لدينا مرجع نحن المخرجات الفلسطينيات"، بهذه الكلمات لخصت المخرجة غادة الطيراوي، ما تريد أن تقوله عن"شاشات"، وتقول الطيراوي، والتي شاركت في المهرجان بفيلمها الجديد"ماذا بعد":"لهذا المهرجان أهمية خاصة، لأكثر من سبب، أولها أنه يركز على أفلام تعالج قضايا يمكن تصنيفها"نسوية"، لكنها تهم جميع شرائح وفئات المجتمع، ثم أنه يعمل على تسليط الضوء على بعض افلام المخرجات الفلسطينيات، والتي قد تتوه، وسط الكم الهائل من الأفلام الفلسطينية المنتجة سنوياً، فينتصر لهذه الأفلام"الجيدة"، والتي قد يكون الاهمال مصيرها، علاوة على أنه يوفر فرصة جيدة للمخرجات الفلسطينيات للتواصل مع المخرجات والمنتجات العالميات، من خلال استضافته لأبرز العاملات والمتخصصات في الحقل السينمائي"النسوي"، على مستوى العالم". وتضيف:"ما شجعني على المشاركة في المهرجان أن المخرجات المشاركات هن من شريحة متجانسة في الخبرة، إن جاز التعبير، وهذا مفيد... كما أنه من الواضح المهنية والتخصصية التي يدير بها القائمون على المهرجان الأمور، ما يبشر بما هو قادم، سواء خلال أيام المهرجان، أو فيما بعد، فهذا التخصص يوفر لنا مرجعاً نحن المخرجات الفلسطينيات، خاصة أن كثيرات منا لا خبرة لديهن في الاتصال بالمؤسسات السينما العربية والأجنبية، وبأمور التمويل، وما شابه". سدّ الفراغ وترى المخرجة ليانة بدر في المهرجان ما يسد"الفراغ الكبير في هذا المجال، ليس فلسطينياً فحسب، بل على المستوى العربي أيضاً"، وتقول: هناك عدد"لا بأس به"من المخرجات وصانعات الأفلام في فلسطين، وهن كثيرات قياساً بدول عربية أخرى، وصنعن أفلاماً تستحق الاهتمام، وربما هذا يعود للحالة المتفجرة سياسياً على الأرض، والتي تدفعنا نحن المخرجات إلى مزيد من الاهتمام في نقل ما يجري على الأرض، وبصورة فنية، إلى العالم الخارجي .. هناك حساسية عالية للمرأة في تعاطيها مع الفنون، ومع السينما بشكل خاص، وفي خط مواز، هناك نوع من الإهمال تجاه هذه الحساسية، هذا المهرجان جاء ليخرجنا من هذا الواقع الصعب، ولينتصر لخصوصية اللغة السينمائية النسوية الفلسطينية، والعربية، والعالمية، وليكشف أمام الجمهور الفلسطيني، جانباً جديداً من الثقافة البصرية، لم يلق اي اهتمام يذكر في السابق". وتضيف بدر:"أدرك تماماً الاهتمام العالي الذي يبديه القائمون على مؤسسة ومهرجان"شاشات"لتحقيق الأهداف المرجوة .. المهرجان حدث ثقافي في غاية الأهمية، كونه يعلمنا البحث والنقاش باتجاه تطوير واستنباط حلول إبداعية لإشكاليات المرأة بشكل عام، والفلسطينية على وجه الخصوص، ومعاناتها". وتشدد بدر، أيضاً، على أهمية استضافة المهرجان لنخبة من أهم العاملات في حقل السينما على مستوى العالم، وتقول:"يستضيف المهرجان نخبة من العاملات في السينما العالمية، كان من الصعب التواصل معهم، والالتقاء بهم، لولا المهرجان"، مشيدة"بأهمية الاستمرارية، والتطوير، وهو ما لمسته في إعلان القائمين على المؤسسة والمهرجان، أنه سيكون سنوياً، ويتوسع ليشمل مدن جديدة، وفئات جديدة". حراك ثقافي وترى زهيرة كمال وزيرة شؤون المرأة أن مهرجان"شاشات"يشكل"حدثاً استثنائياً"، و"فعالية ثقافية من الطراز الأول"، خصوصاً كونه يساهم في"تفعيل الحراك الثقافي حول القضايا النسوية والمجتمعية المطروحة، ما من شأنه إحداث شيء من التغيير في المجتمع".. وتقول: حرمنا في السابق من هكذا وسائل للتعبير عن أنفسنا، ومشاكلنا، وقضايانا .. اتأمل أن يتكرر هذا العمل، ويمتد لمدن فلسطينية أخرى في السنوات المقبلة، خصوصاً أنه حدث متميز، يحدث في فلسطين للمرة الأولى، وتشارك فيه مخرجات من فلسطين والعالم، يتحدثن عن همومهن، وطريقة رؤيتهن للأمور، عبر الكاميرا". وتضيف الوزيرة كمال:"المهرجان حدث نوعي يسهم في إخراج المرأة المبدعة من دائرة الظلال إلى النور، ليس فقط من حيث نتاجها الإبداعي، بل كصاحبة موقف قادرة على التحدي والمواجهة... إننا وبهذه القدرات الإبداعية النسوية نكون قد استطعنا تخطي الحواجز المجتمعية، والثقافية، والسياسية، والدينية، وحملنا قضايا المرأة ومشكلاتها، وعبرنا عن آمالها وأحلامها، وقمنا بطرح المرأة على المجتمع باعتبارها جزءاً منه، رافضين مبدأ إقصائها عنه".