الخبر سار حقاً، فبعد دورة سابقة كانت أخيرة في حينه وانعقدت عام 2006، تشهد أخيراً مدينة سلا المغربية هذه الأيام فعاليات الدورة الثالثة لسينما المرأة. ما يعني اننا هنا أمام مهرجان استطاع أن يستمر، وأن يؤكد على أن فكرة الاحتفاء بالسينما النسوية والتي رأت النور عام 2004، بشكل دولي وباختيار مركز على سينما المؤلف من جهة، والحضور الوازن والمعبر للوجوه السينمائية الفنية العالمية والعربية والمغربية، يؤكد أن هذه الفكرة كانت صائبة ولها مكانتها وتميزها. والأهم أن التظاهرة تعقد في مدينة سلا التي يفصلها عن العاصمة الرباط نهر أبي رقراق فقط، والمشهورة بكونها المدينة الأكثر محافظة بالمغرب لوجود الزوايا الصوفية بها واحتفائها المميز كل عام بمهرجان الشموع في عيد الولد النبوي. وما احتضان هذه المدينة المهرجان سوى دليل واضح على وجود عزيمة قوية للمنظمين وهم من هواة السينما المعروفين ومن ذوي الإيمان الحقيقي بالفن والفن السينمائي كرمز للحداثة بما أنها انفتاح على رموز الألق الفني والتعبير الصوري المتحرك. وأكثر من هذا وكأي مهرجان له بعد دولي وثقافي، فقد تم اختيار ثيمة المرأة وحضورها في الفن السابع، ليس كممثلة فقط، بل كمخرجة ومؤلفة وصانعة الفيلم، أي كمبدعة أساسية ولها تصور خاص ورئيس. الشيء الذي له حساسيته وإثارته العواطف والجدل. إذن مدينة سلا المحافظة «التقليدية» تعقد من جديد وبتأكيد مهرجانها السينمائي للمرأة، المرأة والسينما كثنائي إبداعي، استحق الاحتفال لمدة أسبوع، في دليل على إمكانية المزاوجة المتوازنة مابين الهوية الأصل والحداثة المعاصرة. وفي هذا الإطار اختارت لجنة اختيار الأفلام اثني عشر فيلماً طويلاً في المسابقة الرسمية تتنافس على الشهدة الذهبية للمهرجان، هي «ثلوج أولى» للبوسنية ذات الحجاب الملون عايدة بجيتش، و«صور لنساء صينيات» للكاتبة الموهوبة والمخرجة الصينية ين ليشوان، و «أنا من تيتو فيليس» للشابة المقدونية تيونا ستروغار ميتفسكا والذي قدم بمهرجان «كان» العام الفائت، و «إنه عالم حر» للبريطاني المعروف بالتزامه قضايا العالم والإنسان كين لوش، و «رومبا» الفيلم الخفيف الظل والضاحك للثلاثي البلجيكي دومينيك أبيل وفيونا كوردون وبرونور ومي، و «ويندي ولوسي» للفنانة والمخرجة الأمريكية كيلي ريتشاردت، والفيلم الحائز على الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي «فوستا» للبيروفية كلوديا لوسا ابنة أخ الكاتب الشهير فارغاس لوسا، وعربياً يشارك «ملح هذا البحر» للفلسطينية (الضفة الغربية) أن ماري جاسير والذي سبق اختياره في مهرجان كان العام الماضي، و «خلطة فوزية للمخرج المصري مجدي أحمد علي، و «حسيبة» للمخرج السوري ريمون بطرس عن قصة لخيري الذهبي، و «النصف الآخر من السماء» للتونسية كلثوم برناز، وأخيراً «خربوشة» للمخرج المغربي حميد الزوغي. وتختار الأفلام الفائزة بإحدى الجوائز الأربع المقررة، لجنة تحكيم تترأسها الممثلة الألمانية إيزولد بارث، وبعضوية المخرجة الأيسلندية سولفيج انسباش والمخرجة الجزائرية يامينة الشويخ، والسينمائية الأميركية دانا شولدنماير، والمخرجة الفرنسية ساندرين راي والصحفية المصرية علا الشافعي والمخرجة المغربية إيمان المصباحي. فلسطين ضيفاً... أما فيلم الافتتاح فهو الفيلم الفلسطيني المشارك في مهرجان كان في فقرة النقاد «أمريكا» للأمريكية الفلسطينية والأردنية الأصل شيرين دعبيس والمعروفة في أوساط السينما المستقلة بأميركا. وفيلم الاختتام هو الأمريكي «زواج راشيل» لجونثان ديم. والملاحظ أن لهذه الأفلام طابع الجدة من جهة سنة الإنتاج المتراوحة ما بين 2008 و2009، ولها طابع أنها تتناول موضوعات راهنة، وكونها سبق أن حظيت بالقبول المهرجاني أو النقدي، وحققت لها شهرة. وهو ما قد ينعش ويغني جلسات النقاش والحوار حولها في الصبيحات المخصصة لذلك. بما أن المهرجان يهدف إلى فتح ساحات للحوار وتبادل الرأي في مجال القضايا الإنسانية وقضايا المرأة عبر أفلام الشعوب المتقنة فنياً وسينمائياً. وبذات الالتزام بقضايا الإنسان وقضايا التحرر قرر المهرجان تخصيص فقرة السينما/الضيف كي تتناول السينما الفلسطينية. وذلك عبر تكريم أعمال عدد من النساء الفلسطينيات اللواتي اخترن الحديث والتعبير عن معاناة شعب ووطن مستلب من خلال أفلام وثائقية وأفلام قصيرة، ومنهن غادة الطيراوي وندى اليسير وناهد عواد ولوينا صالح وأخريات... والحق أنها بادرة تجميعية لأفلام من منطقة عربية تخلق الحدث عالمياً منذ عقود طويلة، لكن عبر الكلام وتبيان حضور المرأة فيها، في وقت تتنازع الأخبار «الفلسطينية» القادمة أخيراً من هناك ما قد لا يعضد حضور المرأة الفلسطينية في جزء من الوطن الفلسطيني المحلوم به. وسيراً على نهج الفقرات التكريمية، ارتأى المهرجان توظيف مناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على وجود السينما المغربية، لعرض أفلام المرأة المغربية، وإظهار المساهمة التي قدمتها في سبيل نمائها وتنويعها وإضافة اللمسة النسوية فيها. وهي للمخرجات الرائدات فريدة برقية وفريدة بليزيد والمخرجات الجديدات ياسمين قصاري ونرجس النجار وإيمان المصباحي وزكية الطاهري. وبموازاة العروض السينمائية، وكالعادة تم تنظيم ثلاث ندوات نقاش وفكر تتناول مواضيع «المرور من الفيلم القصير إلى الفيلم الطويل» والموضوع الجديد «سؤال حضور المنتجات السينمائيات؟» والمشكل السينمائي الدائم الذي يتعلق بتوزيع الأفلام في القاعات السينمائية والذي يؤرق كل مشتغل بالحقل السينمائي في العالم العربي على الخصوص. ومن المقرر أن يكون قد تم خلال المهرجان توقيع اتفاقتي تعاون مع كل من فقرة «أسبوعي المخرجين» التي ينظمها مهرجان كان السينمائي، ومع مؤسسة «شاشات» الفلسطينية. وهكذا يمكن القول أن رهان مدينة سلا الفني الحداثي قد سن له موعد جديد مع الحدث، هذه المدينة التي اشتهرت من ضمن ما اشتهرت به كونها أيضاً في القرون السابقة معقل القراصنة المشهورين، وكونها تحتضن بالقرب منها القصبات الرومانية «شالة» والذي منه أخذت اسمها الحالي، وأسوارها المعمارية الإسلامية.