الخنساء 2 6 زواج الخنساء وأولادها تزوجت الخنساءُ ابن عمها رُواحة بن عبد العزيز السُّلمي، ولكنه مات عنها ولم تَلِدْ منه، وبعد ذلك تزوجها بعده عبد الله بن عبد العُزى، فولدت له ولدها البِكْرَ عَمْراً، وكُنيته أبو شجرة، وهو وحيد زوجِها الأول، ثم تزوجت ابن عمها مرداس بن أبي عامر السُّلمي، فولدت منه أربعة أولاد هم: يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة، ويقال: أن الشاعر العباس بن مرداس، هو أحد أبناء الخنساء، وقد استشهد من أبناء الخنساء مَن استشهد، ومات مَن مات أثناء حياتها، فأضاف فقدهم حزناً إلى حزنها على أبيها وإخوتها، ولم يبق لها في شيخوختها إلا ابنتها عُميرة. 7 الخنساء والخليفة عمر بن الخطاب قيل إن الخنساء لم تزلْ تبكي على أخويها صخر ومعاوية، حتى أدركت الإسلام، فأقبل بها بنو عمِّها إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هذه الخنساء قد قرَّحتْ مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام، فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي. فقال لها عمر رضي الله عنه: ما قرَّح مآقي عينيك يا خنساء؟ فأجابت: بُكائي على السَّادات من مُضر. فقال لها عمر رضي الله عنه: حتى متى يا خنساء؟ اتقي الله، وأيقني بالموت. فقالت الخنساء: أنا أبكي أبي وخيريَّ مُضر: صخراً ومعاوية. وإني لموقنة بالموت. فقال لها عمر رضي الله عنه: إن الذي تصنعين ليس من صُنعِ الإسلام، وإنّه لو خلّد أحدٌ لخلّد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وإن الذين تبكين هلكوا في الجاهلية، وقد صاروا جمراً في النار؟ فقالت: ذلك أطول لعويلي عليهم، ثم أنشدتْ شعرًا في ذلك. فرَقَّ لها الخليفة عمر وقال: لا ألومك يا خنساء في البكاء عليهم، خلوا سبيل عجوزكم، لا أبا لكم، فكلِّ امرئٍ يبكي شجوه، ونام الخليُّ عن بكاء الشجيِّ. 8 الخنساء في معركة القادسية لقد كان جميع أبناء الخنساء رضي الله عنها وعنهم من الشعراء الفرسان، وقد روى الزبير بن بكار بسنده الله عن أبي وجرة عن أبيه قال: حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد حرْبَ القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: "إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وَ والله الذي لا إله غيره أنكم لبنو رجُلٍ واحدٍ، كما أنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضحتُ خالَكم، ولا هَجّنتُ حسَبكم، ولا غيّرتُ نسَبكم، وقد تعلمون ما أعدَّ اللهُ لِلمُسلمين مِن الثواب الجزيل في حرْبِ الكافرين، واعلموا أنّ الدّار الباقية خيرٌ من الدُّنيا الفانية، يقول الله تعالى في كتابه العزيز:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"سورة آل عمران، الآية: 200. فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظىً على سباقها، وجلّلت ناراً على أوراقها، فتيمَّموا وطيسَها، وجالدوا رئيسَها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغُنْمِ والكرامة، في دار الخلد والمقامة". وبعد خطبة الخنساء خرَج بنوها قابلين لِنُصْحِهَا، عازمين على قولها، فلما أضاء لهم الصُّبحُ باكروا مراكزَهم الجهادية في مُواجهة الفُرس المجوس، وأنشأ أولهم يقول: يا إخوتي إنَّ العجوزَ الناصحهْ قد نصَحَتْنا إذْ دَعَتْنا البارحهْ مقالةٌ ذاتُ بيانٍ واضحهْ فباكِروا الحربَ الضروسَ الكالِحَهْ وإنَّمَا تلقونَ عِندَ الصَّائِحهْ مِنْ آلِ ساسانَ كلاباً نابِحَهْ قد أيقنوا مِنكُم بوقعِ الْجَائِحَهْ وأنتم بين حياةٍ صالِحَهْ أوْ مِيتةٍ تورِثُ غُنماً رابِحَهْ وتقدم فقاتل حتى استشهد رحمه الله. ثم حمل على الفُرس المجوس أخوه الثاني وهو يقول: إنَّ العجوزَ ذاتُ حَزْمٍ وَجَلَدْ والنظرُ الأوفقُ، والرَّأيُ السَّدَدْ قد أَمَرَتْنَا بِالسّدادِ وَالرَّشدْ نصيحةً مِنها وَبَرًّا بالوَلَدْ فَباكِروا الْحَرْبَ حُماةً في العَدَدْ إمَّا لِفوزٍ باردٍ على الْكَبدْ أوْ مِيتةٍ تُوْرِثُكُمْ غُنْمَ الأبدْ في جَنَّةِ الفِرْدوسِ، والعيشِ الرَّغدْ فقاتل إلى أن استشهد رحمه الله. ثم حمل أخوه الثالث وهو يقول: واللهِ لا نَعْصِي العجوزَ حَرْفاْ قد أمرتنا حرباً وعطفا نصحاً وبراً صادقاً ولطفاً فباكروا الحربَ الضَّروسَ زحْفا حتى تلفوا آل ساسانَ لَفَّاْ أوْ تكشِفوهُمْ عن حِمَاْكُمْ كَشْفَاْ إِنَّاْ نَرَى التَّقصِيْرَ عنهم ضَعْفا والقتلَ فيكم نجدةً وعرْفا فقاتل حتى استشهد رحمه الله. ثم حمل أخوه الرابع وهو يقول: لَسْتُ لِخنساءَ ولا لِلأحزَمِ ولا لعمروٍ ذي السَّناءِ الأقدمِ إنْ لم أرِدْ في الجيشِ، جيشَ الأعجمِ ماض على الهول خِضمٍّ خضرمِ إما لفوز عاجلٍ ومغنمِ أوْ لِوفاةٍ في السَّبيلِ الأكرَمِ فقاتل حتى قتل رحمه الله، فبلغ أمهم الخنساء الخبر فقالت:"الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادِها الأربعة بعد استشهادهم، لكل واحد مائتي درهم، حتى قبض شهيداً حينما غدره أبو لؤلؤة المجوسي. 9 نهاية صخر السُّلمي خاض صخرٌ حربَ بني سُليم مع بني أسد، فطعن ربيعةُ بن ثور الأسدي صخراً في جنبه، وفاتَ القومَ، فلَم يقعص، وجوى منها، فمرِضَ حَوْلاً حتى ملَّه أهلُهُ، فسَمِعَ امرأةً، وهي تسألُ امرأته سلمى: كيف بَعْلُكِ؟ فقالت سلمى: لا هو حَيّ فَيُرجى، ولا ميت فينعى، لَقِينا منه الأمَرَّين. فقال صخر لما سمع ذلك منها: أرى أُمَّ صخرٍ لا تَمَلّ عِيادتي ومَلَّتْ سُليمى مَضجعي ومَكاني وما كُنْتُ أخشى أنْ تكونَ جنازة عليك ومَنْ يغترّ بالْحدثانِ لَعمري لقد نَبَّهتِ مَن كان نائماً وأسمعتِ مَن كانت له أُذنانِ ولَلْمَوْتُ خيرٌ من حياةٍ كأنَّها مَحلّة يعسوبٍ برأسِ سِنانِ وإنَّ امرئً ساوى بأمٍّ حليلةً فلا عاشَ إلاّ في شَقاً وهَوانِ فلما طال على صخرٍ البلاءُ، وقد نتأتْ قطعة مثل اليد من جنبه من الطعنة، فقالوا له: لو قطعتها لرجونا أن تبرأ فقال: شأنكم، فأَحْمَوْا له شفرةً، ثم قطعوها فمات، فقالت الخنساء ترثيه: قذىً بعينيك أم بالعين عوارُ أمْ أقفرتْ إذْ خَلَتْ من أهلِها الدارُ تبكي لصخرٍ هي العبرى وقد ثكلتْ ودُونه من جديدِ الترب أستارُ لا بُدَّ من مِيتةٍ في صرفِها غِيَرٌ والدَّهرُ في صرفِهِ حول وأطوارُ يوماً بأوجد مني يوم فارقني صخرٌ وللدَّهرِ إحْلاءٌ وإمْرارُ فإنَّ صَخراً لوالينا وسيدنا وإنَّ صخراً إذا نشتو لنحارُ وإنَّ صَخراً لتأتم الهداة بهِ كأنَّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ مثل الردينيِّ لم تنفذْ شبيبتُهُ كأنَّهُ تَحْتَ طَيّ الْبُرْدِ أسْوَارُ