العقيد معمر القذافي درس حيّ في كيف لا يكون الرئيس. هو خلال 36 سنة في الحكم ارتكب كل الاخطاء والخطايا والجرائم من دون ايجابية واحدة تسجل له، ولو بالصدفة... يعني لو أعطينا قرداً آلة طابعة وتركناه يدق على ازرارها عقوداً لربما قاده قانون الاحتمالات الممكنة الى ان يطبع: الخيل والليل والبيداء تعرفني... الأخ العقيد ليس أخي بالتأكيد كتب الكتاب الأخضر، وهو شاعر وفيلسوف وروائي، كما يقول عن نفسه بتواضع، وهو ليس شيئاً من هذا البتة، والكتاب الأخضر لا يقرأ الا كهزلية غير مقصودة. أقول لكل رئيس دولة، عربياً كان أو غير عربي، ان يتعلم من معمر القذافي. ما على رئيس الدولة سوى ان يرى ما يفعل الزعيم الليبي، ثم لا يفعل مثله، أو يفعل عكسه، وهو لن يخطئ أبداً بحق شعبه، أو شعوب الدنيا. ماكيافلي نصح أميره بما يفعل. أنا أنصح رئيس الدولة العصري بما لا يفعل مستعيناً بمثل العقيد القذافي. الممنوعات: - ان يسعى وراء وحدة دونكيشوتية تنفر الناس من الوحدة. - ان يسجن المعارضين أو يصفيهم في السجون، أو يطاردهم في الخارج ويغتالهم في لندن. أو يغتال الشرطية ايفون فلتشر، أو أي شرطية بغض النظر عن الاسم. - ان يختفي الإمام موسى الصدر في بلاده. - ان يخطف منصور الكيخيا من مصر ويعاد الى ليبيا ويقتل. - ان يفجّر ملهى"لابيل"في برلين لأن الرد الأميركي كان غارات قتل فيها عشرات الليبيين، وبينهم طفلته بالتبني التي كانت ستبقى حية لولا تفجير الملهى. - ان يهاجم تشاد... حتى تشاد هزمته. - ان يمارس تمويل الارهاب والتعامل مع الارهابيين. - ان يفجر طائرة مدنية فوق لوكربي، فيقتل 270 مدنياً، ويسجن رجل استخبارات ليبي، وتدفع ليبيا 2.7 بليون دولار لاسر الضحايا، بدل ان تدفع لمحاربة الفقر في افريقيا. - ان يفاجئنا بالزعم انه افريقي وليس عربياً. أقول يا ليت، أزيد ان الانسان يستطيع ان يطلق زوجته، ولكن ليس والده ووالدته. هو عربي رغماً عنه وعنّا. - ان يقضي سنوات في محاولة امتلاك أسلحة دمار شامل، بينها برنامج نووي، لأنه لا يعرف استعمال السلاح التقليدي، كما رأينا في تشاد. - ان يحاول اغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي في حينه، والملك عبدالله الآن. المؤامرة حصلت، وعندي تفاصيل اضافية عنها، اضافة الى ما يُعرف من تفاصيلها، وقد حكم على عبدالرحمن العمودي في أميركا بالسجن 23 سنة بعد ان حاول تجنيد منشقين سعوديين في لندن لتنفيذ المؤامرة، واعتقلت السلطات السعودية متآمرين بينهم أربعة رجال استخبارات ليبية، وعفا عنهم الملك عبدالله. لا بد ان عند الملك اعتبارات قومية تجعله يعفو وهو يعرف ان المؤامرة حقيقية مئة في المئة. كل ما سبق لم يمنع ان يتحول معمر القذافي من العدو رقم واحد للولايات المتحدة الى شريك في مكافحة الارهاب. النظام الليبي لم يتغير خوفاً من مصير كالذي أصاب صدام حسين وعائشة القذافي لا تزال تدافع عنه، فهو في الواقع بدأ التحول التدريجي في أواسط التسعينات بعد ان أدرك خطر الجماعات الاسلامية المتطرفة على نظامه. والجماعة الاسلامية المقاتلة حاولت اغتياله في 1996، وربما 1998 و1999. وانتهت بأن استخبارات من الشرق الاقصى بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اعتقلت زعيم الجماعة عبدالله صادق في تايلاندا ونائبه أبو منذر السعدي في هونغ كونغ، وسلما الى ليبيا حيث هما في السجن الآن. أغرب من ان تعتقل الاستخبارات الأميركية خصوم القذافي ان ليبيا الآن مرشحة مع تسع دول أخرى في برنامج أميركي موازنته 500 مليون دولار لمكافحة القاعدة في المنطقة. أغرب من هذا وذاك ان موسى كوسه، مسؤول الاستخبارات الخارجية، هو الصلة الاولى مع الاستخبارات الأميركية، مع ان الحكم على عبدالباسط المقراحي ذكر انه"تصرف في خدمة اهداف الاستخبارات الليبية"، وان كوسه كان رئيس البعثة الديبلوماسية الليبية في لندن عندما قتل معارضان ليبيان وطرد، وان اسمه ورد تقريباً في كل عملية ارهاب مارستها ليبيا، بما فيها المؤامرة على الملك عبدالله. مع ذلك موسى كوسه كان وراء تخلي ليبيا عن برنامجها النووي، وهي سلمت الاميركيين 55 ألف رطل انكليزي من المعدات النووية، من دون ان تكون قريبة ابداً من انتاج شيء. ووراء كوسه هناك سيف الاسلام القذافي الذي يدير السياسة الخارجية الليبية من لندن، يساعده الوزير عبدالرحمن شلقم. وهناك اتصالات مباشرة مع المحافظين الجدد واللوبي اليهودي. العقيد القذافي أطلق المعارض المعروف فتحي الجهني من السجن، فرحب الرئيس بوش باطلاقه وقال انه"معارض شجاع". ولم تنفع الشجاعة الجهني فهو بعد مقابلتين على التلفزيون أعيد الى السجن ولا يزال. ولكن الرئيس بوش عاد فقال في نيسان أبريل 2004 ان ليبيا أدارت ظهرها للارهاب، وذهب مسؤولون من وزارة الخارجية الاميركية الى ليبيا، فأعيدت العلاقات الديبلوماسية، ولم تمض أشهر حتى فازت شركات أميركية بعقود نفط كبرى في وجه منافسة اوروبية، وهذا بيت القصيد. والآن تعتزم الوزيرة كوندوليزا رايس زيارة ليبيا مع ان هذه لا تزال على قائمة الدول المؤيدة للارهاب التي تصدرها الوزارة. ولكن هناك بيت القصيد الذي جعل عضو الكونغرس توم لانتوس، وهو ليكودي قديم، يزور ليبيا ويقابل موسى كوسه مع انه من فريق حقوق الانسان في الكونغرس، وأن يطالب بعد ذلك برفع ليبيا عن قائمة الدول المؤيدة للارهاب.