في معظم الأحاديث، ولاحقاً في معظم البرامج التي تتحدث عن عمليات 11 ايلول سبتمبر 2001 الإرهابية، يتركز الحديث غالباً على سحق الطائرتين الشهيرتين لبرجي مبنى التجارة العالمي. ثم احياناً يجري الحديث عن الطائرة الثالثة التي سقطت فوق البنتاغون. فماذا عن الطائرة الأخرى؟ ماذا عن الرحلة"رقم 93". وتحديداً الطائرة الرابعة التي يبدو انها عجزت عن الوصول الى هدفها، فسقطت في ولاية بنسلفانيا، حاصدة في سقوطها ركابها الأربعة والأربعين وأفراد طاقمها، ناهيك عن الإرهابيين انفسهم؟ ماذا حدث لتلك الطائرة؟ لماذا عجزت عن تحقيق غايتها؟ سؤالان شغلا الناس كثيراً في حينه، قبل ان يطويهما النسيان. لكن اهل الضحايا لم ينسوا. انهم مثل غيرهم، من اهل ضحايا التفجيرات الأخرى، يحتفلون بالذكرى على طريقتهم، ويروون الحكايات على طريقتهم, ويبالغون عادة في التأكيدات حتى وإن كنا نعرف تماماً ان احداً لن يعرف ابداً حقيقة ما حدث على متن تلك الطائرة المنكوبة. هذا الموضوع كان لا بد له، في نهاية الأمر، ان يشغل بال احدهم، وأن يصل الى التلفزة، ليس فقط على شكل اخبار وتأكيدات وثائقية. ومن هنا كان من الطبيعي لمخرج تلفزيوني اميركي - بريطاني من طينة فيل كريغ، ان يهتم بالأمر. والنتيجة: فيلم تلفزيوني في اكثر من ساعة ونصف الساعة، يعرض الليلة، على شاشة القناة الثالثة الفرنسية في الحادية عشرة إلا ربعاً مساء بتوقيت باريس. والفيلم عنوانه"11 سبتمبر، متمردو الرحلة رقم 93". والحال اننا منذ العنوان يمكننا ان نلم بالوجهة الأساسية التي يتخذها هذا الفيلم. وهو، في الأساس نصف وثائقي - نصف تمثيلي. طبعاً ينطلق الفيلم من رواية الأحداث وما حصل للطائرة، من الخارج، وهو في طريقه يصور شهادات العشرات من الأشخاص، من مسؤولي طيران وصحافيين، ومن اهل الضحايا الذين شاء لهم سوء حظهم ان يكونوا في تلك الطائرة. وهو هنا من خلال بعض هذه الشهادات، يصور العديد من المشاهد التمثيلية انطلاقاً من حكايات يرويها الأهل. ومن بين هؤلاء زوجتا الضحيتين توم وجيريمي اللتان ترويان بكل فخر، كيف ان الزوجين تمكنا من قتل الإرهابي الذي كان يقف عند باب كابينة الطيارين"ما افسد على الإرهابيين خطتهم وأدى الى اسقاط الطائرة قبل وصولها الى هدفها، الذي ربما كان البيت الأبيض". هذه المشاهد الممثلة، تبعاً للروايات المتواترة - والتي لن يتمكن احد من تأكيد صحتها - هي التي تشكل العصب الأساس لهذا الفيلم، الذي يتابع دقيقة دقيقة، وفيما يشبه الزمن الحقيقي، كل مسار تلك الرحلة - الأخيرة - التي قامت بها طائرة بوينغ 757، التابعة لشركة يونايتد ايرلاين. وفي مجال هذه المتابعة يبدو كل شيء حقيقياً هنا، ذلك ان صانعي الفيلم استندوا اساساً الى السجلات المدونة والتي كانت تتابع الرحلة. كما انه يستخدم شرائط اخبارية، بعضها نادر، ولم يشاهد من قبل. اما في مجال الشهادات فإن الفيلم تمكن من تصوير العديد من اقرباء الضحايا بما في ذلك ازواج وأبناء وزوجات مقدماً عنهم صورة تكاد تكون صورة حقيقية لرعب اميركا وشللها امام ذلك النوع من القتل المتعمد. وفي هذا الإطار لا يخلو الفيلم من بعض اللحظات المرحة، لا سيما حين يصور شهادتي زوجتي توم وجيريمي، وكل منهما تنسب المجد والفضل لزوجها. في النهاية، ما يشاهده الفرنسيون على شاشة قناتهم الثالثة هذا المساء، فيلم قاس وغريب، لكنه مشغول بعناية، ومن دون أي قسط من الشر. فيلم لا يريد ان يقول الجانب السياسي من جوانب تلك الكارثة، بقدر ما اراد ان يقول الجانب الإنساني. هذا الجانب الذي غالباً ما ينسى تحت سطوة الرغبة في قول كل ما هو مثير. اما من الناحية التقنية فإن الفيلم يتميز بأسلوبه الأنغلو - ساكسوني الذي يعيد تركيب الأحداث في شكل لا يخلو من اقناع. بل ربما بشكل يمكنه ان يجعل اعادة التركيب هذه تبدو وكأنها الكلمة الفصل في الموضوع برمته.