تحفل تلفزيوناتنا بحشد من القنوات الفضائية الحكومية والخاصة، قنوات ذات توجهات متباينة، ترضي معظم الأذواق، قنوات عامة وقنوات متخصصة في غير شأن من شؤون الدنيا، من الرياضة التي تتنافس لبث مباريات الألعاب الرياضية خصوصاً مباريات كرة القدم لإرضاء عشاق الرياضة، الى قنوات الأغاني التي تروي شغف المشاهدين لمتابعة المستجد او القديم من الأغاني والفيديو كليبات. وحتى المتدينون يجدون بين هذه القنوات ما يتوافق مع تدينهم والتزاماتهم، وكذلك النساء والأطفال يملكون على خريطة القنوات الفضائية قنوات تتناسب مع مرحلتهم العمرية ويتابعون برامجهم ومسلسلاتهم فيها. ولكن يبدو ان الثقافة هي آخر ما يمكن ان تخصص له قناة فضائية، تتابع وتعرض برامج ثقافية، وتتواصل مع المثقفين، وتلاحق اخبارهم، وتعرض نشاطاتهم وفاعلياتهم. هنا لا ننكر وجود قناة مثل قناة"النيل"الثقافية التي تجهد لتقديم برامج ذات طابع ثقافي، لكن متابع هذه القناة، لا يجد فيها ما يمكن ان يدفع على مواصلة متابعتها، نظراً للإمكانات التقنية والبشرية الفقيرة، اضافة الى إقليمية القناة وعدم انفتاحها على الأشمل من الثقافة العربية والعالمية إلا ما ندر. ويمكن ان يصدق القول ذاته على قناة الشارقة التي تخصص جزءاً كبيراً من برامجها لمتابعة الشأن الثقافي، إلا انها تقليدية التوجه وإقليمية، ولم تنفتح على الثقافة الجديدة. ثمة ثقافة شابة تطفو على السطح، ثقافة تواجه بالرفض في الغالب، لكن وجودها حتمي، ثقافة تتجه نحو خرق المفاهيم والقواعد، على كل مستويات اشكال التعبير، من الشعر والقصة والمسرح والفن التشكيلي وحتى السينما والفيديو. ثقافة جديدة تنبع من هموم شابة، تبنت اشكالاً تعبيرية جديدة منطلقة من التعامل اليومي مع ما تفرزه التقنيات الحديثة. فالفن التركيبي - مثلاً - يبدو مقصياً عن القنوات الفضائية، ومنتجوه مقصيون عن برامج التلفزيون. مثل هذا ما حدث مع تظاهرة"أشغال داخلية"للجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية - أشكال ألوان - اضافة لما تقدمه شريحة شابة في القاهرة والبحرين والأردن من تجارب بصرية وندوات وفاعليات تستحق ان يتواصل معها المشاهد المعني بالثقافة، للاطلاع ومناقشة اشتغالاتها ومشتغليها، ومجادلة هذه الشريحة من المثقفين الشباب حول رؤيتهم للحياة والفن والثقافة، من اجل تخطي الجمود الذي تعيشه الثقافة العربية خصوصاً التقليدية. ولو - وإن كان حلماً - تبنت جهة اطلاق قناة تعنى بالثقافة والفن المختلفين، قناة ذات امكانات تقنية عالية، واستقطبت مذيعين يملكون عفوية وحضوراً لا يشابهون مذيعي القنوات الحكومية ذوي الابتسامات الجافة والمتكلفين في حديثهم وفي مظهرهم، وانفتحت على كل النشاطات والفاعليات في العالم العربي والعالم لكانت نافذة يتواصل من خلالها الشاب الخليجي مع المغربي، والأردني او اللبناني مع اليمني. فكثيراً ما نقرأ عن امسيات ومعارض بصرية، وأفلام فيديو، وتجارب لا تسنح لنا الفرصة للإطلاع عليها نظراً لظرف الجغرافيا. وهذا ما ستحققه القناة التي ستغير صورة المثقف النمطية، وستعرف اكبر عدد من المشاهدين على هذه الثقافة الجديدة بدلاً من النظر إليها بعين الريبة.