قال مدير البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة نايجل روبرتس، الموجود حالياً في لندن للمشاركة في مؤتمر اقتصادي مكرس لتشجيع نمو الاقتصاد الفلسطيني، إن البطالة والاغلاقات التي تفرضها اسرائيل على حركة الناس والبضائع في الأراضي الفلسطينية من أهم الأسباب المعيقة للنمو. ورأى روبرتس في مقابلة أجرتها معه"الحياة"ان السلطة الفلسطينية يمكن ألا تكون قادرة على دفع مرتبات موظفيها ما لم يسدد المانحون التزاماتهم بدعم موازنتها. ونصح روبرتس بعدم فصل الاقتصاد الفلسطيني فجأة عن الاقتصاد الاسرائيلي الذي يتلقى ما بين 85 في المئة و90 في المئة من الصادرات الفلسطينية، وأثنى على الحماسة للديموقراطية في المجتمع الفلسطيني. وفي ما يأتي نص المقابلة: * في تقريركم تلومون في تباطؤ النمو كلاً من اسرائيل بسبب تكرار اغلاقها الأراضي الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية لعدم اجرائها اصلاحات. ألستم تساوون بذلك بين قوة الاحتلال والناس الخاضعين للاحتلال؟ - لا. أولاً لأننا نتحدث عن الأسباب الميكانيكية لما يحدث في الاقتصاد وليس عن الأمور السياسية، فنحن نترك هذا لأناس آخرين يقررون من هو الطرف الملام على ماذا. هذه السنة كان النمو مرتفعاً إذ تراوح بين 8 و9 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وهذا معدل جيد له تأثير واضح على التشغيل، علماً أن البطالة أهم سبب يعيق النمو. وقد بلغت في بداية هذه السنة حوالي 27 في المئة وفي أواخر السنة 22 في المئة. * هل هذا هو معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟ - نعم هذا هو المعدل. في غزة يبلغ 33 في المئة وفي جنوب القطاع أكثر من 40 في المئة، وإذا نظرت الى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاماً، وجدت في جنوب قطاع غزة أن البطالة في أوساطهم تزيد على 60 في المئة، ما يعني أن جميع الشباب تقريباً في مخيمات اللاجئين في خان يونس ورفح الذين هم خارج المدارس منذ بداية الانتفاضة هم بدون عمل. وطبعاً يشكل هذا خطراً داخلياً رأيناه يتجلى هذه السنة في الانفلات الأمني، وهذا شيء غير مستغرب. فالشباب لهم طموحات وتطلعات عالية ولكنهم لا يجدون سبيلاً للتعبير عن أنفسهم إلا من خلال التنفيس عن احباطهم بالتعبير عن غضبهم على إسرائيل. لقد خففت قيود الاغلاق الى حد ما هذه السنة وتوسعت الصادرات الفلسطينية الى إسرائيل، ولكن نظام الاغلاق ما زال على حاله، ويمكن أن يحدث الاغلاق في أي لحظة. ومن دون يقين بشأن ماذا يمكن أن يحدث سيبقى النمو محدوداً. والاقتصاد الفلسطيني صغير الحجم ولا بد له من الاتجار مع العالم الخارجي. وأساس التجارة هو معرفة ما يمكن ان يحدث ووجود يقين في هذا الشأن. ولكن المستثمرين لن يضعوا أموالهم للاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني إلا إذا كانوا واثقين جداً من أن المعابر لن تُغلق. * ألا ترى أن بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية له تأثير سلبي على الاقتصاد الفلسطيني؟ - إنه سلبي الآن، لكن عندما وقع كان الأمل أن الاقتصاد الفلسطيني سيكون مفتوحاً لكن الأمور السياسية تدخلت في ذلك. بروتوكول باريس يفترض صلة وثيقة بين الاقتصادين الإسرائيلي والفلسطيني، وهذا لا يحدث بسبب الصراع بين الطرفين، ولكن أحدهما دولة قوية قادرة على اغلاق الحركة لدى الطرف الآخر. بهذا المعنى أصبح النمط المفترض غير موجود. وأفضل شيء بالنسبة الى الفلسطينيين هو أن يبتعدوا تدريجاً نحو اعتماد أقل وأقل على إسرائيل، لكن المشكلة في ذلك هي ان الاقتصاد الفلسطيني ما زال يعتمد الى حد كبير على إسرائيل ولا يوجد مجال لتغيير هذا الوضع في وقت قصير، إذ لا بد من فترة تكيف. وحتى لو حدث التكيّف، فإن الاقتصاد الفلسطيني سيبقى لسنوات طويلة مقبلة مربوطاً بإسرائيل ارتباطاً وثيقاً. ولا يمكن التظاهر بعدم وجود اعتماد متبادل بين الاقتصادين. أعتقد أن من الصواب أن يبذل الفلسطينيون جهداً نحو تعزيز صادراتهم ليس فقط الى إسرائيل، وإنما الى بقية العالم أيضاً. غير أن هذا لا يحدث حتى الآن. وإذا قطعت العلاقات الاقتصادية فجأة مع إسرائيل التي تتلقى ما بين 85 و90 في المئة من مجموع الصادرات الفلسطينية فسينعكس ذلك سلباً على الاقتصاد الفلسطيني. كما أن إسرائيل تدعم 10 في المئة من القوى العاملة ونحو 15 في المئة من دخل الفلسطينيين من خلال العمل داخل إسرائيل، لذا فان عملية تقليل الاعتماد يجب أن تكون متدرجة. * ذكرت أن البطالة أكبر سبب سلبي يؤثر في الاقتصاد الفلسطيني، ما هي العوامل السلبية الاخرى؟ - هناك البطالة أولاً، ولكن هناك ثلاثة أسباب تعيق النمو. هناك الصراع بين الطرفين، وهناك الاغلاق بكل أشكاله، بما في ذلك الحد من أعداد العمال الذين يدخلون للعمل في إسرائيل ثم هناك الإدارة الداخلية للاقتصاد الفلسطيني. * ما الذي تعنيه بالإدارة الداخلية للاقتصاد؟ - ما هو مطلوب منا أن نفعله في هذا المؤتمر في لندن هو قياس التقدم من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين لتشجيع النمو السريع في الاقتصاد الفلسطيني. ذكرت لك أن الاغلاقات مستمرة. وهناك الاتفاق الذي توصلت اليه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وهو اتفاق مهم جداً لأنه يعالج مسألة اغلاق الحدود، ولكنه - في رأيي - لن يعالج مسألة الاغلاقات الداخلية ضمن الضفة الغربية، لأن هذه الاغلاقات مرتبطة بالمستوطنات اليهودية ارتباطاً وثيقاً، وهناك تناقض بين السماح بحرية حركة كاملة للفلسطينيين وقيام إسرائيل بحماية طرق الوصول الى المستوطنات. وهذه مشكلة لن تحل بسهولة، ثم ان الاتفاق لا يشمل الأيدي العاملة التي ما زالت ممنوعة من الدخول الى اسرائيل. لكن اذا طبق الشق المتعلق بالتجارة عبر الحدود، فإن هذا سيشكل فارقاً مهماً. وما أقوله هنا هو ان من الصعب أن نعرف في هذه المرحلة مدى صعوبة هذه المشكلة. لكن الحسابات الأولية تشير الى أن الاغلاقات الداخلية في الضفة الغربية تكلف الفلسطينيين نحو 3.5 في المئة من الانتاج الداخلي الاجمالي. في ما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية ودورها والتزاماتها نرى ان الصورة مختلطة. الأمر الايجابي في الصورة هو تحرك الشعب الفلسطيني نحو الدمقرطة بحماسة. وكل من يعيش هناك يرى ان هذا مجتمع ديموقراطي فيه حوار ايجابي. * كيف يؤثر هذا في الوضع الاقتصادي؟ - اعتقد انه كلما كان للسكان دور في القضايا التي تتعامل معها الحكومة وكلما كانت الحكومة مسؤولة أمام الناخبين، فإن هذا يفرض رقابة على ما تفعله الحكومة. والعملية الديموقراطية الآن صحية وايجابية. وقد اتخذت السلطة عدداً من المبادرات مثل سن قوانين جديدة وزيادة درجة الشفافية المالية. هناك ثلاثة مجالات مهمة برزت فيها، أو ما زال، فيها مشكلات: أولها أوضاع القانون والنظام، ونستطيع أن نفهم أن هناك أسباباً مخففة. ففي الضفة الغربية لا يسمح لقوات الشرطة والأمن بحمل أسلحة، وهذا يجعل الأمور صعبة بالنسبة اليها. وهناك مجموعات مسلحة تستغل هذا الوضع لاغراضها الخاصة. وهذا وضع يثير القلق خصوصاً بالنسبة الى الاستثمارات، اذ ان من الواضح أنه إذا لم يكن هناك ضمان يمكن المستثمر من ممارسة عمله بصورة منظمة ومن اللجوء الى المحاكم مثلاً، فإن الناس سينظرون ملياً في ما إذا كانوا يستثمرون أموالاً في بيئة حافلة بالمجازفة اصلاً بسبب الأحوال السياسية. الأمر الآخر المثير للقلق هو الوضع المالي. فالانفاق الحالي المتكرر ارتفع ارتفاعاً حاداً هذه السنة، خصوصاً في ما يتعلق بالمرتبات التي زادت عن طاقة الدخل. والآن هناك امكانية، كل شهر، لحدوث أزمة مالية وما لم يتم عمل شيء لتعديل ذلك، فإن احتمال أن تجد السلطة الفلسطينية نفسها غير قادرة على دفع المرتبات ما هو سوى مسألة وقت. وهذا سيسبب مشكلة سياسية كبيرة. * ألا يسدد المانحون التزاماتهم؟ - لا، إهم لا يسددون التزاماتهم. وعندما يتعلق الأمر بالموازنة هناك قضيتان، أولاهما أن السلطة الفلسطينية اتفقت مع المانحين من الدول الثماني المتقدمة اقتصادياً على أن تقوم بسلسلة اجراءات مقابل ن تتلقى تمويلاً شبه سنوي من الدول الثماني، لكن السلطة الفلسطينية الآن خارج الامتثال لهذا الاتفاق بمسافة كبيرة. وهذا يجعل من الصعب الاستمرار في دفع مبالغ عن طريق هذه الآلية. ونحن نجري محادثات مكثفة مع السلطة الفلسطينية والمانحين لأن هذه أزمة. الأمر الثاني، من جهة المانحين، أن الجامعة العربية تعهدت هذه السنة ب660 مليون دولار لدعم الموازنة، لكننا نتوقع في حلول نهاية هذه السنة ألا تكون الدول العربية قد دفعت سوى 175 مليون دولار. وهذا نقص هائل. ولو سددت الالتزامات لما كان وجدت أزمة مالية الآن. ولست أريد القاء اللوم كله على طرف بعينه على الوضع الحالي، لكن على أي حكومة أن تعيش وفقاً لمواردها وعليها أن تعدل سياستها لتعيش وفقاً لتلك الموارد. علينا أن نجد طريقة لحل المشكلة، فالاستقرار المالي أساسي للاستقرار السياسي. * ما دور البنك الدولي بالنسبة الى الاقتصاد الفلسطيني؟ - دورنا الأساسي هو تحديد إطار للسياسة الاقتصادية. نحن مؤسسة فنية يمكننا التحدث مباشرة الى الأطراف المعنية، وقد لا يعجبها ما نقول، لكننا لا نتحدث من منطلق سياسي متحيز. اذا تحدثنا عن الاغلاقات الإسرائيلية وانتقدنا تأثيرها، فإنما نتحدث عنها لأنها حقيقة ميكانيكية تحدث ضرراً كبيراً للاقتصاد الفلسطيني. وبالمثل عندما ننتقد السلطة الفلسطينية فإنما نفعل ذلك وفقاً لما نرى أنه لا يساعدها. * أخيراً، يقال ان مشروع قانون زيادة الدعم المالي لأسر الشهداء الفلسطينيين إذا أقره المجلس التشريعي سيسبب مشكلات للسلطة الفلسطينية؟ - هذا صحيح. هناك تقارير متناقضة عن ذلك. لكن بالتأكيد، بالنسبة الى بعض المانحين، خصوصاً الأوروبيين، ان مشروع القانون هذا يمثل مشكلة سياسية يمكن أن تؤثر في مستوى دعم الموازنة الذي هو دعم عام يدخل في الخزينة ثم يمكن استخدامه لأمور عدة.