قال مسؤولون في البنك وصندوق النقد الدوليين لپ"الحياة" ان الوعود بتقديم بلايين الدولارات من المساعدات الدولية الجديدة للفلسطينيين لن تكفي اذا لم يتبعها الغاء اسرائيل سياسة اغلاق الحدود ووضع العراقيل امام حركة الافراد والبضائع من الضفة الغربية وغزة واليهما. وقال ممثل الصندوق في الضفة الغربية وغزة سلام فيّاض، الذي حضر اجتماع الدول المانحة في مقر الخارجية الاميركية الاسبوع الماضي، ان الوعود بتقديم نحو 3.4 بليون دولار "تشير الى ان اهتمام الدول المانحة بدعم الجهود لا يزال موجوداً". وسعى المؤتمر الذي عقد بعد فترة قصيرة من توقيع اتفاقات واي الى الاستفادة عن "الروح الجديدة الايجابية". الا ان فياض رأى "ان من البديهي ان الخيبات الماضية منذ توقيع اتفاقات اوسلو تفرض تجنب توقع ما هو غير واقعي. وعلى رغم ذلك ينبغي عدم التقليل من اهمية المؤتمر السياسية والاقتصادية". وأضاف ان الوعود الجديدة مهمة نظراً الى الحاجة الماسة للمناطق الفلسطينية لبنى تحتية جديدة وانشاء مدارس ومستشفيات وتعبيد الطرق. وأعرب مسؤول في البنك الدولي لپ"الحياة" عن اعتقاده بأن اجتماعات الجهات المانحة كانت ناجحة. وأضاف "ان الجميع يشعر بالتفاؤل حيال اتفاقات واي، لكننا نرغب في ان تترجم نتائج عملية. اذ تراجع دخل الفرد الفلسطيني في صورة كبيرة، ولا يمكن زيادته الا بالتنمية. ونحن مقتنعون بأن السلام لا يمكن ان يتحقق من دون تنمية". وأشار المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه ان تحقيق تنمية اقتصادية متواصلة في المناطق الفلسطينية يرتبط بما يفعله القطاع الخاص الذي يتطلب حرية تنقل السلع من الضفة الغربية وغزة واليهما، كما يتطلب مناخاً سياسياً مستقراً. وتشدد ورقة اعدها البنك الدولي الى مؤتمر الجهات المانحة، على هذا الامر، اذ جاء فيها ان النمو في الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن ان يتحقق الا عبر توسيع حركة التجارة الاقليمية والدولية وحتى الآن لم يحصل هذا الامر لأن ما هيمن على الحياة الاقتصادية الفلسطينية، منذ توقيع اعلان المبادئ، كان فرض قيود معقدة على حركة الفلسطينيين وبضائعهم. وتضيف الورقة "ان الغاء القيود على تنقل الافراد والبضائع، سيتيح فرصاً للنمو ما يؤدي الى مزيد من المنافع نتيجة الاتفاقات التجارية التفضيلية التي عقدها الفلسطينيون مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والاردن". وشدد فياض المسؤول في البنك الدولي على اهمية الربط بين سياسة اغلاق الحدود وبين الخطوط الاقتصادية في المناطق الفلسطينية. ومن جهة اخرى، اعرب صندوق النقد عن وجهة نظر مماثلة، ولفت الى ان الاقتصاد الفلسطيني صغير ويحتاج الى حرية التواصل مع السوق الدولية، والى انه من مصلحة الفلسطينيين ان يلعب القطاع الخاص دور القوة المنمّية لأن الجهات المانحة ترغب في "رؤية ضوء في نهاية النفق"، اي نفق عملية المساعدة، وفي صدور تطمينات من الفلسطينيين الى انهم سيتمكنون في آخر المطاف من التخلص من اعتمادهم على المساعدات الخارجية، والطريق الوحيد المفتوح امام هذا هو تقوية القطاع الخاص. ويرى فياض ان التنمية الاقتصادية لا يمكن ان تتحقق ما لم يحل السلام والاستقرار، وهو ما يتم تجاهله غالباً. والبعض يقول ان التقدم الاقتصادي يعزز العملية السياسية ويرفع من شأنها لكن هذا التقدم لا يمكن ان يتحقق من دون السلام والاستقرار السياسي. وأعرب المسؤول في البنك الدولي عن اعتقاده بأهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني، لكنه اعرب عن خيبته وخيبة البنك الدولي بهذا القطاع الذي ما كان منتظراً منه في الاعوام الخمسة الأولى من مشاركة البنك في جهود مساعدة الفلسطينيين على بناء اقتصاد سليم. وقال المسؤول ان الجهود التي تبذلها الجهات المانحة حاسمة الأهمية لتهيئة المسرح وتأهيله بالبنى التحتية وباطار يتيح للتنمية التي يتولاها القطاع الخاص ان تتحقق. فالوظائف تتولد من جهود القطاع الخاص لا من القطاع العام. و"الذي يثير قلقاً كبيراً حالياً هو سرعة نمو وظائف القطاع العام والجزء الكبير من الموازنة الفلسطينية المتكررة الذي يذهب في سبيل دفع الرواتب والعلاوات". ولفت الى ان الجهات المانحة أدلت بتعليقات كثيرة من الواضح انها موجهة الى الاسرائيليين تطلب منهم رفع القيود المفروضة على تحرك البضائع والافراد. وكان ممثلو الدول العربية وعدد من الجهات الدولية المانحة، الذين حضروا الاجتماعات، وجهوا انتقادات الى الاسرائيليين. ومن المعروف ان الجهات الدولية المانحة تشعر بالاحباط لأن مساعداتها لم تعط النتائج المطلوبة. وقدر البنك الدولي في ورقته الى الاجتماعات ان اغلاق الحدود كلّف الاقتصاد الفلسطيني نحو 2.8 بليون دولار بين 1994 و1996، اي نحو ضعفي ما قدّمته الجهات الدولية المانحة خلال هذه الفترة. ولفت الى ان اداء الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، منذ توقيع اتفاقات اوسلو عام 1993، لم يتماش مع النمو السكاني السريع لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة البالغ تعدادهم 2.5 مليون نسمة. وقدر البنك انخفاض اجمالي الناتج المحلي الفعلي بأكثر من عشرة في المئة بين 1994 و1997. ويتوقع ان ينمو هذا الناتج بنسبة تراوح بين 2.5 وثلاثة في المئة السنة الجارية او نحو نصف نسبة النمو السكاني التي هي خمسة في المئة. وتلفت الورقة الى ان دراسة احوال التشغيل تدل على ارتفاع عدد الوظائف السنة الجارية، لكن هذا الارتفاع مرتبط بتحرك العمالة الى اسرائيل والى المناطق التي تسيطر عليها وليس بازدياد الفرص السانحة في الاقتصاد الفلسطيني المحلي. وساهم هذا في خفض البطالة لكن اغلاق الحدود في ايلول وتشرين الأول سبتمبر وأكتوبر الماضيين أفقد العمال الفلسطينيين اكثر من 11 مليون دولار من الاجور في ايلول وحده. وتشير الورقة ايضاً الى ازدياد الضغوط على الحساب الفلسطيني الجاري بسبب ازدياد الواردات، وأخيراً بسبب خفض قيمة الشاقل الاسرائيلي في تشرين الأول الماضي، ما تسبّب في ارتفاع اسعار الواردات، فيما كانت الصادرات الفلسطينية ضعيفة. ويذكر ان البنك الدولي، الذي لعب دوراً رئيسياً في تنسيق الجهود الدولية المانحة التي بدأت في خريف 1993، قدم ورقتين اخريين الى اجتماعات واشنطن. وتشير الورقتان الى ان الطريق مفتوحة امام جهود التنمية الفلسطينية ومشاركة الجهات المانحة في هذه الجهود، والى ان السلطة الفلسطينية تحتاج الى ازالة العقبات من امام تنفيذ مشاريع الاستثمار العام. ويشير مسؤولو البنك الدولي الى ان "بكتار" مجلس الاعمار والتنمية الفلسطيني تمكّن من تنفيذ عدد كبير من المشاريع بنجاح، ولكن توجد عراقيل تعود الى عدم وضوح مسؤوليات كل من الوزارات الفلسطينية والوكالات الحكومية الاخرى لمشاركة في تنفيذ المشاريع. وتحتاج السلطة الفلسطينية، من وجهة نظر البنك الدولي، الى تطوير تخطيط اداري مالي اكثر عمقاً، والى تحسين طاقتها التخطيطية والتمويلية وقدرتها على تقويم المزيد من الخدمات الاجتماعية خصوصاً في مجالات الصحة الاساسية والتربية والتأهيل وشبكات الامان الاجتماعية. كما تحتاج الى الالتفات الى مشاكل البيئة التي لاقت اهمالاً خصوصاً في ما يتعلق بمعالجة المياه واعادة استخدامها والتخلص من النفايات الصلبة. ويوحي البنك الدولي بأن اتفاقات واي ربما تؤثر على نحو كبير في تطوير القطاع الخاص عبر خفض "تكاليف العمولات والمواد الأولية". وكانت هذه التكاليف عالية حتى الآن لأسباب منها كوتات الاستيراد التي فرضت بموجب بروتوكول باريس. كما ان الحد من تحرك البضائع والافراد ساهم في ارتفاع هذه التكاليف. ويخلص البنك الى ان الضفة الغربية وغزة صارتا سوقاً مرهونة لما ينتجه الاسرائيليون ويستوردونه بأسعار هي اجمالاً اعلى من الاسعار الدولية". وقال المسؤول في البنك الدولي ان الاقتصادين الاسرائيلي والفلسطيني مرتبطان على نحو لا انفكاك معه سواء احب احدنا هذا او كرهه. وأعرب عن اعتقاده بأن المزارعين والصناعيين الفلسطينيين قد يسجلون مكاسب من طريق التجارة مع اقتصاد اسرائيلي اكبر من الاقتصاد الفلسطيني اذ ان عدد الاسرائيليين يراوح بين اربعة وستة ملايين نسمة فيما يبلغ دخل الفرد منهم السنوي 17 الف دولار. لكنه شدد على الحاجة الى تطبيع التبادل التجاري بين المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية وبين الدول العربية المجاورة وغير المجاورة. وأضاف: "لا اعتقد ان احداً يرغب في فك الارتباط بين الاقتصادين الفلسطيني والاسرائيلي، بل الرغبة هي في اقامة روابط مع اقتصادات اخرى فيما تبقى الارتباطات مع الاقتصاد الاسرائيلي قائمة مع خفض الاعتماد عليه. فالتجارة هي روح التنمية. ونحن نرغب في ان يستثمر الاسرائيليون في الضفة الغربية وغزة وننتظر منهم ذلك"