استطاعت سلمى الخضرا الجيوسي خلال السنوات العشرين الماضية أن تقدم لقراء الإنكليزية عدداً من الموسوعات التي تلقي ضوءاً ساطعاً على الثقافة العربية بعامة وعلى الثقافة العربية المعاصرة بخاصة، وأن تعرف قراء اللغة الإنكليزية على تطور الشعر والقصة والرواية والمسرح في العالم العربي، كما عرفت من جهة أخرى بأثر الثقافة العربية الإسلامية في الحضارة الأوروبية. وقد أشرفت على ترجمة عدد كبير من الروايات العربية إلى اللغة الإنكليزية ورعت نشرها في عدد من دور النشر البريطانية والأميركية الكبيرة في جهد لا أظن أن أي مؤسسة عربية كبرى، سواء أكانت وزارة ثقافة أو مؤسسة تابعة لجامعة الدول العربية، استطاعت تحقيقه. أصدرت الجيوسي أخيراً عملاً بعنوان Modern Arabic Fiction في 1080 صفحة عن دار نشر جامعة كولومبيا الشهيرة يتضمن مقدمة ضافية عن القصة والرواية العربيتين، وترجمة لنصوص من نحو 140 قاصاً وروائياً بدءاً من نهايات القرن التاسع عشر وصولاً إلى نهايات القرن العشرين. وقد مثلت تلك المختارات، التي عملت عليها الناقدة والباحثة العربية، الجغرافية القصصية والروائية، ما جعل تلك المختارات نافذة لا غنى عنها للقارئ الأنكلو ساكسوني يطل منها على السرد العربي المعاصر. ولعل تلك المختارات الضافية تدفع الناشرين البريطانيين والأميركيين للالتفات إلى ما يصدر في العالم العربي من قصة ورواية ليصبح السرد العربي جزءاً من سوق الترجمة الرائجة في صناعة النشر الأنكلو ساكسونية منذ عقود من الزمن. من قبل أصدرت سلمى الجيوسي عملاً موسوعياً عن الشعر العربي الحديث"الشعر العربي الحديث"1987 ضم ترجمة لعدد كبير من الشعراء العرب في القرن العشرين، كما أصدرت عملاً موسوعياً آخر يتناول"الأدب في الجزيرة العربية"1988 تدرس فيه وتقدم ترجمات لمختارات مما كتب من شعر ونثر في منطقة الخليج العربي. ويقدم هذان الكتابان بانوراما شاملة للشعر العربي في القرن العشرين، ويشكلان مع العمل الموسوعي الثالث الذي قدمته عن الأدب الفلسطيني"منتخبات من الأدب الفلسطيني الحديث"صورة مشرقة عن الثقافة العربية المعاصرة. والكتاب الأخير بما يضم من ترجمات لقصائد وقصص وفصول روائية ومذكرات ويوميات يقدم للغرب صورة الشعب الفلسطيني من خلال ما أنتجه الفلسطينيون من أدب. ولعل المقدمة الضافية التي كتبتها محررة الكتاب وتقع في نحو 80 صفحة تعد من أفضل الدراسات التي كتبت باللغتين العربية والإنكليزية عن تطور الثقافة الفلسطينية وعلاقة هذا التطور بالواقع السياسي للفلسطينيين. فسلمى الجيوسي تبدي في تلك المقدمة ملاحظات نافذة حول الشعر والقصة والرواية والسير الذاتية، مما يجعلها مصدراً أساسياً من 0هذه الأعمال الموسوعية أنطولوجيا للمسرح العربي"المسرح العربي الحديث"أصدرتها الجيوسي عام 1995. هناك كتاب آخر حررته الجيوسي يكتسب أهمية خاصة ضمن هذه الأعمال الموسوعية، وهو كتاب"تراث إسبانيا المسلمة"1992 الذي صدر بمناسبة مرور خمسمئة عام على خروج العرب من الأندلس، وقد شارك فيه اثنان وأربعون باحثاً من أوروبا وأميركا والعالم العربي، وقال عنه ملحق التايمز الأدبي حين صدوره في طبعته الأولى صدر منه حتى الآن ثلاث طبعات انه أفضل كتاب صدر بالإنكليزية عن الأندلس. إن"تراث إسبانيا المسلمة"صدر مترجماً إلى العربية في مجلدين ضخمين عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1995 يقدم دراسات متنوعة لباحثين من مشارب وقوميات مختلفة عن الأثر الضخم الذي تركته الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس على أوروبا وحضارتها، ويمكن قارئ الكتاب أن يحس الحنين الكامن لدى الباحثات والباحثين الإسبان إلى ذلك العالم الفردوسي الغائب، إلى الأجداد الذين رحلوا ولكنهم تركوا بصماتهم في كل مكان من تلك الأرض البعيدة. هذه الأعمال الموسوعية تسد نقصاً كبيراً في مجال الأدب والثقافة العربيين وتعطي القارئ بالإنكليزية صورة باهرة عن الإنجاز الثقافي العربي المعاصر على رغم الظروف القاسية التي يحيا ضمنها المثقف العربي. كما أنها تضرب المثل للمؤسسات الثقافية الرسمية والشعبية من خلال عمل فرد واحد استطاع أن يحقق كل هذا الإنجاز الذي يفترض أن تقوم فيه تلك المؤسسات. إن سلمى الخضرا الجيوسي تستحق الإعجاب والتقدير لما تقدمه من تعريف بالثقافة العربية عبر نافذة اللغة الإنكليزية التي هي لغة العصر بلا أي شك.