بعض الخلفية: جوزف ولسون ديبلوماسي اميركي سابق ارسل الى النيجر للتحقيق في معلومات عن شراء نظام صدام حسين يورانيوم، يسمى"كعك اصفر"، من هناك، وعاد بتقرير يقول ان المعلومات كاذبة. وعندما صدم ولسون باصرار ادارة بوش على استعمال هذه الكذبة في تبرير الحرب على العراق فضح القضية في مقال في"نيويورك تايمز"، وقال ان الادارة استعملت معلومات تعرف انها مزورة للتأكيد ان لدى صدام حسين برنامجاً نووياً، وكانت النتيجة ان سُرِّب اسم زوجته فاليري بلام الى الصحف كعميلة لوكالة الاستخبارات المركزية، ما يعرضها لأخطار على حياتها. وعندما رفضت الصحافية في"نيويورك تايمز"جوديث ميلر كشف المصدر الذي اعطاها اسم بلام سجنت 85 يوماً، حتى عادت واعترفت بأن المصدر لويس ليبي، وهو كبير موظفي نائب الرئيس ديك تشيني وأحد أحقر المحافظين الجدد الذين سعوا لحرب غير مبررة على العراق. المحقق الخاص باتريك فيتزجيرالد يهدد باسقاط رؤوس كبيرة في ادارة بوش، وهو اتهم ليبي، من دون اغلاق ملف كارل روف، المستشار السياسي للرئيس الذي يوصف دائماً بأنه"عقل"جورج بوش، وآخرين. "بالم غيت"اهم من أي"غيت"اخرى في ايامنا، فالفضيحة التي اطلقت الاسم على كل فضيحة لاحقة، وهي ووتر غيت او ذلك المبنى الجميل المطل على نهر بوتوماك، كانت مجرد سطو رجال ريتشارد نيكسون على اوراق مكتب للديموقراطيين لأسباب انتخابية، ثم التستر عليهم، وفضيحة مونيكا لوينسكي كانت عن علاقة رئيس متزوج بمتدربة في البيت الابيض. اما"بلام غيت"فهي في اساس حرب قتلت حتى الآن مئة ألف عراقي وألفي اميركي، ودمرت بلداً كبيراً. جوديث ميلر اسرائيلية الهوى زعمت عن نفسها دائماً غير حقيقتها وهي تعمل في جريدة ليبرالية تعتبر اهم صحف العالم كله. وهي نقلت عن احمد الجلبي وأمثاله من المبعدين والمنشقين العراقيين كذباً كاملاً عن اسلحة الدمار الشامل، فإما ان تكون غبية في شكل هائل، وهي ليست كذلك، او انها نشرت ما يناسب هواها ضد العراق، فكانت شريكة في الموت والدمار التالي. وميلر لم تكذب على القراء فقط وانما تواطأت مع الادارة، فهي كتبت الاسبوع الماضي تقول انها أبلغت المحقق فيتزجيرالد ان ليبي اراد تعديل تفاهمهما السابق لجهة نسب المعلومات الى"مصدر كبير في الادارة"، فهو طلب بالاشارة الى ولسون ان يوصف ليبي بأنه"مسؤول سابق في مبنى الكابيتول". ووافقت ميلر لأنها كانت تعرف ان ليبي سبق ان عمل في الكونغرس، وقالت رداً على إلحاح المحقق انها لم تعد تذكر سبب موقف ليبي الا انها تفترض انه لم يكن يريد ان يبدو البيت الابيض وكأنه وراء الحملة على ولسون. ما تعترف به جوديث ميلر هو انها تسترت عمداً على الادارة، ثم كذبت على بيل كيلر، رئيس تحريرها، فلم تقل له المصدر، بل استمرت في الكذب الاسبوع الماضي فهي زعمت انها"اوصت رئيسها بقوة متابعة الموضوع"، الا ان رئيس التحرير انكر ذلك، وأرسل رسالة بالبريد الالكتروني الى المحررين يقول انها ضللت رؤساءها. وكتب بايرون كالام، محرر شؤون القراء في"نيويورك تايمز"، مهاجماً رئيس التحرير والناشر آرثر سولزبرغر، وطالب بعدم عودة ميلر الى العمل في الجريدة، بعد ان وصفت بأنها مثل"مدفع فلتان"ويجب شد وثاقها. ميلر سقطت، وأرجح انه السقوط الاخير، فهي محتالة خبيثة، وكانت اعادت بناء سمعتها بعد فضيحة الاخبار الخاطئة، او الكاذبة، التي ملأت بها صفحات الجريدة عشية الحرب على العراق. وعندما سجنت بسبب رفضها كشف مصدر معلوماتها عن ولسون وزوجته اصبحت"شهيدة الحرية الصحافية"قبل ان يكتشف تواطؤها مع ليبي في حملته على ولسون، فيثور زملاؤها عليها. الصحافة الاميركية كانت مملوءة بأخبار فضيحة"بلام غيت"في الايام الماضية، الا ان التركيز كان على دور ميلر مع ليبي، وربما روف وآخرين، لتشويه سمعة أي طرف يعارض الحرب. وشخصياً ارى ان دور ميلر في نشر اخبار ملفقة عن اسلحة الدمار الشامل في العراق اهم من مبدأ صحافي معروف هو كتم اسم المصدر، على اهمية هذا المبدأ. حماية المصدر تفترض امرين، الاول ان المصدر هذا يقدم معلومات صحيحة لا تهدف الى تدمير حياة معارض لسياسته، والثاني ان الصحافي شريف لا يتكتم على مصدره باعطائه صفة ليست له لابعاد اصابع الاتهام عنه. وفي عمل جوديث ميلر لم يكن المصدر نزيهاً ولم تكن الصحافية صادقة، والنتيجة ان اهم جريدة في العالم تدفع الآن الثمن، مع انها لم تفق بعد من فضيحة المراسل جيسون بلير وسرقته الاخبار من صحف اخرى. كنت اجمع معلوماتي عن جوديث ميلر عندما وجدت ان"مصدرها"القديم احمد الجلبي يزور الولاياتالمتحدة، وان اركان الادارة عادوا لاحتضانه فهم يعتبرونه افضل من رئيس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري المتحالف مع ايران. وكان الجلبي سقط مرتين، اولاً لعدم وجود اسلحة دمار شامل كما زعم، ثم لتسريبه معلومات اميركية سرية الى ايران عن كسر شفرة الاتصالات العسكرية الايرانية، وهو سقط قبل ذلك كله كعميل اميركي يقبض 340 ألف دولار في الشهر أجر عمالته. الاميركيون على ما يبدو يفضلون العميل الساقط الذي لا يعرف العراق ولا يمثل سوى نفسه، على رئيس وزراء يمثل حزباً مهماً في قلب العمل السياسي العراقي. وهم دفعوا الثمن في السابق وسيدفعون من جديد طالما ان مصدر اخبارهم جوديث ميلر، وان املهم بالخروج من مأساة العراق احمد الجلبي الذي اوقعهم فيها.