أفاقت اسرائيل أمس على وقع قنبلة سياسية من العيار الثقيل هزت أركان الحلبة السياسية على نحو غير مسبوق منذ ثلاثة عقود على الاقل فجرها زعيم نقابة العمال هستدروت، المغربي المولد عمير بيرتس بانتزاعه زعامة حزب"العمل"من ثعلب السياسة الاسرائيلية وعجوزها شمعون بيريز واضعاً بذلك حداً لهيمنة النخبة الاشكنازية والعسكريين المرموقين على هذا الحزب،"باني الدولة العبرية"وجاعلاً الساحة الحزبية مرتبكة يتخبط سدنتها في كيفية تجرع"الكبسولة المرة"، منذراً في الوقت ذاته بتسريع الانتخابات البرلمانية المقررة اواخر العام المقبل. وتبارى المعلقون في الشؤون الحزبية في اطلاق التوصيفات للمفاجأة الكبرى التي سجلها بيرتس وساوى بعضهم بينها وبين"الانقلاب"التاريخي الذي حققه مناحيم بيغن في العام 1977حين اطاح بحزب العمل عن سدة الحكم بعد ان انفرد بها لثلاثة عقود من الزمن وجاء بحزبه"ليكود"بديلاً. واتفق الجميع على ان"هزة ارضية"حقيقية ضربت"العمل"، بعد انتخابات اول من أمس وان فجراً جديداً بزغ في سماء الحزب المنحسرة شعبيته منذ اغتيال زعيمه السابق اسحق رابين. ورأوا ايضاً ان الساحة الحزبية برمتها افاقت على يوم جديد، مختلف"بعد ان نجح المغمور بيرتس في قهر بيريز واستطلاعات الرأي معاً". مضيفين ان النتيجة الابرز قد تكون في تقصير عمر الكنيست البرلمان الحالي والذهاب الى انتخابات مبكرة. ولم تخل التعليقات من التطرق الى النعرة الطائفية التي تجلت بقوة في الانتخابات وفي التعقيب على نتائجها والى حقيقة رفض عدد من اقطاب"العمل"من الاشكناز، وفي مقدمهم رئيس الحكومة السابق ايهود باراك، القبول بزعامة بيرتس ليعود الحديث عن احتمال التحاق هؤلاء المتمردين على زعامة الشرقي بحزب جديد قد يشكله رئيس الحكومة زعيم ليكود ارييل شارون، الذي يبحث هو الاخر عن"حل"لمواجهة المتمردين على سياسته داخل ليكود. وحملت ردود الفعل، في اوساط واسعة في"العمل"وخارجه تلميحات قوية الى ان الحزب قد يشهد انشقاقاً في حال اقدم زعيمه الجديد على تنفيذ سياسته. وقال المعلق في اذاعة الجيش ان حزب العمل بقيادة بيرتس يشق طريقاً جديداً مغايراً تماماً:"بيرتس هو من طينة اخرى. ليس بالتأكيد من تلك الطينة التي جبل بها اسلافه"، مشيراً تحديداً الى ان الرجل ليس من الجنرالات او العسكريين الذين تركوا بصمات في الجيش الاسرائيلي"ما يعني ان لا خلفية امنية لديه". الى ذلك، بدا بعض السياسيين والمعلقين المخضرمين كمن تقطعت نياط قلوبهم حيال الهزيمة التي لحقت ببيريز وتناولوا"معاركه الانتخابية التراجيدية"متسائلين من جديد عن سر التناقض بين الفوز الذي يحققه بيريز، على الدوام، في استطلاعات الرأي وخسارته في المعارك الحقيقية ما منحه"عن جدارة" لقب"الخاسر المزمن". وقد ذكّرت الهزيمة الجديدة بخسارة بيريز المنافسة على منصب رئيس الدولة قبل خمسة أعوام امام شخصية مغمورة اخرى، موشيه كتساف. ولم تشفع لبيريز ادعاءاته عن تزوير في بعض صناديق الاقتراع فرفضتها"لجنة الانتخابات"لتعلن رسمياً فوز بيرتس ب 42.3 في المئة من الاصوات مقابل 40 في المئة لبيريز، واعتكف بيريز في بيته لساعات ولم يكلف نفسه عناء مهاتفة خصمه لتهنئته لكنه توقع ان يتم تبكير الانتخابات الى مطلع العام المقبل ملمحاً الى انه لن يشارك فيها على ان يواصل العمل"من اجل بناء السلام والاقتصاد". من جهته دعا بيرتس عجوز الحزب للوقوف الى جانبه للافادة من تجربته الغنية ولرص صفوف"العمل"معرباً عن ثقته برأب الصدع في الحزب وقيادته الى النصر في الانتخابات العامة،"هذا الفجر بزغت امال جديدة". واقسم بيرتس، على ضريح رابين، بمواصلة السير في نهجه وبالعمل على تحقيق السلام والعدالة الاجتماعية"والاهم اخراج الحزب من الحكومة"وانه سيلتقي وزراء حزبه في حكومة شارون لاطلاعهم على قراره الانسحاب من الحكومة. واضاف:"نريد ان ننفصل عن الحكومة، وهذا ليس لمجرد المجازفة انما من خلال مسؤوليتنا تجاه مستقبل الدولة ومن خلال رغبتنا بأن يكون"العمل"البديل الذي يحظى بثقة الناخب الاسرائيلي". واتفق بيرتس، مع شارون الذي اتصل به مهنئاً على الالتقاء، الاحد"في محاولة للاتفاق حول موعد مبكر للانتخابات البرلمانية". ولم يخفِ"ليكود"قلقه من فوز الشرقي بيرتس متحسباً من ان يستقطب اليه اصوات الشرقيين الذين يعتبرون معقلاً لليكود وحركة"شاس"الشرقية المتدينة. وانفلت رئيس الائتلاف الحكومي جدعون ساعر في الهجوم على بيرتس ووصفه ب"عديم المسؤولية، سياسياً واقتصادياً"وأنه تنقصه الخبرة في ادارة شؤون الدولة ومشاكلها المعقدة:"إنه غير متزن. متطرف سياسياً واقتصادياً. عديم التجربة وبلا ماضٍ أمني. مواقفه السياسية يسارية متطرفة وهو مؤيد لتقسيم القدس". من جانبه رأى رئيس كتلة"التجمع الوطني الديموقراطي"في الكنيست النائب جمال زحالقة ان فوز بيرتس سيفتح الباب امام الطامعين في زعامة الحزب الذين يرون في انفسهم مرشحين اكثر جدارة وأحقية من بيرتس، متوقعاً ان يغادر قسم من الاشكناز من الطبقة المتوسطة حزب العمل الى حركة"شينوي"الاشكنازية العلمانية. وقال إن علامات سؤال تحوم حول المواقف السياسية لبيرتس الذي يعتبر حمائمياً"لكنه قليل الكلام في الموضوع السياسي واتجاهه غير مبلور وغير واضح"، مضيفًا انه في حال لم يطرح الزعيم الجديد لحزب العمل توجهاً مغايراً لمواقف بيريز وباراك فإنه لن يستطيع خوض منافسة ذات معنى ضد ليكود. واضاف ان بيرتس لم يطرح بديلاً سياسياً للمواقف التقليدية لحزب العمل"ما يقزم مواقفه المستترة في بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية".