خلال زيارة أحد الموفدين السوريين الى احدى الدول العربية قبل مدة قصيرة، عرض الموفد للمسؤولين فيها ما تتعرّض له دمشق من ضغوط دولية، والاستعدادات التي أبدتها من أجل التعاون مع التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري واتجاهها نحو التعاون مع رئيس اللجنة القاضي الألماني ديتليف ميليس. واعتبر المسؤولون في هذه الدولة ان هذا الموقف السوري ايجابي في إجاباتهم على ما سمعوه. وغادر الموفد السوري راضياً، لكنه فضّل ان يسمع من أحد المسؤولين في تلك الدولة رأيه في ما يجب ان تقدم عليه دمشق في المرحلة المقبلة، لكن المسؤول العربي قدّم جواباً عاماً قال فيه:"أنتم أكثر معرفة منا بوضعكم، وبما يطلبه المجتمع الدولي منكم بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1636 الذي يلزم سورية بالتعاون مع التحقيق الدولي". لكن المسؤول العربي قال للموفد السوري بعد ان كرر طلب رأيه في المرحلة المقبلة:"أعتقد بأنه يفترض بسورية ألا تقوم بأخطاء كالتي قام بها الرئيس العراقي السابق صدام حسين بل يجب القيام بعكس ما قام به تماماً". واعتبر المسؤول العربي ان هذه العبارة يمكن ان تلخص الوضع الحالي في المنطقة، وبالنسبة الى سورية. الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قال شيئاً شبيهاً أول من أمس حين صرّح عقب محادثاته مع كبار المسؤولين السعوديين رداً على سؤال عن التطمينات بأن واشنطن لن تقوم بعمل عسكري ضد سورية بالقول ان ذلك"يتطلب تغيير تصرفات حكومات معينة". وسبق لأنان ان قال في القاهرة انه لا يرى أحداً في مجلس الأمن يسعى الى استخدام الوسائل العسكرية ضد سورية وتكرار تجربة العراق لأنه يكفي المنطقة ما تعانيه. لا يبدو السيناريو العراقي ضد سورية مرجحاً وفق هذه التصريحات ووفق المعطيات عن ان الدول العربية المعنية بذلت جهداً كبيراً مع الولاياتالمتحدة والدول الفاعلة في مجلس الأمن الدولي من أجل تفادي القيام بمغامرة من هذا النوع في المنطقة، التي يكفيها ما هي فيه نتيجة المغامرة العراقية. وتبدو الممانعة العربية أمام سيناريو عراقي بالنسبة الى سورية أكبر بكثير، لا سيما عند مصر والمملكة العربية السعودية، من ذلك الاعتراض الذي حصل على الحرب التي شنتها أميركا على العراق لاحتلاله وإسقاط النظام السابق في بغداد. لكن اختلاف الظروف بين الحالة العراقية والحالة السورية، للكثير من الأسباب لا يمنع القول ان المجتمع الدولي الذي يتجنب الوقوع مرة أخرى في الفخ العراقي، أخذ يضع سورية تحت الرقابة الدائمة بعد صدور القرار الدولي الرقم 1636 الذي تحوّل الى وسيلة للتعاطي مع دمشق، خطوة خطوة، فيدرس رد فعلها على كل خطوة ويقرر بناء عليه الخطوة التالية. ان القول باختلاف الوضع والظروف اليوم، في الموقف من سورية عما كان عليه الموقف من العراق قبل الحرب عليها قد يكون ايجابياً في نظر البعض لأنه يجنّب سورية والمنطقة المزيد من الفوضى، لكنه في المقابل يعني ان لدى القوى الدولية الضاغطة على سورية ما يغنيها عن استخدام الاسلوب العراقي. فالاجماع الدولي الذي افتقدته خطواتها العسكرية ضد العراق قد يكون بديلاً من الحرب على سورية. وهو اجماع ندر حصوله، خصوصاً ان الصين وروسيا والجزائر التي نجحت في ادخال تعديلات على القرار 1636 للتخفيف من احتمال العقوبات ضد سورية، باتت ملتزمة نص القرار مثلها مثل الدول التي صاغت مسودته الأساسية. واذا كانت واشنطن ومعها حلفاؤها تشعر بأن الاجماع الدولي يغنيها عن السيناريو العراقي، فإن لدى دمشق في المقابل ما يجنّبها خوض المعركة على أرضها في مواجهة الضغوط، فلا حصار اقتصادياً ولا منطقة حظر جوي وقصف دوري لأراضيها كما كان يحصل مع العراق قبل الحرب، بل ان في امكانها خوض المعركة خارج أراضيها، عبر تسخين المواجهة في لبنان، بالاعتماد على حلفائها فيه، وهذا ما هدد بنيته القيام به، الرئيس بشار الأسد في خطابه أمس، حتى لو أدى ذلك الى تعريض حليف رئيسي له على المدى الاستراتيجي، هو"حزب الله"في شكل يدفع المجتمع الدولي الى العودة الى تسليط الاضواء على القرار 1559 نزع سلاح حزب الله والسلاح الفلسطيني بعدما تركزت الاضواء على القرار 1595 التحقيق الدولي عبر صدور القرار 1636، مما حجب الحديث عن القرار الأول. ان المواجهة في لبنان تتطلب إشراك"حزب الله"فيها. وكبار المسؤولين فيه يمهدون منذ اسابيع لاحتمال كهذا، لكن السؤال هو: هل ان اعادة هذه المواجهة القرار 1559 الى الواجهة سيحجب الأنظار عن القرار 1636 كما حجب الاخير الانظار عن الأول؟