يصل الى لبنان اليوم الموفد الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الى الشرق الاوسط تيري رود لارسن، في زيارة مزدوجة الأهداف، اذ انها تأتي لوداع المسؤولين اللبنانيين لمناسبة مغادرته منصبه هذا الى ادارة معهد السلام في واشنطن، من جهة ولاستكشاف الاوضاع في لبنان في اطار مهمة سيكلف بها من أنان، هي رئاسة فريق الأممالمتحدة الذي سيكلف وضع تقرير الامانة العامة حول تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي يدعو الى انسحاب القوات الاجنبية من لبنان وحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ووقف التدخلات في الشؤون اللبنانية الداخلية، من جهة ثانية. وكان السجال السياسي الذي شهدته البلاد قبل ايام سلط الاضواء مجدداً على هذا القرار الدولي بعد ان كان اللبنانيون التهوا عنه بتأليف الحكومة ثم المناقشات التي تناولت بيانها الوزاري. ويزور لارسن بيروت في وقت تشهد العلاقات بين لبنان وبعض الدول الغربية المعنية بتنفيذ القرار الدولي بعض التوتر الضمني، نتيجة الانتقادات التي تعرض لها السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان الاسبوع الماضي بعد كلامه عن الوجود السوري و"حزب الله"، وحديثه عن وجوب التوصل الى قانون انتخاب عادل يتيح للبنانيين اختيار ممثليهم في البرلمان... ما أدى بالحكومة الى مطالبة السفراء باتباع العرف الديبلوماسي عبر استئذان الخارجية قبل اي تصريح. ومع ان رد الفعل اللبناني انحصر بتصريحات فيلتمان، فإن الضجة التي اثارها السجال حول القرار الرقم 1559 كانت متعددة المصادر. فإضافة الى قول رئيس الحكومة عمر كرامي ان الانقسام السياسي في البلاد هو بين معارضي القرار المذكور ومؤيديه وأن الانتخابات النيابية ستقود الى فرز على هذا الأساس، الذي تسبب برفض من رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط لهذا التصنيف للصراع السياسي في البلاد، فإن سفراء دول اوروبية عدة ادلوا بدلوهم خلال الايام الماضية. ففي اليوم التالي لتصريحات فيلتمان أعلن السفير فيليب لوكورتييه بعد لقائه كرامي انه اثار معه القرار الدولي بقوة، كذلك التزامات لبنان حيال باريس -2. كما ان السفير الألماني غونتر كنيس زار وزير الخارجية محمود حمود وقال بعد اللقاء: "تحدثنا عن اهمية سلوك لبنان مساراً بنّاء لتطبيق القرار الرقم 1559...". اما السفير البريطاني جيمس وات فقد كان لافتاً قوله خلال مؤتمر البرلمانيين العرب لتأسيس منظمة "برلمانيون ضد الفساد" في بيروت ان "ما من بلد عادي تكون فيه ميليشيات ممولة من بلد آخر"... ورأى "ان الوضع اللبناني خطير وضار جداً للبنان المفتقر بشدة الى الديموقراطية". وقال وات: "ان تأثير الوضع الحالي للبنان في الأمن والسلام العالميين ادى الى القرار الرقم 1559 وهو ليس مسودة التغيير الكبير والنهائي في لبنان بل هو عنصر من بين عناصر اخرى...". وترد مصادر مراقبة الاصرار الاميركي - الاوروبي على التذكير بالقرار الدولي الى "الحرص على تبديد الانطباع سيبقى على الرف لمدة ستة أشهر". ورأى محللون للموقف الاميركي - الأوروبي ان تصريحات السفراء توحي بأن عواصم القرار لن تنتظر نهاية مهلة الستة اشهر من اجل ممارسة ضغوط على لبنان وسورية لوضع صيغة لتنفيذ القرار. وهو ما سماه فيلتمان "آلية" لتطبيقه وما اعتبره السفير كنيس "مساراً ايجابياً" مطلوباً من الدولة اللبنانية، وما قال وات عن القرار بأنه "أحد عناصر" تسوية جديدة للوضع في لبنان؟. فعواصم هذه الدول وغيرها تدرك كما سبق ان صرح مسؤولون كبار ان تطبيق القرار لن يتم بين ليلة وضحاها واشنطنوباريس وان سورية لن تنسحب فوراً "وقد يكون مطلوباً ألا تنسحب في شكل سريع لأن هذا مضر" الموقف البريطاني الضمني بحسب ما علمت "الحياة". الا ان الديبلوماسيين الغربيين يشيرون الى انهم لم يتوصلوا الى تحديد ماهية هذه الآلية حتى الآن وأي عنصر في القرار يتمتع بالأولوية على غيره الانسحاب السوري - حل الميليشيات وانتشار السلطة في الجنوب - وقف التدخلات وتعزيز السيادة. وحين يسأل بعضهم عما اذا كانت عواصمهم تملك اقتراحات محددة، لأن تنفيذ القرار يحتاج الى تسوية ما، كأي قرار دولي، يرد بعضهم بالقول: "اننا نود ان نسمع من اللبنانيين اقتراحاتهم...". وفي انتظار هذه الصيغة يبدو ان الدول الكبرى مستمرة في مراقبة سلوك الحكم اللبناني وسورية في شأن مسألتين، هما الوضع الأمني الداخلي بعد محاولة اغتيال مروان حمادة وعلى الحدود من جهة، والتحضيرات لانتاج قانون الانتخاب الجديد والطريقة التي ستجرى فيها الانتخابات في ظل التقارير الاعلامية عن نية وضع قانون هدفه الاساس تحجيم المعارضة من جهة ثانية. وهي مراقبة لا تقتصر اهدافها على التعليق على محطاتها مثلما فعل الاميركيون عند تأليف الحكومة بالقول انها صنعت في دمشق، بل السعي الى تضمين تقرير أنان في نيسان أبريل المقبل في لبنان. هل في امكان اللبنانيين "التقدم باقتراحات" في شأن الآلية وأولوياتها؟ بقدر علاقة كل فريق بسورية تتعدد وجهات النظر في هذا الصدد وتتوزع على اربعة اتجاهات، فضلاً عن أن الامر لا يتعلق باللبنانيين وحدهم بل بدمشق في الدرجة الاولى. والاتجاهات الاربعة هي: 1- موقف الحكم والحكومة الذي عبر عنه الرئيس اميل لحود قبل يومين والذي ربط الانسحاب السوري بالسلام في المنطقة ورأى ان "حزب الله" مقاومة وليس ارهاباً. ويسعى الموالون لسورية والذين ايدوا التمديد للحود، بتشجيع من القيادة السورية الى استخدام الوسائل الامنية مواربة بدل المواجهة المباشرة ضد المعارضة، لئلا يتهم الحكم باستخدام القمع ضد المعارضين في التقرير الذي سيعده أنان. ويقول وزير حليف للحود ودمشق معاً ان "تظاهرة المعارضة يوم الجمعة الماضي كان هدفها استدراج السلطة لقمعها، لكننا أحسنا قراءة الموقف ولم ننجر الى ذلك". 2- موقف العماد ميشال عون بتنفيذ القرار الدولي بحذافيره، أي بالانسحاب الكامل وحل الميليشيات ووقف التدخلات. 3- اصرار "لقاء قرنة شهوان" على الانسحاب السوري ووقف التدخلات وتمييزه موقفه عن موقف عون باعتبار "حزب الله" جزءاً من النسيج السياسي اللبناني وتأكيد بعض اركانه نسيب لحود وغيره ان الاحتفاظ بسلاح المقاومة ضروري في انتظار السلام... 4- اصرار رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط على اعطاء الاولوية لوقف التدخلات في الشأن الداخلي، مع اقتصار الانسحاب السوري على ما تبقى من قوات في الجبل والابقاء عليها في البقاع و"نقاط اخرى" استناداً الى ما ينص عليه اتفاق الطائف، وعدم المس بوضعية "حزب الله" في انتظار حل لقضية مزارع شبعا، وضع المنطقة. ويتقاطع جنبلاط مع "قرنة شهوان" والبطريرك نصرالله صفير في الدعوة الى الاستناد الى اتفاق الطائف، على رغم ان بعض فرقاء القرنة يدعون الى الافادة من القرار الدولي، اضافة الى تأييدهم الطائف.