في خطوة تعكس تعثر الجهود التي بذلت للعثور على"مخارج مقبولة"اختار الرئيس بشار الأسد أسلوب"المقاومة والصمود"في مواجهة الضغوط الدولية والإعلامية التي تتعرض لها سورية، خصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وشن الأسد في خطاب ألقاه في جامعة دمشق حملة غير مسبوقة على الوضع الذي قام في لبنان في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة معتبراً أن هذا البلد أصبح اليوم"ممراً ومصنعاً وممولاً لكل مؤامرة على سورية". وهاجم بشدة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ورئيس"كتلة المستقبل"النائب سعد الحريري واصفاً الأول بأنه"عبد مأمور لعبد مأمور". كما هاجم تيار الحريري مشيراً الى ان"معظم هؤلاء تجار دم خلقوا من دم الحريري بورصة وهذه البورصة تحقق مالاً ومناصب". راجع ص 2 و3 ورأى مراقبون أن خطاب الأسد يفتح الباب على مواجهتين الأولى بين سورية ومجلس الأمن الدولي والثانية بين معارضي سورية ومؤيديها في لبنان. وتوقفوا عند تشبيهه الوضع القائم في لبنان باتفاق 17 أيار مايو الذي ساهمت سورية في اسقاطه عبر دعم عسكري قدمته لحلفائها. وفي ما يشبه الرد على طلب رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري القاضي ديتليف ميليس استجواب ستة من المسؤولين الأمنيين في لبنان، حذر الاسد من مساع لإحداث"شرخ في الدولة وبين الدولة والمجتمع". واوضحت مصادر سورية رفيعة المستوى ل"الحياة"ان خطاب الاسد استهدف"تأكيد عدم وجود أي شرخ في النظام او بين النظام والشعب". وكشفت هذه المصادر ان دمشق"تنتظر رد ميليس على اقتراح سورية استجواب المسؤولين الستة تحت مظلة جامعة الدول العربية في القاهرة"، قبل ان تشير الى وجود"مساعي اللحظة الاخيرة"من قبل أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى والرئيس حسني مبارك لتلبية الاقتراح السوري. وعلمت"الحياة"امس ان القاضي ميليس اعطى سورية مهلة اسبوع لتلبية طلبه استجواب المسؤولين الستة في"مونتي فيردي"، لدى ارساله الطلب في الثالث من الشهر الجاري، ما يعني ان المهلة انتهت امس. ويبدو ان حجم الضغوط التي تعرضت لها دمشق في الايام الاخيرة وتجاهل اقتراحها، حسما الخيار السوري باتجاه سياسة التشدد، بدلاً من اتخاذ"سياسة معتدلة"في الامور الداخلية والاقليمية، قام نائب وزير الخارجية وليد المعلم بتسويقها عربياً ودولياً في الايام الاخيرة. واتضح التوجه السوري من خلال خطاب الاسد الشامل. وكان لافتاً ان الاسد كان محاطاً بأعلام سورية مع غياب لأعلام حزب"البعث"الحاكم وغياب أي كلمة عن الحزب في الخطاب الذي استمر اكثر من ساعة. ورفع اهالي مئات البيوت اعلاماً سورية على شرفات منازلهم. كما تجمع آلاف الطلاب امام مدرج الجامعة وسط دمشق، بالتزامن مع تجمعات اخرى لأناس شاهدوا الخطاب على شاشات كبيرة نصبت في ساحات العاصمة وعدد من المدن السورية. وورفعت لافتات كتبت عليها انتقادات شديدة للقاضي ميليس مع هتافات بينها"سورية لن تركع"و"الله، سورية، بشار وبس". واذ اشار الاسد الى ان نتيجة التحقيق في اغتيال الحريري باتت معروفة سلفاً وهي"اننا لم تتعاون"، ربط التعاون مع فريق التحقيق الدولي بالاتفاق على اسس قانونية وقضائية تتضمن حقوق الشهود والمشتبه بهم. وحرص الرئيس السوري على وضع القرار 1636 واغتيال الرئيس الحريري في سياق عام يتعلق بالشرق الاوسط بدأ منذ احتلال العراق في ربيع العام 2003. ولم يذكر الاسد اسم اميركا او أي دولة اوروبية في الخطاب، بحيث كان يخاطب هذه الدول بلغة الغائب: هم او هؤلاء. واذ قال الاسد ان"القرار 1636 لم يبن على التقرير ميليس الى مجلس الامن، والتقرير لم يبن على التحقيق، والتحقيق لم يبن على اغتيال الحريري"في اشارة الى وجود مخطط كبير يستهدف سورية، اكد ان تقرير ميليس الاخير"اكد براءة سورية المطلقة"منذ جريمة اغتيال الحريري. وقال ان"القضية ليست جنائية بل سياسية"وان القرارات الدولية جزء من"هذه الديناميكية السياسية". وشدد على ان بلاده"مستهدفة"وعلى ان"العدو يريد ان يحرمك من شرف الدفاع عن نفسك وامكانية إلحاق الهزيمة به"، لافتاً الى ان المرحلة في حاجة الى"الحكمة والعقل"مع ضرورة الا تتحول"المرونة الى انكسار". وفي ما يشبه الرد على طلب ميليس استجواب مسؤولين ستة في لبنان، قال الاسد:"نحن مستعدون للتعاون في اطار يؤدي الى كشف ملابسات الجريمة ... لكن لن نسمح بأي اجراء يمس أمن سورية". وزاد:"نحن ملتزمون بالشرعية الدولية، لكن ليس على حساب التزاماتنا الوطنية"، قبل ان يحذر من مساع لإحداث"شرخ في الدولة وبين الدولة والشعب". وبعدما قال ان المنطقة باتت امام خيارين:"اما المقاومة والصمود او الفوضى"، اشار الى ان بلاده اعتمدت الخيار الاول لأن"ثمن المقاومة والصمود اقل من ثمن الفوضى"ولأن السوريين"اهل المنطقة. نعيش هنا او نموت هنا".