يجد الأردن نفسه اليوم في عين عاصفة الارهاب الآتي من العراق، وبمواجهة ضرورات اعادة تفعيل علاقاته السياسية ورسم خططه الأمنية مع بغداد، على أسس جديدة، واضحة: مع نظام جديد تغيرت تركيبته وهويته وهواه، لحماية مصالحه. وثمة أخطار تلوح على جبهة الأردنالشرقية، ليس أقلها مواجهة الإرهاب المتزايد بعد سقوط نظام صدام حسين البعثي قبل عامين ونيف، وتنامي قوة الدفع نحو تكريس الطائفية عشية الاستفتاء على الدستور في العراق. وبعد شهور من الغياب والتغييب، زار رئيس الوزراء د. عدنان بدران بغداد الشهر الماضي، وهي الزيارة الأولى لمسؤول عربي على هذا المستوى منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2002، لكسر العزلة التي تعيشها حكومة الجعفري. على رغم عدم حماسة المجتمع الاردني لهكذا حراك، فالمنطق الجديد يقر بأن وجود العرب هناك، على رغم الاحتلال الاميركي، افضل من الغياب، الذي من شأنه ان يزيد من قوة الدعوات الانعزال عن المنطقة، باتجاه حضن ايران وحتى اسرائيل. خلال الاجتماع الاخير للجنة الوزراية العربية حول العراق، دفع الأردن مع السعودية ومصر باتجاه إنهاء حال الغياب والتغييب للمبادرات العربية بخصوص العراق، والآن يتم التحضير لعقد مؤتمر مصالحة وطنية تحت رعاية الدول العربية، لتحقيق إجماع وطني عريض في شأن الدستور وضمان مشاركة الفئات كافة في العملية السياسية. وهذا الاسبوع، وقعت مذكرة تفاهم أمني جديدة في عمان بين الأردنوالعراق، تم بموجبها ادخال بنود تتعلق بمكافحة الارهاب، والجريمة المنظمة، سواء تهريب المخدرات أو غسل الاموال، اضافة الى توطيد التعاون الامني على جانبي الحدود، لمكافحة التسلل، وعمليات تهريب السلاح. وتشير معلومات رسمية الى أن عدد الأردنيين الموجودين في العراق، أو الهاربين إليه، من متورطين أو مشتبه بتورطهم في قضايا إرهاب يبلغ نحو 100، اضافة الى 400 مطلوب في قضايا جرمية. وهناك اكثر من 200 ألف عراقي لجأوا الى الاردن خلال الأشهر الماضية، غالبيتهم هرباً من غياب الامن، واقاموا في المدن الاردنية مع عائلاتهم، ولبعضهم سجلات مشبوهة. ويجرى التحضير حالياً لاجتماع اللجنة العليا الأردنية -العراقية في عمان، برئاسة رئيسي وزراء البلدين، للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات، وبناء رصيد مؤثر قد يستعمله الاردن لاحقاً، بغض النظر عمّن يحكم العراق. مصادر اردنية تؤكد ان هناك ضرورات لتوطيد العلاقة، منها حجم التبادل التجاري ومستقبل العلاقات النفطية، فالعراق كان اكبر شريك تجاري للاردن، ومزود نفط رخيص حتى نيسان ابريل 2003. وقد يتذكر العراق بعضاً من رصيد الاردن الاخير هناك. فالأردن كان أول دولة عربية اعترفت بالحكومة الجديدة، وبادرت لتدريب الشرطة والجيش العراقيين لتساعد على إعادة بناء قدرة المؤسسات العسكرية والأمنية، وتسريع إنهاء الاحتلال، وارسلت مستشفى ميدانياً ساعد الآلاف، وأبقت سفيرها في بغداد شهوراً بعد نسف مقر السفارة هناك، وهي بصدد ارسال سفير جديد الى بغداد. اردنياً، تبقى ضرورة بعث حياة جديدة في شريان التعاون السياسي/ الأمني الثنائي، هدفاً ربما فاق في أهميته ضرورات تطوير العلاقة الاقتصادية. وتوقعات رجال الامن والسياسة الاردنيين والعرب تشير الى ان تنظيم"القاعدة في بلاد الرافدين"، بزعامة الأردني الهارب أبو مصعب الزرقاوي، الذي بات يضم حوالى 20 ألف مقاتل وانتحاري عربي وعراقي، اصبح جاهزاً للتحرك الى دول الجوار. فالعراق تحول إلى مزرعة لتفريخ الارهابيين، في غياب أدنى درجات التنسيق الامني بين دول الجوار. وفي ظل هذه المعادلة، نجحت تنظيمات إرهابية في اختراق مناطق غرب العراق، المحاذية للأردن، وسورية، والسعودية، كما كسبت دعم وولاء بعض العشائر، خاصة السنية منها، الغاضبة من التغيير، في مقابل ايواء المتسللين العرب. وعلى رغم تكرار النفي السوري والإيراني، فإن البلدين اصبحا محطات رئيسية لعبور"جهاديين"وپ"ناشطي"ارهاب، للانضمام إلى تنظيم الزرقاوي. وبحسب مصادر سياسية، وأمنية اردنية وغربية، قد يتسلل بصورة شبه يومية ما بين 100 و300، عبر الحدود السورية غير الرسمية، وعبر ايران. الرقابة شديدة على الحدود الاردنية، والسعودية اغلقت نقاط العبور مع العراق. ويقود أبو مصعب الآن جيشاً من"الانتحاريين"و"المقاتلين"من دول المغرب العربي والخليج، واليمن، ومن ودول المشرق جند الشام، كثيرون منهم تدربوا في أفغانستان، في معسكرات هيرات التي أسسها الزرقاوي بدعم من أسامة بن لادن. ومنهم 300 أردني يعملون معه في العراق. الا ان اكثر ما يقلق الاردن هذه الايام ان هناك جهات داخل العراق وخارجه تريد استثمار وجود تنظيم القاعدة، لتحقيق مآرب سياسية، منها إثارة الفتنة الطائفية بين العراقيين، ومحاولة اقصاء السنة عن المشاركة في العملية السياسية، بحسب مسؤولين. وربما كانت العملية الفاشلة، قبل أسابيع، في مدينة العقبة المحصنة، قد ساهمت في دق جرس الانذار الاخير، مع وجود مئات من"الجهاديين"المنتشرين في انحاء المملكة كافة."فالقاعدة أثبتت مع الأيام أنها تستطيع ان تتحرك متى شاءت، وبكل الاتجاهات، وثورة الاتصال والانترنت قلصت المسافات وأوجدت تحديات جديدة"، بحسب مسؤول أمني اردني. وترغب"القاعدة"، كما يؤكد امنيون اردنيون، بنقل جزء من نشاطها إلى خارج العراق، بهدف تشتيت الجهد الاستخباراتي والعسكري الهادف لاستئصالها. والأردن يشكل أحد أهم المناطق التي تطمح القاعدة للعمل فيها، وان كان بصورة انتقائية. العمليتان اللتان تمكنت"القاعدة"عبرهما من اختراق خطوط الدفاع الاردنية نفذتا على أيدي غير أردنيين. وهو ما يفسر عدم المقدرة على إحباطها قبل وقوعها بحسب مصادر الأمن الاردني. فمقتل الديبلوماسي الأميركي لورنس فولي في تشرين الأول أكتوبر 2002، تم على يد ليبي، بينما نفذ عملية إطلاق صواريخ كاتيوشا في العقبة باتجاه سفينتين حربيتين أميركيتين، وإيلات الإسرائيلية، عراقي وثلاثة سوريين. أما أحد أهم محاولات"القاعدة"التي أحبطت حتى الآن فكانت في نيسان 2004، عندما حاولت خلية استعمال مواد كيماوية لنسف مقر دائرة الاستخبارات، وكان من الممكن أن يودي الانفجار بحياة 80 الف مواطن بحسب التقديرات الاردنية. ونهاية العام الماضي، احبطت محاولة تفجير على حدود الكرامة مع العراق على يد مواطن سعودي، مع انه نفى ذلك امام المحكمة هذا الاسبوع، وأصر على ان اقواله اخذت بالإكراه. المملكة هدف لجماعات"القاعدة"، وثمة عداء تاريخي بين"القاعدة"وجهاز الاستخبارات العامة الاردني الذي استطاع اختراقها في افغانستان، وبعد ذلك، اصبح مصدر معلومات حيوياً ساعد الكثير من بلدان العالم على تفكيك خلايا ارهابية، او احباط عمليات. والاردن يبقى عدواً"شرعياً"لپ"القاعدة"بسبب سياساتة الخارجية المتناغمة مع واشنطن، ولديه اتفاق سلام مع إسرائيل. وهناك اهداف اجنبية لتنظيم القاعدة الأم في الاردن، مثل سفارات أميركا واسرائيل واستراليا واندونيسيا. ولا يكاد يمر يوم في الأردن، من دون إحباط محاولة إرهابية، أو بدء مراقبة خلية أخرى، بهدف اختراقها، واحباطها لاحقاً، بعضها يكشف عنه والآخر يتم التكتم عليه، لأسباب كثيرة، بحسب ما تؤكد مصادر أمنية. والوقائع والارقام تدل على أن محاولات القيام بعمليات إرهابية في ازدياد. فمنذ عملية العقبة وحتى اليوم، تم تحويل نحو 130 مشتبهاً به في قضايا إرهاب مزعوم، إلى المحاكم. وهناك اكثر من 300 عربي أو أردني من الجماعات المختلفة، داخل السجون، وهم إما محكومون أو تجرى محاكمتهم. وتنظيم القاعدة، بفروعه وافخاده ومسمياته كافة، بات متغلغلاً في محيطنا، وموجود في مجتمعات المنطقة المتداخلة. وهو يفيض إلى الدول المجاورة وتتقاطع مهماته. ويقول مسؤول حكومي اردني ان"هذه التداخلات المحلية والإقليمية والعالمية، تحتاج الى ان يبادر الاردن الى رسم علاقة جديدة مع العراق الجديد، الذي يعاني ضعف الحماسة العربية على الخوض في شؤونه".