تتحول بعض البرامج السياسية حلقات"ثرثرة"يتبادلها مقدمو هذه البرامج والضيوف الذين غالباً ما تتكرر اطلالتهم التلفزيونية في أكثر من محطة. وهؤلاء الضيوف الذين بات يملّهم المشاهدون هم إما من أهل السياسة أو من الصحافيين على اختلاف مواقعهم، رؤساء تحرير أو اصحاب"افتتاحيات"أو محررين عاديين. وجوه هي نفسها وقضايا هي نفسها ايضاً واسئلة واجوبة تتردد ولا جديد ما خلا ما تفرضه الاحداث و"المعتركات"السياسية. ما يثير في الأمر ان الشاشات المحلية والفضائية تحتاج الى أن تملأ فراغها ببرامج محلية لا تتطلب جهداً ولا مالاً ولا انتاجاً، فتفتح ابوابها امام الضيوف فيتحدثون حقاً وباطلاً. وعندما تفتقد هذه البرامج الى شخصيات مهمة قادرة على جذب الجمهور فلا يضيرها ان تستقبل أي"ضيوف"واي صحافيين ولو كانوا شبه مجهولين أوعاديين وبعضهم لا علاقة لهم بالتحليل السياسي. والشاشات هذه تجد نفسها مضطرة فعلاً الى استضافة هؤلاء لتملأ الفراغ وإلا توقفت البرامج السياسية الحوارية. الشاشات اذاً كثيرة، لكنّ الضيوف قلّة ولذلك تراهم يتوزعون بين الشاشات، بأطلالاتهم نفسها وكلامهم وثرثراتهم التي يذكيها المذيعون أو مقدمو البرامج. في احيان تدور الحوارات من دون قضية ولا محور ولا حدث. المهم ان تملأ الشاشات ساعات الفراغ وان يقدم المذيعون برامجهم أياً كان مستواها وضيوفها. يظن الكثيرون من مقدمي البرامج انهم يقدمون نسخة"حديثة"من برامج"التوك شو"وقد فاتهم ان هذه البرامج يجب عليها ألا تقع في التكرار والرتابة والثرثرة، وعليها ايضاً ان تثير ما يهم المشاهد من شؤون سياسية واجتماعية وثقافية. أما مقدمو البرامج على الشاشات العربية فنادراً ما يفكرون ب"المشاهد"ومزاجه وثقافته ولا يسعون حقاً الى ادراك ماذا يريد هذا"المشاهد"وماذا يكره او يرفض. وفي ظنهم انهم اذا حاوروا ضيوفهم فانما هكذا يحاورون الجمهور. هذا خطأ ترتكبه شاشات كثيرة لا سيما تلك التي لا تملك قدرات مادية تساعدها على اختيار الافضل. ثرثرة وثرثرة واقوال تعاد وأفكار تتكرر وصحافيون لا يغادرون الشاشات وكأنهم على تواطؤ مع المذيعين انفسهم، هذا التواطؤ الذي تحدث عنه كثيراً عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو والقائم بين الصحافة المرئية والصحافة المكتوبة. ويجب ألا ننسى السياسيين الذين يستغلون اطلالاتهم التلفزيونية لغايات معروفة جداً.