فجأة ومن دون سابق إنذار، طفا على السطح موضوع السلاح الفلسطيني في لبنان، فضجت به الحياة السياسية اللبنانية وتناولته كل القوى من وجهة رؤاها المختلفة، وأفردت له الصحف اليومية"مطولات"راوحت بين التحليل والتعليق، ما أوحى ان"السلاح"صار العقدة الأعقد في الواقع السياسي اللبناني. لكن بعيداً من كل ذلك، ولو عدنا، إنصافاً، قليلاً الى الوراء، لوجدنا ان الموقف الفلسطيني المتخذ من قبل القوى الرئيسة الفلسطينية، ومن قبل القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني، كان متناغماً الى حد كبير مع المصلحة الوطنية اللبنانية العليا، وحرص بإخلاص على عدم الخروج عليها. كان المسلك الفلسطيني هذا تعبيراً عن افادة الشعب الفلسطيني من الخلاصات السياسية التي استنتجها من مراجعته لتجربته الطويلة فوق الأرض اللبنانية خصوصاً، وفي بقية"أوطان الشتات"العربية الأخرى عموماً، فحلت نبرة الحرص على أن يبقى"العامل الفلسطيني، في منأى عن كل التجاذبات السياسية في لبنان، على رغم اغراءات بعض القوى اللبنانية أحياناً، وعلى رغم"الترهيب"الذي سلّط على بعض القوى الرئيسة الفلسطينية. وأدرك الفلسطينيون ان"الترهيب والترغيب"موقفان يلجأ كل طرف إليهما لأسبابه المحلية الخاصة، وفي الغالب لا تكون"فلسطين"حاضرة بقضاياها الأساسية لدى الطرف الداعي الى"التقريب"أو لدى الطرف الداعي الى"الإقصاء". هذه"الممارسة العملية"التي قضت بالبقاء على مسافة"واحدة"من قوى الوضع اللبناني، توجتها وقادتها الممارسة الرسمية للقيادة الفلسطينية، ففي هذا المجال كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس واضحاً في التعبير عن محصلة الوقف الفلسطيني العام، مثلما كان واضحاً في إضافة"الحكمة"الفلسطينية الى حملة عناصر الاستقواء التي يحاولها الحكم اللبناني في معالجته لأزمات الوضع اللبناني المتشابكة. لقد أجاب الرئيس الفلسطيني دائماً لدى سؤاله عن موضوع السلاح، وعن نظرته الى القرار 1559 بالقول:"اننا مع الموقف اللبناني في تعاطيه مع القرار المذكور، وان السلاح الفلسطيني لن يكون عقبة أمام السلم الأهلي في لبنان". كان ذلك في الزيارة الأولى التي قام بها أبو مازن، الى بيروت، قبيل انتخابه رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتكرر الأمر بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، في الزيارة الثانية، وجرى تأكيد الموقف تكراراً في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس محمود عباس مع فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية، في العاصمة الفرنسية. لقد انبرى البعض في الساحة الفلسطينية، ليشكك في"فعالية"قول الرئيس الفلسطيني، وفي شموليته، وتجاوز التشكيك ليحصر مسؤوليات أبو مازن في إطار السلطة الوطنية فقط، متناسياً ان هذا الأخير هو رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية ايضاً، التي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. مرة أخرى، عاد السؤال ليطرح: لماذا الآن هذه الغيرة على حق العودة، وعلى أمن المخيمات وعلى حماية الشعب الفلسطيني الموجود داخلها؟. مما يفتح على سؤال آخر: ما الذي فعلته هذه الصيحات"الحمائية"عندما تعرضت المخيمات ذات يوم لصنوف من القهر والاذلال، وعندما حوصرت وقصفت الخ؟ بل أين كان موقع أصحاب تلك الصيحات؟! بعيداً من كل ذلك، لا بد من تأكيد أن السلاح الموجود بين أيدي الفلسطينيين في المخيمات سلاح فردي خفيف، لا هدف له سوى الحماية الذاتية للمواطن المقيم في المخيم، مثلما لا بد من التأكيد أن الجهود المكثفة تبذل من أجل أن تظل مهمة هذا السلاح محصورة في اطار الأمن الاجتماعي للشعب الفلسطيني من دون أن يغيب عن البال أن السلاح الثقيل والمتوسط جرى تسليمه سابقاً للدولة اللبنانية، في العام 1991 تحديداً، وبناءً على قرار من الرئيس الشهيد أبو عمار، الذي أعلن عن تقديم هذا السلاح هدية للجيش اللبناني. أما الحديث عن السلاح خارج المخيمات، فقديم، وللعلم فهذا سلاح قديم أيضاً لم يدخل الى الأرض اللبنانية"البارحة"بل ان عمره فوقها يعود الى سنوات عدة. في هذا المعرض على الجميع التوقف أمام الوظيفة السياسية لهذا السلاح، ومدى الفائدة المرجوة منها للشعب الفلسطيني أو مبلغ الضرر الذي يلحقه بالقضية الفلسطينية عموماً، في هذه اللحظة السياسية، اللبنانية والاقليمية، البالغة التعقيد. لا نستطيع القول بسهولة ان"السلاح المذكور يخدم في هذه المرحلة المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، خصوصاً الكتلة الأهلية منه، الموجودة في لبنان. إن من شأن الزوبعة التي يثيرها السلاح خارج المخيمات، أن تعيد تصنيف"الشعب الفلسطيني"عموماً في خانة سياسية محددة، لا يريدها"الشعب"ولا تخدمه، مثلما من شأن"الزوبعة"اياها، أن تلحق الضرر بعملية بناء الثقة التي جرى قطع أشواط على طريقها، بين الشعبين اللبنانيوالفلسطيني، مما مكّن الطرفين من تجاوز الكثير من ارث الماضي الدامي والثقيل الوطأة. أخيراً ان من شأن كل نقاش سياسي، لا ينطلق من الأرضية الفلسطينية السياسية أن يعقد المساعي الدؤوبة الهادفة الى افتتاح النقاش حول كل حقوق الشعب الفلسطيني في لبنان، وفي طليعتها حقوقه السياسية، التي تعيد اليه الاعتبار كشعب له قضية وله متطلبات، وليس مجرد كتلة تتقاذفها الأهواء والخطب بين التوطين تارة وبين التهجير تارة أخرى وبين سوء الاستخدام، التي تختزنها النيات السياسية السيئة، في الأطوار كلها. ما نذهب اليه، يطرح مسائل للحوار، لأننا لا نعتقد بإمكان التوصل الى حلول سليمة وصحية خارج الأطر الحوارية. في هذا الوقت نؤكد ان الدم الفلسطيني ليس حبراً مجانياً مباحاً، يغمس فيه كل عابث ريشته، مثلما نؤكد، أن لا خروج عن الموقف الرسمي الفلسطيني الذي يؤكد تمسكه بالحفاظ على استقرار لبنان وسيادته، واستعداده لتقديم الجهد اللازم في سبيل توطيد هذا الاستقرار. أخيراً، يأمل الفلسطينيون أن تقابل يدهم الممدودة للحوار، أياد أخرى تصافحهم بالثقة وبالبحث الجاد في السبل الآيلة الى تأمين المصلحة المشتركة للشعبين اللبنانيوالفلسطيني وفي الوسائل التي تضمن تنفيذ ما يتم التوصل اليه من اجراءات. الطريق طويل - لكن لا بد من خطوة في الاتجاه السليم، خطوة سياسية لا تسمح لقعقعة السلاح بأن تصمّ الآذان. * عضو قيادة"فتح"في لبنان.