في دائرة مشاريع الفتن التي تستهدف لبنان في هذه المرحلة، ثمة من يسعى الى فتنة وتفجير كبيرين يضع الدولة اللبنانية في مواجهة المخيمات الفلسطينية، وفي صفوف الساعين اطراف عدة. منهم من يريد تطبيق القرار 1559 بكل بنوده، ويرى البداية في «البند الفلسطيني» لأن البند المتعلق بحزب الله وسلاحه مؤجل الآن، تحت عنوان ضرورة الحوار الداخلي!! اما الحقيقة فهي ان اصحاب هذا الرأي يريدون سلاح حزب الله قبل السلاح الفلسطيني ربما، ولكن لأسباب تكتيكية سياسية تتعلق بظروف اللعبة السياسية الداخلية وحساباتهم ومصالحهم ومعركة الرئاسة المفتوحة، لايريدون مشكلة مع حزب الله في هذا التوقيت بالذات. لكن في نظرهم وتوجهاتهم المشكلة آتية في مرحلة لاحقة خصوصاً اذا لم ينسجم موقف الحزب مع مواقفهم وطموحاتهم الرئاسية خصوصاً والسياسية عموماً. بمعنى آخر يتصرفون مع الامر وكأن الموقف من سلاح الحزب ورقة يمكن بيعها او المناورة بها او الاحتفاظ بها لحين، او المساومة عليها حسب ما تقتضيه الظروف. وثمة ايضاً من لديه موقف عنصري في الاساس من الفلسطينيين ووجودهم في لبنان الذي يعتبرونه سبب اندلاع الحرب الاهلية - وهذا غير صحيح لأن في ذلك نفي للاسباب الداخلية والخلافات العميقة التي كانت سائدة بين اللبنانيين على امور جوهرية وكثيرة - وبالتالي يريد هذا الفريق في اي وقت وبأي ثمن مواجهة الفلسطيني وتجريده من سلاحه واخراجه من لبنان اذا امكن. وثمة فريق ثالث وتحت عنوان رفض التوطين يمارس الضغط والابتزاز ويدعو الى انهاء هذه «المشكلة المستعصية» والتخلص من الوجود الفلسطيني، وبالتالي يجمع هؤلاء كلهم على ان ليس ثمة حاجة او ضرورة او مبرر لا للسلاح الفلسطيني ولا لوجود الفلسطينيين في المخيمات، ولا لعملهم في مهن معينة، ولا لتملكهم في وقت يستعد فيه لبنان الى توقيع اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تتيح لكل ابناء الارض العمل على ارضهم اما من هو مقيم عليها منذ عقود من الزمن فهو ممنوع من ذلك!! وفي المقابل، ثمة في الوسط الفلسطيني من تصرف في الفترة الاخيرة ويتصرف وكأن شيئاً لم يتغير في لبنان لا بعد العام 82 - خروج منظمة التحرير من لبنان - ولا بعد العام 93 توقيع الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية وعودة ابو عمار ورفاقه الى الداخل الفلسطيني - ولا بعد العام 2000 اي التحرير من الاحتلال الاسرائيلي في لبنان على يد مقاومة إسلامية لبنانية وبالتالي سقوط اي وهم او امكانية او تصور او حساب او احتمال استخدام السلاح الفلسطيني انطلاقاً من لبنان لتحرير فلسطين، خصوصاً بعد صمود الانتفاضة في فلسطين وتحرير جزء من الارض الفلسطينية فكل مقاومة على أرضها هي الاقوى والاجدى والاكثر قدرة على تحقيق الانجازات، وبالتالي ثمة في هذا الوسط من تصرف ويتصرف - حتى في اطار رد الفعل على بعض الممارسات اللبنانية الخاطئة بحق الفلسطينيين - بشيء من العبثية والفوضى لم يعد يحتملها لا الوضع الفلسطيني في لبنان ولا الوضع اللبناني، فاطلاق الصواريخ مثلاً من الجنوب ازعج ابناء الجنوب قبل غيرهم وذكرهم بأيام مرة في حياتهم لا يريدون تكرارها لاسيما وانهم مدركون ان التحرير قد تم بدمائهم وجهادهم ونضالهم وليس بمثل هذه الاعمال بل بالمقاومة اللبنانية من ابناء الارض اعطوها كل مالديهم. ومثل هذه التصرفات عرضت الواقع الفلسطيني الى مخاطر. الدولة اللبنانية قصرت تجاه الفلسطينيين بعد الطائف. معيب الواقع الفلسطيني في المخيمات. معيبة المشاهدة على مداخل بيروت مثلاً - وفي غيرها من المواقع - ولا يصدق اي زائر انه في لبنان اذا ما دخل الى المخيمات. ومعيبة القوانين العنصرية والمواقف العنصرية التي صدرت من قبل البعض والتي لا تؤدي كلها الا الى مزيد من الاحتقان. ومعيبة السياسة التي استخدمت من قبل بعض اجهزة ومؤسسات الدولة والتي امسكت بالمخيمات وأمنها كورقة ابتزاز، تماماً مثل ما هو معيب تحويل المخيمات الى بؤر امنية واوكار فساد ومخبأ لمنفذي عمليات - كما يقول البعض - وهي في الحقيقة تضم مواطنين شرفاء اصحاب كرامات وحقوق انسانية بحدها الادنى مهدورة!! ليس لنا مصلحة في تفجير وانفجار او صدام او مواجهات. لا التسرع والانفعال والارتجال من قبل الدولة ينفع ولا تهديدات بعض الفلسطينيين لرموز وطنيين في الحكومة ينفع ولا الاندفاع من قبل الدولة - غير المقصود او المبرمج - لحسم هذه الاشكالية بالضغط في وقت تشتد فيه الضغوط الدولية علينا ينفع، ولا تحويل المواقع الفلسطينية الى محميات او اوراق في العاب سياسية غير لبنانية من قبل بعض الفلسطينيين ينفع. وحده الحوار والتفاهم هو الذي يوصل الى الحل. الحوار اولاً داخل مجلس الوزراء الذي يجب ان يؤدي إلى تفاهم، وخطة عملية تتوفر لها الحماية السياسية الكاملة التي تتوفر بدورها من خلال توسيع الحوار مع القوى الاساسية في البلاد وحتى الموجودة خارج الحكومة. ثم حوار فلسطيني - فلسطيني وبالتالي حوار لبناني - فلسطيني ينطلق من الوقائع السياسية والميدانية على الارض. وحسناً فعل رئيس الحكومة باطلاق هذا الحوار ومن واجب كل القوى السياسية القادرة والفاعلة ان تساهم فيه من مواقعها المختلفة تجنباً لانفجار كبير نحن في غنى عنه فكيف اذا كنا نعلم ان ثمة من يخطط له لاغراقنا في مزيد من الحروب الداخلية، وتوسيع دائرة الفوضى في البلاد واضعافها!!