ينطلق بعد غد الاثنين في بعبدا حوار القوى السياسية اللبنانية بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وسط تباين مواقف الفرقاء بين الحضور وتلبية الدعوة. وجاءت دعوة الرئيس سليمان الأحزاب والكتل النيابية لحضور الاجتماع الذي تعقده هيئة الحوار الوطني في قصر رئاسة الجمهورية استجابة لبرقية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي وجهها إلى الرئيس اللبناني يوم الثلاثاء غرة رجب 1433ه الموافق 22 مايو (آيار) تطلع فيها إلى تدخل العماد سليمان لإنهاء الأزمة؛ وذلك لخطورتها وإمكانية تشعبها لإحداث فتنة طائفية في لبنان، وإعادته لا قدر الله إلى شبح الحرب الأهلية «وفي الإطار العام لمبادرتكم ورعايتكم للحوار الوطني اللبناني، وحرصكم على النأي بالساحة اللبنانية عن الصراعات الخارجية، وخصوصا الأزمة السورية المجاورة لها». وأكد خادم الحرمين الشريفين في برقيته إلى الرئيس اللبناني أن المملكة تتابع ببالغ القلق تطورات أحداث طرابلس، وخصوصا لجهة استهدافها لإحدى الطوائف الرئيسة التي يتكون منها النسيج الاجتماعي اللبناني «وكما تعلمون فخامتكم فإن المملكة العربية السعودية، وانطلاقا من العلاقات الأخوية بيننا، والحرص على أمن لبنان واستقراره في ظل سيادته ووحدته الوطنية والإقليمية، لم تأل جهدا في سبيل الوقوف إلى جانب لبنان ودعمه، بدءا من اتفاق الطائف ووصولا لاتفاق الدوحة. علاوة على بذل المملكة ودول مجلس التعاون كافة الجهود في سبيل دعم لبنان اقتصاديا لتحقيق نمائه وازدهاره». ونوه خادم الحرمين الشريفين بأهمية الحوار «ولعلكم تتفقون فخامتكم على أن هذه الجهود، مهما بلغ حجمها، ووصل مداها سوف تظل قاصرة إن لم تستجب كافة الأطراف اللبنانية الفاعلة لها، وتغلب مصلحة الوطن اللبناني أولا على ما عداه من مصالح فئوية ضيقة، أو خدمة مصالح أطراف خارجية لا تريد الخير للبنان، ولا المنطقة العربية عموما». بحث التطورات في المنطقة وكان رئيس الجمهورية اللبنانية قد استهل جولته الخليجية بالمملكة، حيث استقبله خادم الحرمين الشريفين الجمعة قبل الماضية في قصره في جدة، وبحثا في اللقاء آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها في جميع المجالات، إضافة إلى مجمل الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة. أصل الدعوة وحصلت «عكاظ» على أصل الدعوة التي وجهها الرئيس سليمان للأحزاب والكتل النيابية، حيث لخص الرئيس اللبناني العوامل التي دفعته للدعوة إلى الحوار في أمرين استهلهما في خطابه «في ضوء الأحداث الأخيرة وما خلفتها من قلق عميق لدى المواطنين بشأن أمنهم وسلامتهم، واستمرار إسرائيل في تهديداتها وخروقاتها للسيادة اللبنانية»، مشيرا إلى ضرورة تدارك الخطر المحيط بلبنان «وعطفا على دعواتي السابقة حول ضرورة استئناف أعمال هيئة الحوار الوطني استدراكا للمخاطر المحيطة بالوطن، والتي أصبح من الملح التوافق على طرق معالجتها». وركز العماد ميشال سليمان على مناقشة موضوع الاستراتيجية الوطنية الدفاعية، ومن ضمنها معالجة موضوع السلاح، حيث أورد في خطابه ثلاثة جوانب مهمة بشأن السلاح، وهو «سلاح المقاومة وكيفية الاستفادة منه إيجابا للدفاع عن لبنان، والإجابة على الأسئلة التالية: لماذا يستعمل؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين...»، فيما يناقش الجانب الثاني «السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وكيفية إنهائه، والسلاح الفلسطيني داخل المخيمات وكيفية معالجته، تنفيذا لمقررات مؤتمر الحوار الوطني»، وأخيرا جاء الجانب الثالث حول «نزع السلاح المنتشر داخل المدن وخارجها». برقية الملك رسالة صعبة «عكاظ» رصدت من الشارع السياسي في لبنان مواقف الفرقاء من الحوار، حيث قال رئيس المجلس النيابي في لبنان ورئيس حركة أفواج المقاومة «حركة أمل» في حوار موسع سوف تنشر تفاصيله غدا إن الموقف كان واضحا في برقية خادم الحرمين الشريفين التي وجهها إلى الرئيس اللبناني، وهذا الأمر إن استغربه البعض لكنني لم أستغربه، لأنه ليس جديدا على الملك عبدالله، لأن خادم الحرمين الشريفين دائما يحرص على تعزيز الوفاق بين اللبنانيين، ومما لا شك فيه عندما رأى خادم الحرمين الشريفين والقيادة السعودية ما يجري في المنطقة، وما يخطط فيها، جاءت البرقية في وقتها، فكانت رسالة صعبة، في زمن صعب، لتدارك الأمر الأصعب. المجلس النيابي يحضر للحوار من جهته، قال ل «عكاظ» أنه بمجرد أن ينعقد الحوار بحسب الموعد الذي تحدد سوف يتغير الوضع بنسبة 50 في المئة، أما ال50 في المئة الأخرى فهي ما يسفر عنه هذا المجهود الحواري والمناقشة. ونوه نبيه بري بأنه هو من بدأ الدعوة للحوار سنة 2006م، وقال «لقد استشرت كل البلدان العربية بما فيها المملكة حول ذلك، فانعقد الحوار، وعندما هجرت إسرائيل لبنان في تموز 2006م كنا نتحاور، تلك هي الوحدة اللبنانية التي أدت إلى اجتماعنا فانتصرنا على إسرائيل، وحققنا أول انتصار عربي على إسرائيل، فالذي ينتصر في وحدته وحواره على أكبر قوة موجودة ومدعومة في العالم يستطيع أن ينتصر على ذاته، فالمطلوب الآن أن ننتصر على ذواتنا، وأن نتخلص من أنانيتنا، وأن نتخلص من حساسيتنا، وأن نتمسك بديننا لا بطائفيتنا، وبمذهبنا لا بمذهبيتنا، وأن هذا الأمر هو حاجة كبرى للبنانيين جميعهم، وحاجة أكبر وماسة أكثر للمسلمين فيما بينهم». وألمح نبيه بري إلى لقاء جمعه مع سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي عواض عسيري في بداية توتر الأوضاع في شمال لبنان، فيقول «لقد قلت للسفير السعودي إن الوضع ينذر بخطر، وشر مستطير خاصة بين المسلمين بعضهم ببعض، وهذا ينعكس على عموم لبنان، ما يفرض ضرورة الحوار اللبناني اللبناني، وبينت له أن المملكة تتدخل دائما في الملمات لاحتوائها، ولا يمكن لنا أن ننسى ما حصل في الطائف وما بعد الطائف، وبالتالي وجب السير لمعالجة الوضع مهما كلف الأمر قبل أن يستفحل في لبنان». الملك عبدالله قلق على لبنان وقال ل «عكاظ» الرئيس التنفيذي لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حوار سينشر لاحقا «إن قلق خادم الحرمين الشريفين من إدخال لبنان في المجهول والدخول في حرب أهلية من جديد، دعاه للتوجه بهذه البرقية لرئيس الجمهورية يطلب منه التدخل بكل قوة لاستتباب الأمن، والحفاظ على الاستقرار في لبنان، وإبدال لغة السلاح والشارع والفوضى بالتحاور بين اللبنانيين». التحفظ على الحكومة وأبدى جعجع تحفظه على قبول الدعوة للحوار، وكشف عن أسباب ذلك بأن القوى السياسية بات لها حتى الآن سبعة أعوام تتحاور حول عدة موضوعات اتفق الفرقاء على أكثرها، بينما تبقى موضوع سلاح حزب الله، وإلى هذه اللحظة منذ سبعة أعوام لم يقدم حزب الله تصوره لكيفية دمج سلاحه بالشرعية اللبنانية، والدولة اللبنانية.. حتى تساءل «فكيف تتأمل بهكذا حوار؟». وقال جعجع «الأدهى من ذلك أننا اتفقنا في السابق على عدة موضوعات مثل المحكمة الدولية، وترسيم الحدود بين لبنان وسورية، وتحديد العلاقات بين لبنان وسورية، والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها.. فكل ما اتفقنا عليه لم ينفذ منه شيء حتى الآن». وبشأن صموده على موقف الرفض تجاه هذا الحوار قال جعجع «إننا ننتظر الحد الأدنى من النتائج، وليس لأحد أن يباشر في حوار وهو متأكد أنه لا نتائج سوف تخرج من هذا الحوار، فمن هذا المنطلق اعتقدنا أن الحوار الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية لن يعطي أية نتيجة، وذلك لمواقف الفرقاء المعنيين أصلا بالحوار، فالمطلوب بالفعل أن يلبي حزب الله ما يخلص إليه الحوار، وبالتالي في أية وقت يتوفر فيه أدنى مقومات الحوار نحن مستعدون للآخر، بينما لا نرى هذه المرة أدنى الحد الأدنى من الحوار متوفرا، ولن نقف عند هذا الحد، بل ما سنفعله هو أننا نحاول مخلصين جاهدين إيجابيين مع رئيس الجمهورية لوضع حد أدنى من المقومات التي تكفل نجاح هذا الحوار، فإذا توفقنا سنعيد النظر في موقفنا، وإذا لم نوفق سيكون لحظتها لا حول ولا قوة لنا إلا بالله، لأن الفريق الآخر ليس واردا للحوار الجاد». الحوار يطمئن الشعب اللبناني وفي حوار موسع قال ل «عكاظ» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إن خطاب خادم الحرمين الشريفين للرئيس سليمان، والتطلع إلى تدخله وعقد الحوار يجسد الرؤية الثاقبة للملك عبدالله في أن الأمور لا تعالج إلا بالحوار، وأن التوترات والحروب الأهلية لا تعطي أية نتيجة. وأضاف: لا مفر من الحوار، حتى لو لم ينتج في أول جلسة شيئا، فإن وجود الفرقاء الأساسيين على طاولة واحد يطمئن اللبنانيين. رؤية شمولية وقال عضو كتلة المستقبل النائب نهاد المشنوق إن القارئ لخطاب خادم الحرمين الشريفين للرئيس اللبناني يدرك بحق أن الملك عبدالله ذو رؤية ثاقبة وشمولية لمستقبل لبنان والمنطقة، سيما فيما يتعلق بطلب التدخل لإنهاء الأزمة والدعوة للحوار. وحول الموقف من الحوار أوضح إن تيار المستقبل حتى وإن شارك في الحوار إلا أنه يظل على تحفظ على كثير من الإجراءات التي تتخذها حكومة الرئيس ميقاتي، خصوصا ما يتعلق بنتائج الحوار السابق، وما أسفر عنه من توصيات وقرارات لم تر على أرض الواقع.