أقرب فرضية في نزاع الصحراء ان الادارة الاميركية لو كان وارداً عندها قرار تسريع الحل، لاختارت وسيطاً من جنسية أميركية، كما في تجربة الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر. غير انها من خلال عدم الاعتراض على تعيين وسيط أوروبي في شخص الديبلوماسي بيتر فان فالسوم تبدو أقرب الى تمثيل صيغة لا حل مستعجلاً ولا تدهور دائماً، وانما أزمات عارضة في صورة مدّ وجزر قابل للتحكم. وفي الامكان استنتاج ان المفهوم الأميركي لا يتيح للوسيط الجديد انجاز ما أخفق فيه سابقه بيكر الى درجة ان فان فالسوم أقر في ختام جولة على منطقة الشمال الافريقي باستحالة ايجاد حل يرضي الأطراف كافة مع انها جميعها تتمنى الحل. وبلغة ديبلوماسية فلا أحد يريد ان يتنازل عن موقفه، بسبب وصول الحل الى مأزق حقيقي. لكنه لا يتجاوز النطاق الاقليمي، وأقصى ما يمكن ان ينذر به المزيد من التصعيد السياسي والاعلامي بين الجزائر والمغرب، طالما ان العودة الى الحرب مستبعدة. وقد تشن عبر استخدام قضايا اجتماعية وانسانية من مستوى تبادل الاتهامات حول تداعيات الهجرة غير الشرعية، كما حدث في التعاطي مع ملف المهاجرين الأفارقة النازحين من جنوب الصحراء أو على صعيد تبرير سريان اغلاق الحدود البرية في البلدين. أو في نطاق تباين القراءات حول مفاهيم السيادة وتقرير المصير وتصفية الاستعمار. غير ان ذلك يشكل ظاهرة قابلة للتعايش معها. وربما كان خطأ المتعاطين مع نزاع الصحراء انهم لا ينتبهون الى هذا التعايش الذي استمر ثلاثين سنة، تغيرت خلالها معطيات دولية ومفاهيم سياسية، وفتحت أجيال جديدة عيونها على الواقع، من دون حدوث تغيير في المواقف. ما يعني ان اختراق الداخل وحده كفيل بإحراز التقدم الذي يفرض نفسه. في المعادلات المغيبة في الداخل ان الصحراويين المعنيين بالحل كجزء من مكونات الشعب المغربي أو كتيار يسعى الى الاستقلال موزعون اساساً بين ولاءين. وبالقدر الذي تبرر فيه الجزائر مساندتها الصحراويين انسجاماً مع مبدأ تقرير المصير بالقدر نفسه وأكثر يرى المغاربة ان الوحدة سابقة لذلك المبدأ وان الحقوق التاريخية والقانونية لا يمكن شطبها لمجرد ان الخلاف الاقليمي ذو الرواسب الايديولوجية في منطقة الشمال الافريقي اتخذ الأبعاد التي وصل اليها. والحال ان المتعاطين مع النزاع في كل الفترات ينطلقون من الواقع الراهن دون الالتفات الى خلفياته التاريخية. لذلك كان طبيعياً ان تؤول خطة الاستفتاء الى الانهيار، كونها تنطلق من فرضية الدمج الكامل أو الاستقلال الكامل، وحين أراد الوسيط السابق جيمس بيكر ان يمزج بين الحكم الذاتي واستفتاء تقرير المصير، رأى ان صيغة الحكم الموسع تمنح مكاسب لجبهة"بوليساريو"، بينما الاستفتاء وفق مشاركة السكان المقيمين منذ العام 1999 يريح المغرب. غير انه بخلاف خطته الأولى التي وضعت الحكم الذاتي في رتبة نهائية، جاءت الخطة الثانية أشبه ما تكون بالاستفتاء الأهلي مع اضافة خيار ثالث، أي الدمج النهائي أو الاستقلال النهائي أو الحكم الذاتي. لكن المشكلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بخاصة الأخيرة، أنها عرضت الى مفهوم الحل السياسي يصيغة ترهنها بموافقة كل الأطراف. ومع أنها لم تتحدث عن خطة جيمس بيكر الذي يفترض أن ذهابه قرر في مصير خطته، فإنها تركت المفهوم فضفاضاً الى درجة تباين التأويلات والاجتهادات ازاءه. وما زاد في الالتباس أن الجزائر و"بوليساريو"رفضتا خطة بيكر الأولى من منطلق أنها ترجح كفة المغرب الذي لجأ بدوره الى رفض الخطة الثانية. وفي كل الحالات فإن رفض الجزائر لا يمكن فهمه إلا في سياق أنها معنية أكثر من أي طرف مراقب بصيغة الحل الذي يلائم مواقفها، وبالتالي فإن رفض الأطراف كافة يلتقي عند حدود تضارب المصالح. ما يعني أن الحل المقبول يجب أن يراعي هذه المصالح، بما يضمن من جهة الابقاء على خريطة الحدود من دون تغيير، وفي الوقت ذاته يتوجب الشكل الصحراوي بأقل قدر من التعسف. وإذ تعلن الجزائر في فترات انفراج علاقاتها مع المغرب انها لا تتبنى اطروحة قيام دولة في الصحراء، كما جاء على لسان كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين، فإنها تقترب الى منطق احترام الحدود الموروثة من الاستعمار، وتحديداً في ما يخص حدودها الغربية المشتركة مع المغرب، لكنها تبقي على التمسك بمبدأ تقرير المصير. فالحل السياسي المطروح إذ يروم منح الاقليم الصحراوي حكماً ذاتياً موسعاً، يكون في جانب منه قد حقق للصحراويين وضعاً خاصاً. تستطيع الجزائر أن تطمئن اليه في حال اعتبار تبني قضية الصحراء من منطلقات مبدئية. على أن الأهم في التجربة التي ستكون الأولى من نوعها أن صلاحيات تدبير الشؤون المحلية هي مقدمة لاختيار الديموقراطية. وبالتالي في امكان التجربة في حال نجاحها أن تشكل نموذجاً جديداً في التدبير السياسي، يضع حداً للتوتر القائم من جهة، ويفتح باب الأمل الديموقراطي واسعاً أمام شعوب المنطقة. وهنا تحديداً يكمن جانب من التصور الأميركي الذي لم يحن موعده بعد.