عن هاتين السيدتين أحكي، عن مي شدياق، وناديا انجومان تحديدا أحاول أن احكي، رغم أن الحكي في هذه الحالة المزدوجة لا يؤدي إلا إلى المزيد من استشعار المرارة العالقة في حلوقنا بانتظار ما يحرك رواكدها الموروثة . الأولى إعلامية لبنانية محترفة، ظلت تمارس عملها الإعلامي في تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال، إل.بي.سي، على مدى سنوات طويلة، تطالع مشاهديها بابتسامتها المشرقة، وتقرأ لهم نشرة الأخبار، وتعلق عليها بمهنية عالية، ووعي سياسي عميق، وثقافة تراكمت طوال سنوات عملها الإعلامي المخلوط بالطابع السياسي في ظل واقع لبناني خاص كان يحتم على جميع من يعمل في ذلك الموقع الذي كانت تحتله مي شدياق احتراف السياسة تعاطيا يوميا، ونقاشا مستمرا، ومحاولة دؤوبا لجميع تفاصيل المشهد الذي بدأ يتكون من جديد في لبنان بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري تحديدا . لقد كانت مي شدياق، في ذلك الواقع السياسي والإعلامي، امرأة مثقفة فضلت ان تمارس اختياراتها الحرة متكئة على ما بنته من مقومات شخصيتها، ومطمئنة إلى انها تقول كلمتها واضحة، أمام العدسة الواسعة، وتحت الأضواء الكاشفة متوجهة بها الى جمهورها العريض، سائلة ومحرضة على الإجابة في نفس الوقت دون أن تنسى للحظة واحدة انها لا تفعل شيئا اكثر من ممارسة عملها، وتحقيق ذاتها انسانيا وإعلاميا في محيط الكلمة وحدها والتي تهديها الى المشاهدين مشفوعة بالدعاء لهم بالنهار السعيد . أما الأخرى فهي شاعرة أفغانية شابة، لم تكد تتخلص من الزمن الطالباني، الذي أعاد المرأة الأفغانية (بل والرجل الافغاني ايضا) الى عهود سحيقة من تاريخ كانت فيه النساء مجرد أوان للزينة والتفريخ والخدمة، حتى وجدت هذه المرأة نفسها من جديد تعاني من واقع قد يبدو افضل من الواقع الطالباني في العلن، ولكنه في حقيقته المختبئة أسوأ بكثير، ربما لأنه لم يفصح عن نفسه بصدق كما فعل سلفه، بل حاول أن يمارس خداعه باحتراف وإتقان وخسة أحيانا !!. مي شدياق انفجرت بها عبوة ناسفة وضعت في سيارتها ففقدت من جراء الانفجار ساقها وذراعها والكثير من تفاؤلها وثقتها بالناس والحياة، و ناديا انجومان فقدت حياتها كلها اثر ضرب مبرح تعرضت له على يد زوجها، وهو بالمناسبة أديب وعضو في اتحاد كتاب افغانستان !!، وفي الحالتين، بدا الامر وكأنه العقاب الذي ينزله المجتمع الذكوري الذي توحد، رغم اختلاف الجغرافيات والمنطلقات الحضارية بين نسختيه اللبنانية والافغانية، في نظرته لهاتين المرأتين، بهما لمجرد انهما مارستا الكلام، إعلاما وشعرا بصدق وشفافية وإبداع أودى بهما مهاوي الردى الذكوري ...فلا عزاء !!.