تعتبر أريتريا واحدة من دول قليلة للغاية استمر شبح الحرب الباردة يخيم عليها لفترة أطول من غيرها، الامر الذي حرمها من اقامة دولة مستقلة في الفترة التي كانت تحصل فيها دول افريقيا على استقلالها، وذلك بسبب جارتها القوية أثيوبيا. وكانت أريتريا الواقعة على البحر الاحمر قبالة السعودية، ضحية دورها في الخمسينات والستينات، عندما استضافت محطة اميركية عملاقة للتنصت في أسمرا. وكان هوائي قاعدة التجسس في الغابة يلتقط كل الاتصالات عبر الهاتف واللاسلكي والرسائل البرقية في انحاء افريقيا والشرق الاوسط، كما كان يعمل على تسهيل الاتصالات بين وزارة الدفاع الاميركية والغواصات النووية في المحيط الهندي والقوات الاميركية في فيتنام. وبسبب تلك الاهمية التي كانت توليها واشنطن القلقة في حينه من وقوع اريتريا في قبضة النفوذ السوفياتي، عملت الولاياتالمتحدة على وضعها في اتحاد مع اثيوبيا"الوكيل الاميركي"عام 2591. وضم الامبراطور هيلاسيلاسي اريتريا في 2691، مما اثار مقاومة مسلحة انتهت باستقلال اريتريا في 1991. واليوم فإن أصغر دولة افريقية مصممة على ألا تصبح مرة اخرى ألعوبة في يد قوة عظمى بعدما كلفها ذلك 07 الف قتيل في الحرب من أجل الاستقلال. وتقول اريتريا ان هذا بالضبط هو ما تواجهه الآن في نزاع حدودي مع اثيوبيا، وكان السبب الاساس لحرب تفجرت بين البلدين بين عامي 8991 و0002 . ويشتبه بعض المسؤولين الآن في أن الحرب على الارهاب قد تجعل المخاوف الاوروبية تصب في مصلحة اثيوبيا التي ارجأت تنفيذ اتفاق سلام أبرم عام 0002 . وينظر الى اثيوبيا التي تعد ثاني أضحم دولة لجهة عدد السكان في افريقيا جنوب الصحراء، باعتبارها القوة الرئيسة في منطقة القرن الافريقي المضطربة، كما انها عنصر اقليمي مهم في الحرب التي تشنها واشنطن على الارهاب. وعلى الدوام يثير تصور انحياز الغرب لاثيوبيا الغضب في اسمرا، اذ يجعلها تستعيد الذكريات السيئة. وقال يماني غبريمسكيل مستشار الرئيس اسياسي افورقي:"عندما حصلت غالبية الدول الافريقية على استقلالها، كانت اريتريا مرتبطة مع اثيوبيا ضد ارادة الشعب وذلك بسبب مصالح أكبر. المجتمع الدولي لم يفعل شيئاً. قلنا لهم الدول الاخرى لا نستطيع ان نكرر الخطأ مرتين. لا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه. اننا الآن نمضي عبر سبل قانونية واساليب ديبلوماسية ويجب احترام هذه القضايا". ويشك المسؤولون الاريتريون في أن اكاذيب سياسية وراء احجام الغرب عن معاقبة اثيوبيا لتأخرها في الانصياع لتسوية دولية للخلاف الحدودي. وقال غبريمسكيل:"هناك دائماً اختلاف بين البيانات المعلنة في شأن احكام القانون الدولي والسياسات على أرض الواقع، وبعض من هذا الانفصام حاصل الآن في ما يتعلق بتلك القضية". وتقول اريتريا ان الدول المانحة لم تستخدم بعد نفوذها مع دولة تعدادها 07 مليوناً وتعتمد على المعونات لاقناعها بالالتزام بالتسوية. وتحصل اثيوبيا على بليوني دولار مساعدة سنوية منها تخفيف اعباء الديون وأغذية ودعم للموازنة ومساعدات تنموية. وقال مستشار افورقي:"اريتريا دولة صغيرة ومصالحها تكمن في وجود جار مسالم. وتأتي المشكلة عندما يتجبر علينا الآخرون. عندما يحاولون انتهاك حقوقنا لأنهم يشعرون بأنهم أكبر حجماً وأكثر قوة. لا يمكن قبول ذلك". وتشعر الدول الافريقية بالقلق من أن التوتر بين البلدين قد يفجر نزاعاً جديداً واضطرابات في منطقة غير مستقرة استخدمها تنظيم"القاعدة"في ما مضى نقطة ارتكاز، وما زالت تعاني من الجفاف والمجاعة. وتصر اريتريا على أن اثيوبيا قبلت بالكامل حكم لجنة حدود مستقلة تشكلت وفقاً لمعاهدة السلام، لتسوية النزاع. وقبلت اريتريا منذ فترة طويلة الحكم في شأن الحدود الذي يمنحها بلدة بادمي التي تحتفظ بها اثيوبيا الآن. ورفضت اثيوبيا من البداية القرار الا أنها قالت في تشرين الثاني نوفمبر الماضي انها قبلت اخيراً بالحكم من حيث المبدأ. وأضاف البيان الاثيوبي المفاجئ أيضاً، أن اديس ابابا ارادت الحوار مع أسمرا في شأن كيفية تنفيذ الحكم في 51 في المئة من الحدود محل النزاع. وفسر البيان على نطاق واسع باعتباره دعوة الى التفاوض في شأن المناطق الحدودية المتنازع عليها. وتتفق القوى الكبرى على أن التفاوض من جديد هو ضد الوعود التي بذلها الجانبان للالتزام بالحكم. وكرر الاتحاد الاوروبي دعوة اريتريا لاثيوبيا الى احترام الحكم الحدودي بالكامل. وتقول اريتريا انه لا بد للجهات المانحة من أن تضغط على اثيوبيا للالتزام بالقرار. وقال غبريمسكيل ان اسمرا تتوقع أن تربط الدول المانحة مساعداتها لاثيوبيا باحراز تقدم في عملية السلام باعتبارها ضامنة لاتفاقات السلام عام 0002 . وقال:"نطالب منذ عام بمثل هذا النوع من الربط. لسبب أو لآخر، غالبية الجهات المانحة الكبرى لم تأخذ أي قرار ذي مغزى يقنع اثيوبيا بالالتزام بتعهداتها الدولية". وتابع:"ليس لدى اثيوبيا في الواقع حافز لاحترام تعهداتها، موقف اللاحرب واللاسلم لا يمكن أبداً استمراره لأجل غير مسمى".