امرأتان حكمتا في فترات متفاوتة بيد من حديد. الأولى نصبت قديسة في القرن الثامن ميلادي، على رغم انها فقأت عيني ابنها في الغرفة التي ولدته فيها كي تتمكن من الحكم بدلاً منه. والثانية خالدة ضياء، رئيسة وزراء من بنغلادش التي دخلت ميدان السياسة بعد اغتيال زوجها الرئيس، فقادت حزبه الى النصر. وعيّنت مرتين متتاليتين رئيسة للحكومة قبل ان تخرج من الحكم وتعود اليه في ما بعد بقوة اكبر. جميلة وقاتلة ايرين صبية يونانية جميلة ومثقفة، ولدت في العام 752 في كنف عائلة نبيلة من منطقة كابادوتشيا في أثينا. وباتت قبل ان تصل الى سن المراهقة، عروساً محتملة ومرغوباً بها في تلك الفترة التي كانت تُزوّج فيها الفتيات في عمر صغير جداً. صودف ان ارسلت الامبراطورة تيودورا مراسيل الى كل انحاء البلاد من اجل ايجاد عروس لابنها ليو الرابع، وريث العرش الذي كان بلغ الثانية عشرة من عمره. انتقاها احد الموفدين لتصبح الزوجة المرتقبة لولي العهد. وضّبت اغراضها وانطلقت مع خادمتها في موكب رسمي توجه الى بيزنطيا حيث مقر الامبراطورية. وصلت الى هناك وتزوجت وريث العرش الصغير في عام 769، قبل ان ينصب ليو نفسه امبراطوراً على بيزنطيا في العام 780، ويجعلها امبراطورة معه. الا انه سرعان ما مرض ومات بعد خمسة اعوام. فنصب عندها ابنهما قسطنطين السادس امبراطوراً، وباتت هي ولية امره حتى بلوغه سن الرشد وتصبح بالتالي، حاكمة فعلية ووحيدة على كل البلاد، وأول امرأة تترأس الامبراطورية الرومانية القديمة، ما جعلها مع الملكة المصرية حتشسبوت والامبراطورة الروسية كاترين، النساء الثلاث اللواتي كسرن سلالة كاملة من الحكام الرجال في العالم. حكمت ايرين الامبراطورية البيزنطية في عصر كانت تعيش فيه البلاد تمزقاً دينياً شديداً يتمثل في محاربة عبادة الأيقونات التي شرعها الامبراطور قسطنطين الأول في العام 313، ما استدعى تحركاً واسعاً ضدها في القرن الثامن بلغ ذروته مع الامبراطور ليو الثالث الذي امر بتدمير كل الايقونات في الامبراطورية البيزنطية، مصدراً قانوناً ضد من سماهم"عبدة الايقونات"الذين كانوا يجدون شعبية كبيرة. لذا، عمدت ايرين الى استعطاف الشعب عبر ازاحة كل مناهضي الايقونات من الحكم، واتفقت مع ترازيوس على تعيينه على رأس الكنيسة البيزنطية شرط تأييدها بالكامل. واستصدرا قانوناً يسمح بالايقونات. ولم تكد تتمتع ايرين بحكم البلاد حتى بات ابنها بعد عشرة اعوام راشداً وعازماً على ازاحة والدته من الحكم بنفسه. فوافقت على تسليمه العرش قلقة في الوقت نفسه على نفوذها القوي في الامبراطورية. لذا، اشترطت عليه ان يضع اسمها قبل اسمه على كل الأوراق الرسمية في الامبراطورية. لكن الابن بدأ يخطط لإزاحة والدته من العاصمة، فعرفت بالمؤامرة، ودعت رجالها لمهاجمة القصر الامبراطوري وسجنه في داخله، قبل ان تدعو القيادة العسكرية وتطلب منها الولاء الكامل لها لكن العسكريين وحرروا قسطنطين الرابع قبل ان يوقفوها مع مؤيديها. بعد سنتين، رقّ قلب الابن وسامح والدته فاتحاً لها ابواب القصر مجدداً. فعادت ايرين بقوة الى العاصمة وتآمرت مجدداً لطرده. ولما اكتشف الامر، قرر ان يغادر من تلقاء نفسه على رأس الوية موالية له من الجيش. الا انها ارسلت قوات اخرى لتتعقبه. قبضت عليه وسجنته في الغرفة عينها التي ولدته فيها قبل 27 عاماً. ثم أمرت بفقء عينيه لمنعه من الحكم طوال حياته، ما ادى الى وفاته بعد فترة وجيزة. دفنته من دون ان تشعر لحظة واحدة بالأسى او الندم، وتربعت على العرش البيزنطي... الذي تولى الثأر بنفسه لقساوتها. اذ نسيت إيرين ان القانون الروماني يمنع امرأة من ان تكون قائدة للجيش، واستحال عليها بالتالي العرش لأن الامبراطور وحده هو قائد الجيش. لذا، قرر البابا ليو الثالث اعلان شغور العرش الامبراطوري، قبل ان يعين الملك شارلومان امبراطوراً رومانياً على كل اوروبا في العام 800 . بقيت ايرين تحكم بيزنطيا لسنتين فقط، على رأس حكومة مركزية لم تكنّ ابداً الولاء والوفاء لها. حاولت كسب ود شعبها عبر التخفيف من اعباء الضرائب، ما افلس الخزينة وجعل وزارءها يتآمرون ضدها قبل نفيها الى جزيرة لسبوس في بحر إيجه حيث ماتت بعد سنة واحدة فقط. باتت ايرين بعد موتها قديسة بفضل الكنيسة اليونانية التي شكرتها على طريقتها لاعادة الاعتبار الى الايقونات. من الظل الى الحكم خالدة ضياء، الثالثة في عائلة ضمتها مع شقيقاتها الثلاث وشقيقيها. ولدت في العام 1945 في مدينة ديناجبور الهندية، وترعرعت في عائلة ميسورة نسبياً. والدها تاجر شاي معروف كان يملك متجراً كبيراً، تركه وغادر عندما انقسمت الهند في العام 1947. نالت شهادتها الثانوية في الخامسة عشرة من عمرها قبل ان تدخل الجامعة لحيازة اجازة في التعليم. تعرفت في السنة الجامعية الاولى الى زياور رحمان، الكابتن في الجيش الباكستاني. بهرت بشكله الأنيق وبزته العسكرية وتزوجته فوراً، داخلة الميدان السياسي من الباب العريض من دون ان تدري. تزوجت خالدة وبقيت في الجامعة فيما لعب زوجها دوراًَ بارزاً في استقلال البلاد اثر حرب التحرير. ولم تلتحق به الا في العام 1965 عندما غادرت لتلاقيه في غرب باكستان. هناك، بقيت زوجة خجولة تشعر بالحياء في كل ظهور علني، وتفضل البقاء في المنزل للاهتمام بولديها الصغيرين. كانت تتراجع اكثر الى الظل كلما تسلطت الأضواء على زوجها الذي بدأ نجمه يسطع في الوسط السياسي منذ العام 1975. اعلن استقلال بنغلادش من اذاعة صغيرة محلية قبل ان تعينه حكومة المنفى رئيساً لبنغلادش في العام 1971. حاولت قوات الاحتلال الوصول اليه للقبض عليه. عندما عصي عليها الامر، أوقفت زوجته بدلاً منه، ثم اطلقتها مع الفوز الساحق في كانون الثاني يناير من العام عينه واعلان الاستقلال. اسس زوجها بعدها الحزب الوطني البنغلادشي، ولم تكد خالدة تتمتع بشبه استقرار زوجي حتى نسف الانقلاب الذي نفذه الجنرال محمد حسين ارشاد حياتها من القاعدة. مات زوجها قتلاً في ايار مايو من العام 1981، واعلن الجنرال ارشاد الاحكام العرفية في العام 1982. اضطرت عندها لملء الفراغ الذي خلفه زوجها خصوصاً ان بعض المسؤولين في حزبه التحقوا بالحكومة العسكرية. حاولت خالدة جاهدة التملص من المسؤولية السياسية من دون ان تنجح. فولداها باتا كبيرين نسبياً ويجب الا يذهب اغتيال زوجها سدى. لذا، عندما عينها رئيس الحزب الوطني نائبة له، لم تتردد في قبول المهمة. بدأت بدورها تصعد الى القمة مع تراجع اسهم رئيس الحزب الذي انسحب بهدوء من الحياة السياسية تاركاً زمام الامور لها، خصوصاً انها اثبتت قدرتها على التشبث بمبادئها على رغم كل الضغوط التي تعرضت لها. لم تكد تمضي سنة واحدة على وجودها في نيابة رئاسة الحزب حتى انتخبت في منصب الرئيسة في العام 1984. بدأت خالدة تناضل لاستقلال ديموقراطي حقيقي في ظل حكم حسين ارشاد المستبد. سجنت ثماني مرات في تسع سنوات من دون ان ترتدع، الى ان نجحت في قيادة المعارضة بالاتفاق مع الأحزاب الثمانية في بنغلادش، واجبرت ارشاد على تسليم الحكم الى حكومة محايدة في العام 1990 وأنهت بالتالي تسعة اعوام من الحكم الأوتوقراطي. بعد اشهر معدودة، تحولت خالدة اول رئيسة حكومة نسائية في البلاد في اعقاب انتخابات حرة ونزيهة رشحتها لهذا المنصب. انصرفت اولاً الى تحويل الحكومة برلمانية حفاظاً على الديموقراطية. ثم بقيت في الحكم لفترة ثانية بعدما سجل حزبها فوزاً ساحقاً في العام 1996. سعت لتحقيق اصلاحات مهمة في ميدان الثقافة والتعليم مشددة على منح كل الفرص للعنصر النسائي، اكان من حيث التعليم الاجباري حتى سن العاشرة ام التعليم المجاني الابتدائي. لم تحظ خالدة بحظ للحكم في الانتخابات الثالثة على رغم انتخابها نائباً في البرلمان ودخول حزبها تاريخ البلاد بعدما فاز ب116 مقعداً نيابياً، ما حوله اكبر حزب معارض في البلاد. وما لبثت ان نظمت المعارضة مجدداً، آملة في العودة بقوة الى الحكم. فنظمت تظاهرات وحركات احتجاج شعبية لم تؤد النتيجة المرجوة منها. وبقيت منتظرة سنتين حتى تمكنت في العام 2001 من العودة الى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، حاملة عنوان محاربة الفساد والارهاب. باتت المرأة الأقوى في تاريخ بنغلادش، وكانت توحي بالثقة والرهبة في"الساري"، وهو زيها التقليدي الأصفر الطويل.