أجلس في مكتبي اليوم، بعد أن أخذت أطول "دوش" في حياتي، وحلقت ذقني طلوعاً ونزولاً، وأعملت فرشاة الأسنان وقتاً مضاعفاً في أسناني، وسرّحت شعري وحاجبي، وأزلت شعرات فوق الأنف وداخله... وطبعاً فأنا ارتدي أفضل سترة ايطالية في حوزتي. أجلس في مكتبي، وأنا أغالب "العطاس" لكثرة ما استعملت من كولونيا الحلاقة، وانتظر أن تدخل عليّ حسناء شابة تطلب يدي. لماذا تطلب يدي؟ لماذا اليوم؟ اليوم هو 29 شباط فبراير فالسنة 2000 سنة كبيس، وهناك تقليد بريطاني خلاصته انه في هذا اليوم فقط يحق للمرأة أن تطلب يد الرجل، وهو تقليد يعود الى سنة 1288، عندما أعطت الملكة مارغريت، ملكة اسكوتلندا، النساء هذا الحق، فلا يستطيع الرجل الرفض إلا إذا كان متزوجاً، أو إذا دفع غرامة كبيرة لطالبة القرب التي يرفضها. لن أرفض أحداً... يعني شحاذ ومشارط؟ ويبقى أن تعرف الغيد الحسان أنني بانتظارهن. وأريد قبل أن أمضي في الموضوع أن أشرح للقارئ أمراً فالسنة الكبيس تأتي مرة كل أربع سنوات، وتكون معرفتها سهلة فإذا كان رقمها يقسم على أربعة قسمة صحيحة تكون كبيساً. وهكذا فقد كانت سنة 1996 كبيساً. غير أنني ارجح أن القارئ لا يعرف أنه حسب التقويم الغريغوري، ولضبط السنة حتى آخر ثانية فيها، فقد تقرر أنه في السنة التي تنتهي بصفرين لا يكفي أن يقسم العدد على أربعة لتصبح كبيساً، بل يجب أن يقسم على أربعمئة، وهكذا فالسنة 2000 كبيس، إلا أن سنة 1900 و1800 و1700 لم تكن كبيساً رغم أنها كلها تقسم على أربعة قسمة صحيحة، وانما كانت سنة 1600 آخر سنة كبيس بين المئويات. وكما يرى القارئ، فأنا أعرف أشياء كثيرة لا تفيد ولا تسمن عن جوع، وإذا اختارتني اليوم العارضة كابريس، التي سمعت أنها راغبة في الأمير اندرو، فأنا استطيع أيضاً أن أحكي لها عن قضية الشرق الأوسط والشعر الاندلسي وفريق الشباب السعودي، وكل الأمور التي تتحرق شوقاً لمعرفتها ولا يستطيع الأمير اندرو أن يفيدها فيها. مع ذلك تساورني شكوك أن عارضات الأزياء "السوبر" لا يتابعن فريق الشباب بمثل حماستي، فهناك على الانترنت صفحات عدة لنصحهن في أصول اصطياد الرجل المناسب، وهناك كتب تتناول الموضوع نفسه، وقد فتشت فيها جميعاً فلم أر اشارة واحدة الى قضية الشرق الأوسط أو أي فريق كرة عربي، حتى ان الأهلي والزمالك غائبان عن الصورة. كتاب "القوانين" أو "القواعد" لم يكتبه ارسطو، لذلك فقد بيعت منه ملايين النسخ في الولاياتالمتحدة، والقوانين أو القواعد المذكورة هي خطوات لا غنى عنها لاصطياد الرجل المناسب. وفي حين أن الوصايا في التوراة عشر فقط، فهي أكثر من ألف في هذا الكتاب، وخلاصتها كلها "التقل صنعة"، وهو ما تعرفه كل راقصة شرقية في مصر، من دون أن تعرف الانكليزية، أو تقرأ قواعد اللعبة على الطريقة الأميركية. على الطريقة الانكليزية، اللعب أصعب لأن الزواج راحت "موضته"، فاثنان من كل خمسة مواليد في بريطانيا، وفي أكثر الدول الأوروبية، وفي الولاياتالمتحدة ايضاً، يولدون خارج مؤسسة الزواج... يعني أنهم أولاد زنا. وإذا كنا لم نستطع التعامل مع أولاد الحلال حتى الآن، فلا بد أن الجيل العربي القادم سيجد صعوبة أكثر في التعامل مع أولاد الحرام. في المناسبة مناسبة أولاد الحرام سمعت رجلاً يقول عن امرأة انها خانته... فقد رجعت الى زوجها. في المناسبة أيضاً، استطيع أن أثبت احصائياً سهولة الزواج من الأميركية كابريس، أو الانكليزية نعومي كامبل، أو الألمانية كلوديا شيفر، فإذا كان القارئ موافقاً على الزواج، والمأذون موافقاً أن يزوجه، فلا يبقى سوى موافقة ذات الحسن والجمال، إلا أن موافقتها غير مهمة طالما ان أخانا يملك غالبية الثلثين، وهي غالبية مطلقة تكفي لتعديل الدستور، فلا بد أن تمكن الراغب من الزواج. طبعاً أنا اكتب هاذراً، فأنا مثل القارئ المتزوج والسعيد جداً في زواجه لأن زوجته أكدت له ذلك. والقارئ يقول مرة واحدة والتوبة، وهو وأنا نعلم أن العارضات "السوبر" يردن ما لا طاقة لنا به. وقد كانت هناك التي قالت انها تزوجته لأنه مليونير، وأيضاً تزوجته عن حب. وسئلت كيف حدث ذلك فقالت انها تحب الفلوس. وتشبه هذه القصة ما سمعنا عن شاب طلب يد فتاة فرفضته، وسأله صديق مستغرباً: ألم تخبرها ان خالك مليونير؟ ورد الأول: خبرتها، فأصبحت خالتي. القارئ وأنا خبراء في قضية الشرق الأوسط والقضية الكروية، غير أن فتاة اليوم تريد شيئاً آخر، مثل تلك التي قالت لها أمها انها لا يمكن أن تتزوج شاباً لمجرد أنه يرقص جيداً. وردت البنت: هو يلعب البريدج أيضاً. وأخيراً، أكاد أسمع قارئاً يقول لي ماذا يجعلني اعتقد أنني سأستفيد من تقليد بريطاني في 29 شباط، وأنا لست انكليزياً شكلاً أو موضوعاً. وأقول انني أدفع 40 في المئة من مرتبي ضرائب للانكليز، فلا أقل من أن أستفيد منهم في مجال الدعابة الاجتماعية.