1 عراق الحرية هو مركز الكلمات التي تعبّر عن موقف رافض للاحتلال الأميركي في العراق. عراق الحرية. جملة وحدها. وفيها ما لا نستطيع أبداً كتابته كاملاً. فالكتابة لا نهائية. وعراق الحرية هي العبارة الأشد امتلاء. بها نتقدم نحو نفسنا، إن نحن كنا نؤمن بالحرية كقيمة إنسانية لا تقبل التفاوض. عبارة لها هيبة الملاحم بقدر ما لها فداحة الفجيعة. وهي وحدها التي تقود الكلمات التي لا تخون. عراق بدر شاكر السياب. عراق محمد مهدي الجواهري. عراق عبدالوهاب البياتي. عراق سعدي يوسف. عراق ضياء العزاوي. عراق جواد الأسدي. عراق نصير شمة. عراق صمويل شمعون. عراق الحرية هو الأصعب، عندما نكتب عن الحرية. وهو الأكبر، عندما تبدأ كلمة في الذبذبة على اللسان فلا نكبتها. هو أول الكلمات في وحدة مفجوعة أمام الصور والأحاديث والرسائل والكتابات والأعمال الفنية. وفي محيطها عوالم لن يكتبها أحد بما هي عليه في الأيام والليالي. حتى لو كان ثمة عهدٌ على أن يكتبها الأحياء والذين سيولدون بعدهم واللاحقون عبر أجيال. هي النهر لا المنبع. دجلة والفرات. ولجلجامش فيها مجدُ الآلهة الناطقة. في العبارة، هذه العبارة، تتنفس كلمات بها أكتب. منصتاً، مشاهداً، متحاوراً. ولي منها قسط من حرية بها أقاوم أيضاً. تلك وديعةُ الكلمات، التي لم تخُنْ من قبل عراق الحرية. وهي هناك في ذاكرة من لا ينسون أن للعراق أصدقاء لم يلقوا كلمة واحدة من كلماتهم يوماً على مائدة طاغية، مهما كان اسمه. وهي بالصداقة نفسها تنصت، تشاهد وتحاور. لا من قريب ولا من بعيد. كل المسافات القابلة للعد والقياس وهمية. إنها تكتب من الصداقة وحدها. ومنها الكلماتُ تنشأ واضعةً عراقَ الحرية في مركز الكلمات. لن أظن أكثر مما أعيش في علاقة يومية مع حياة العراق. وليست مهمتي أن أتفحص درجات اللون الواحد لعبارة عراق الحرية. فلي قبل ذلك أن أتذكر أنني من الساهرين على معاني الكلمات. وهو ما يفيد أن درجات اللون من اختراع من يتوهَّم أن عراق الحرية قابلٌ للتجزئة. ألواناً. ألواناً. فبيني وبين عراق الحرية ما بيني وبين الإنسان. حرية أن يعيش مستقلاً، كريماً، آمناً. كلمات حدد تاريخ الإبداع والفكر معانيها. ومن هذه المعاني مبتدأ الكتابة والشهادة. قد يكون ذلك عذاباً. ثم ترى أنه كثيراً ما كان كذلك عبر تاريخ إنساني عريض وقد يكون اليوم وبعد اليوم، كلما نطقنا باسم الحرية. وفي عراق الحرية ما يضيء. لألأةٌ خفيةٌ لكلمات عن العراق عندما تتعرض الكلمات للامتحان. في التلقي والتخيل. في الجانب المقابل، القارئ. فنحن علينا ألا نغتر وننسى. للكلمات تاريخ ولها مسالك بين البصر والفهم والشرح، أو بين السمع والتأويل. مناطق معتمة نتواضع أمامها ونحن نتفقَّد ما تؤول إليه في الذهاب والإياب. بين كتابة وقارئها. كلمات تضيع أحياناً وأحياناً لا تعود إلى مسكنها. لكن عراق الحرية يضيء المسالك التي نخاف أن نعبرها في منتصف الليل. والبرد. والقتل. لها هذه الطاقة السرية التي تجعل الجسد ينتفض كما كان جسد المتنبي ينتفض، في قصيدته وفي حياته. 2 عراق الحرية هو الكلمة في الأولى في"الكذب الأميركي". لكن إخواناً عراقيين لم يقرأوا هذه النواة المضيئة، في كتابة لا تدل السالكين على الطريق المستقيم للوصول إلى عراق الحرية من أقصر الطرق. أي ما عَّرفه اليونانيون القدماء بالخط المستقيم. ثلاثةُ ردود اطلعت عليها، في موقع"كيكة"، وقد نبهني عليها أصدقاء. لا بدّ من أن تطلع عليها. ألحّ صديق وصديق. وفيها قرأت ما كان يمكن أن يقع في القراءة. أقصد الحادثةَ. وقعت حادثةٌ في القراءة. وهي خطر محدق بكل كتابة. بدلاً من أن أنفعل، قلتُ: لا. توضيحٌ أنفع من أيّ انفعال. توضيح عن منطق حفْر المسالك المؤدية إلى عراق الحرية، في غياب خط مستقيم. ذلك يعني كلَّ حوار ممكن عن المواقف والوعي بها. حوار يفيدنا في إعادة المعاني إلى كلماتها، بعد أن سرقتها وشوهتها خطابات يتم تداولها بسرعة وبسرعة يتم تبديلُها. هي لعبة الإعلام والسياسة. توضيحٌ أنفع من انفعال. فما أكتبه ليس خبراً ولا تعليقاً صادرين عن صحافي. وهو في الوقت نفسه ليس بياناً حزبياً. للخطاب الصحافي والبيان الحزبي قواعدهما وتقنياتهما. أما"الكذب الأميركي"فله منطقُ كتابة ثقافية، تعتمد بناء لربما كان الحلزونُ شكلَه الذي يختفي عن القراءة الأولى. لربما هو المتاه. من هنا تصبح الحادثة في القراءة أكثر احتمالاً، عندما نكون متعجلين في قراءة ما نقرأ ونحن نخلط بين الخطاب الصحافي والبيان الحزبي والكتابة الثقافية. لهذا كله يبقى التوضيح أنفع. عراق الحرية هو نواة"الكذب الأميركي"، كما كان نواة مقالات وكتابات كنتُ على امتداد فترات من الحرب وما قبلها وبعدها نشرتها في هذه الزاوية من جريدة"الحياة". ما أعرف هو أن أصدقاء عراقيين، من الداخل ومن الخارج، كانوا يتصلون ليخبروني بأنهم قرأوا. وفي كل مرة كانت معاني الكلمات مشتركة بيننا. ولا أحتاج للإدلاء بشهادة براءة من عهد صدام حسين. ذلك لا يعنيني. فأنا لم أخن عراق الحرية حتى أكون اليوم متهماً. بل أكاد أفهم هؤلاء المنتقدين لي بما تجرأوا به من دون أن يعرفوا. ولا يهمُّ ما الذي سيكون عليه رأيهم لو عرفوا. وأنا أنصت للنهر. دجلة والفرات. بداية الضوء عراق الحرية والوصول إليه غير آمن في زمن يطلب من الكاتب أن يتخلى عن المبادئ، أي أن يتخلى عن القيم الكبرى التي صقلتها البشرية عبر تاريخها وتحتاج لمن يظل ساهراً عليها في الكلمات. ذلك هو اسم الفلوجة الذي قطع الخط المستقيم على بعض ممن كانت الكتابة ترغب في وصولهم إلى عراق الحرية. بل هي الفلوجة التي وضعوا لها تعريفات تبتعد عن القيم الكبرى. فأهل الفلوجة أو 96 في المئة منهم على وجه التحديد لدى منتقد"كانوا يعملون في أجهزة صدام". لا. إن الكتابة عن الفلوجة من"الطائفية البغيضة"التي تفضِّل السنَّة على الشيعة. أو عندما تبدأ"مقالة باسم الفلوجة، فإن الكاتب ينطلق من التضامن الشديد والمفرط مع الفلوجة. لا فلوجة الناس بل فلوجة الإرهابيين، التي يقودها الزرقاوي". أو تصبح القراءة باختصار"مغلوطة لدى الذين يكتشفون متأخرين فضيلة الخطاب الزرقاوي". أو هي أولاً وآخراً"قراءة باسم السنة والعروبة"، يعرضها على الشارع العربي مغربي يصدّر الإرهابيين إلى العراق. 3 الفلوجة، في هذه الانتقادات، مدينة مجرمين، من السنّة. خدموا صدام حسين في الماضي وهم اليوم إرهابيون، أو أن القوات الأميركية لم تهاجم سوى الارهابيين من بينهم، تحت قيادة الزرقاوي. هذا هو الخط المستقيم، الذي زاغت عنه مقالة"الكذب الأميركي". بداية واضحة تقابلها نهاية واضحة. وأنت أيها المغربي تناصر الارهابيين لأنك سُنيٌّ، مغربي، عربي. ولك أن تستفيض. كان من المفروض أن أكتب توضيحاً على صفحات"كيكة"، توضيحاً أنفع من انفعال. لكن"كيكة"نشرت إعلاناً تعتذر فيه عن استقبال أي مادة للنشر، في هذه الفترة، بسبب تجديد الموقع. وها أنا أختار كتابة توضيح في هذه الزاوية المنشورة في جريدة"الحياة". توضيح لا ينتهي بعراق الحرية الذي هو ضوء القراءة. نحتاج إلى كلمات أخرى كلما استدعى الأمر توضيحاً بين من يكتب ومن يقرأ. والطريق ليس مستقيماً. أفترض أنني إنسان، قبل أن أكون مغربياً أو عربياً. فهل من حقي، أولاً، أن أكتسب صفة إنسان، التي هي من مبادئ الفكر الحديث والحداثة، ثم أن أكتب، بهذه الصفة وبها وحدها، ضد ما يتعارض مع ما أومن به من قيم كبرى دافعت عنها الإنسانية عبر تاريخها؟ هذا السؤال يشغلني. كان نيتشه كتب"علينا أن نرفعَ أمراضنا إلى مستوى الأفكار". بهذا الدرس كنت من قبل أستهدي وأنا به أكتب كلما وجدت نفسي أمام ما يستوجب الكتابة. درسٌ لما قبل الآن والآن. نعم. أن نرفع أمراضنا إلى مستوى الأفكار. بهذه الحكمة يكون ما حدث في الفلوجة، على يد الأميركيين، أكبر من اختزاله في تطهير العراق من وضعية طائفة دينية، مجرمة في نظام صدام حسين، ولا من أصحاب الزرقاوي الإرهابيين. كما أن ما كتبته لا يصدر عن سُنّي مغربي، عربي، ولا يتعرض للفلوجة وحدها. هذه القراءة الاختزالية صادرة عن الأمراض التي يجب أن نرفعها إلى مستوى الأفكار. ما حدث في الفلوجة هو ما يجري في العراق، ولا يتوقف عند عتبة مجرمين جاء الأميركيون للقصاص منهم. هو مأساة إنسانية، يعيشها الشعب العراقي، في أكثر من مكان. وعلى كل إنسان أن يكون شاهداً عليها، في السر أو في العلن. هذا مستوى الأفكار في قراءتي لنيتشه وفي سعيي نحو ثقافة حديثة، لا تستجير بطائفة ولا بعقيدة ولا انتماء عرقي أو جغرافي. من القاسي أن نومن بفكرة الحرية ثم نقبل رؤية جندي أميركي يقتل"ضحية ترفع نصف اليد. وترفع صوتاً هو النحيب. والجندي يلهو. يضحك ضحكات عمياء. يصوِّب ويطلق الرصاص على الضحية". هي الصورة التي كتبتُ عنها. صورة ضحية مأخوذة من مسجد في الفلوجة شاهدها العالم. إنسان، قبل أن يكون من السنة أو الشيعة أو من أصحاب الزرقاوي. إنسان مهما كانت درجة جريمته. عراقي. والمسجد في العراق، والقاتل جندي أميركي. أي مكان يبقى في مشهد كهذا لسنّي أو زرقاوي؟ كيف لنا أن نحلم بعراق الحرية ونحن نقبل أن يقتل جندي أميركي إنساناً واقعاً على الأرض، منزوعَ السلاح، لا يقوى على الحركة، يستغيث مستسلماً؟ حتى الأميركيون نفسهم كانوا مضطرين لتحميل الجندي الأميركي مسؤوليته عن هذا القتل الوحشي، الذي يتنافى مع قواعد الحرب التي اتفقت عليها الدول، منذ القرن السابع عشر، ولا يزال مفعولها سارياً حتى اليوم. بل إن هذا الجندي الأميركي حكم عليه بالسجن. هناك من يقبل بهذا القتل، الذي لا علاقة له بالأمن ولا بالاستقرار في العراق. ولا بالحرية. قتل لا يعبأ بالإنسان والحق والعدالة. في السلم والحرب. ولكن عندما لا نقبل بهذا القتل، ويكون معنى الإنسان والحق والعدالة حاضراً في مواقفنا، فذلك برأيي هو الدفاع عن القيم الإنسانية الكبرى. بهذا أرفع الأمراض إلى مستوى الأفكار. وهي من الأفكار التي أحاول بها الدفاع عن وجهة نظري كإنسان تعلم أن القيم الإنسانية الكبرى لا تقبل تأويلاً يتعارض والمعنى المحدد للكلمات. صورة الضحية القتيل برصاص جندي أميركي، وهو يستغيث ويطلب الرحمة مستسلماً، صورة مصغرة للهجوم الأميركي على الفلوجة. كان الهجوم أول قرار يتخذه السيد الأميركي في عهده الثاني. أغلب سكان المدينة هجروا بيوتهم وتاهوا. منهم من وصل بغداد ومنهم من التجأ إلى قرى قريبة أو نائية عن المدينة. والباقون ليسوا جميعاً ممن اختار البقاء. العاجزون عن الهجرة لا بد من أن نتذكرهم. فهم هناك دائماً، في كل هجرة. ذلك ما أوضحتُه، على غرار ما أوضحتْه كتابات اطلعت عليها في الغرب، وفي الصحافة الأميركية أو الأنغلوساكسونية. فلا طائفية في الصحافة التي كتبت ونقلت الصور ولا مناصرة للأصولي الزرقاوي. كتابات وصور تتناول سكان الفلوجة، المهاجرين والعاجزين عن الهجرة، الذين كانوا يعرفون أن تدمير المدينة هو ما سيأتي. وكل ما تخيلوا أنه سيقع كان واقعه أكبر مما تخيلوا. وهؤلاء السكان ليسوا مجهولين في الغرب كما هم مجهولون بيننا. وما تخطئ أن تتعرف عليه القراءة المتعجلة، المتبعة للخط المستقيم، لما كتبته، هو أن الفلوجة استدعاء للعراق، حيث المقاومة لا تتوقف. 4 لنتقدم نحو ما يبدو أكثرَ إزعاجاً في"الكذب الأميركي". المقاومة في الفلوجة. أو المقاومة تحديداً. فالمنتقدون لما كتبته في"الكذب الأميركي"يرون في استعمال كلمة المقاومة جناية على معناها. فما كان في الفلوجة هو الإرهاب. والإرهاب الذي يقوده أصحاب الزرقاوي. وللتوضيح أن يستمر. كلمة المقاومة الآن، في الخطاب الفكري والفلسفي، ذات دلالة تتسع يوماً بعد يوم. هي المقاومة لحالة العالم في عهد عولمة تعمل على تدمير بهدف الهيمنة. والأميركيون يهيئون وينفّذون. تلك هي السياسة الأميركية، في تاريخها. وهي اليوم تفرض سيطرة على العالم. لذلك فإن ما يحدث في العراق لا في الفلوجة وحدها من طرف الأميركيين يندرج ضمن سياق هذه السياسة الأميركية التي اتضحت، منذ الحرب العالمية الثانية، على المستوى الدولي. ولا نستطيع، بعد هذا، أن نقرأ ما يحدث في العراق من خارج نسق السياسة الأميركية. تحرير العراق هو تحرير من كل طغيان ومن كل هيمنة. تلك هي روح المقاومة التي نراها متفرقة وبصيغ متعددة في العراق. ما نسمع ونقرأ ونشاهد يقدم لنا وقائع يومية عن روح هذه المقاومة التي لا تقتصر على جماعة دون غيرها، ولا على منطقة دون غيرها، ولا على شكل دون غيره. هي مقاومة تؤكد الكذب الأميركي الذي كان وعد أنه سيدخل العراق محرراً وعلى عتبات البيوت سيقف العراقيون لاستقبال الجيوش بالزهور. لم يدخل الأميركيون العراق محررين، بل محتلين، ولم يقف العراقيون على عتبات البيوت بالزهور، بل بالمطالبة بإنهاء الاحتلال. مطلب نسمعه ونقرأه ونشاهده. كتابات أميركية نفسها فضحت الكذب الأميركي في سياسته الخارجية، على المستوى الدولي. فهل ما تقوم به القوات الأميركية في العراق استثناء؟ وهل الأوامر التي يصدرها السيد الأميركي ونحن نسمعها ونقرأها ونشاهدها تجاه ما يجب أن يُفعل وما لا يجب أن يُفعل في العراق مجرد توهم؟ التأمل في هذين السؤالين يقودنا إلى معرفة الموقف الذي تصدر عنه أي كتابة من الكتابات عن العراق. نريد أن نعرف أولاً. فالكذب الأميركي اليوم في العراق هو كذبه بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا واليابان. بل هو نفسه في فرنسا، التي كان دوغول أول من أعلن عصيانه على الكذب الأميركي. ومقاومة الكذب الأميركي منتشرة في العالم. وهي في العراق. والطريق إلى الأمن والاستقرار فيه لا يمر عبر هذا الكذب. طرق أخرى نعرفها كانت مقترحة. والعراقيون نفسهم يدافعون عنها. ولست لآخذ كلمة السياسي ولا النيابة عن العراقيين ولا أن أتسمَّى بصاحب القرار. فما يبقى في وضع كهذا هو التذكير مرة أخرى بالإنسان، الذي تتعالى في العالم أصوات الدفاع عن حقوقه. إطلاق رصاص جندي أميركي على إنسان منزوع السلاح، ملقى على الأرض، يستغيث مستسلماً ويطلب الرحمة، مشهد يعيد علينا حرفياً ما يقوم به القتلة. وهو لذلك يرغمنا على أن نختار بين أن ندافع عن القيم الإنسانية وبين أن ننسى أن الإنسان سابق على الطائفة وسابق على العقيدة. القتل والتشريد والدمار ليس طريق الأمن والاستقرار. ليس الكلمة المدافعة عن القيم الإنسانية. وفي الطريق إلى عراق الحرية عذابُ العراقيين الذي يجب ألاّ ننساه. 5 ولي أن أذكر مرة أخرى بالمبدعين العراقيين، الذين فكرتُ فيهم وأنا أنتقل في"الكذب الأميركي"إلى عُلوِّ روح المقاومة في تاريخ العراق الحديث."الريحُ تصرخُ بي: عراقْ/ والموجُ يُعولُ بي: عراق، عراق، ليسَ سوى عراقْ". بيتان شعريان لبدر شاكر السياب منذ أربعين سنة وهما يعيدان على سمعي صوت عراق الحرية. وفيهما، اليوم، ألتقي بأعمال فنانين عراقيين مضادة للكذب الأميركي. لهذا الصوت كتبتُ أنهم"يستحقون تكريماً إنسانياً خاصاً بهم". هؤلاء الفنانون يعيدون صياغة عراق حديث، أكبر من الطائفة وأبقى مقاومةً للطغيان. هؤلاء الذين قرأت لهم، تعلمت منهم، صادقتهم، لم يشترطوا عليَّ طائفة ولا انتماء عرقياً أو عقائدياً أو جغرافياً. ما كان بيننا هو الإنسان، الذي من أجله كان لنا العراق مشتركاً، عراق الحرية.