هل تجرى الانتخابات العراقية في موعدها، أي في موعد لا يتجاوز نهاية كانون الثاني يناير المقبل؟ الأرجح ان يكون الجواب بالايجاب على رغم العنف المستمر. وفي حين ان رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي يعد بانتخابات في جميع أنحاء البلاد، فإن الجنرال توماس ميتز، قائد عمليات قوات التحالف 150 ألفاً معظمهم من الأميركيين أشار الى إمكان تجاوز نقاط ساخنة مثل الفلوجة وسامراء، مع إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها على رغم "سرطان" العداء لأميركا. في العراق اليوم ارهاب ضد عراقيين وأهداف اقتصادية، ومقاومة للوجود العسكري الأميركي، ولا يكاد يمضي يوم من دون وقوع ضحايا عراقيين، او استهداف خطوط النفط أو الكهرباء. غير ان المقاومة للأميركيين تظل أعنف، خصوصاً في وسط البلاد وغربها، حيث ينشط العراقيون السنّة، وفي العاصمة بغداد والجنوب حيث يقود المقاومة عراقيون شيعة، خصوصاً من أنصار السيد مقتدى الصدر الذي يمثّل فقراء طائفته. أعتقد ان هذا المقال لن يُنشر حتى يكون عدد القتلى الأميركيين منذ الحرب قد بلغ ألفاً، معظمهم سقطوا بعد إعلان الرئيس بوش "نهاية" الحرب في أول أيار مايو من السنة الماضية. وكان عدد القتلى الأميركيين وصل الى 991 رجلاً وامرأة الاثنين، وأكتب الثلثاء وأخبار الصباح تتحدث عن قتيل أميركي آخر في معركة في مدينة الصدر قُتل فيها 34 مسلحاً عراقياً. المسلحون من أنصار مقتدى الصدر يوجّهون حركة المرور في النهار، ويقاتلون الأميركيين في الليل، وفي حين يُفترض ان يتحوّل جيش المهدي الى قوة سياسية، فإن رفض الصدر نزع سلاح رجاله يعرقل السير في المشروع. وهو قال بصراحة ان لا حل سياسياً مع الوجود العسكري الأميركي، ما يعني عملياً استبعاد جماعته من العملية السياسية، الا ان خبراء محليين يصرّون على ان هذا الموقف ليس الكلمة الأخيرة للزعيم الشيعي الشاب. كيف يمكن اجراء انتخابات مع هذا العنف الذي يعصف بالبلاد كلها تقريباً، باستثناء الشمال الكردي؟ يُفترض ان يكون هناك تسعة آلاف مركز اقتراع في طول البلاد وعرضها، الا ان سيطرة الحكومة الانتقالية والأميركيين لا تشمل جميع المناطق، والجنرال ميتز اعترف صراحة بأن من غير الممكن اجراء الانتخابات اليوم. هذا يعني ان الأميركيين وأركان حكومة الدكتور علاوي يتوقّعون، أو يرجون، ان يتحسّن الوضع مع بداية السنة الجديدة، وثمة أسباب للتفاؤل، فمع ان العداء للأميركيين لن يخف أو يتراجع، فإن الدكتور علاوي يعمل بصبر وذكاء على مستويات عدة، منها إضعاف جيش المهدي لاقناع مقتدى الصدر بالمشاركة بالعملية السياسية، وهو يفتح حوارات بعد المعارك، ولا يهمل اي فريق، فقد تفاوض أيضاً مع قادة المقاومة السنية في الفلوجة والرمادي وسامراء، واستقبل عدداً من وجهاء مناطقهم لفتح حوار معهم، ثم ان هناك تركيزاً على معالجة الوضع الاقتصادي وعدم الاكتفاء بالتركيز على السياسة. الاستراتيجية العامة هي التهيئة لمشروع كبير للمصالحة الوطنية لا يستبعد البعثيين الذين كان الدكتور علاوي يوماً واحداً منهم. والبعثيون في العراق اليوم منقسمون الى ثلاثة: فواحد أقرب الى التعاون مع الحكومة، وآخر متردد يفضل الانتظار، وثالث يصرّ على العمل العسكري. الحوار سيؤدي الى قيام ائتلاف قبل الانتخابات، وهذه قناعتي، ولكن السؤال هو هل يكون الائتلاف واسعاً أو محدوداً؟ لا سبب يمنع تفاهم حركة الوفاق والحزب الشيوعي ومجموعة عدنان الباجه جي، ومجموعة سعد صالح جبر، والحركة الاشتراكية العربية، مع تيارات أخرى مثل الاحزاب الصغيرة، من وطني ديموقراطي وغيرها. وهناك الأكراد الذين لهم مصلحة في الانضمام طالما ان العراق دائرة انتخابية واحدة، مما يجعلهم في حاجة الى تحالفات في الوسط والجنوب، لأنه لو اجريت الانتخابات على أساس دوائر لضمنوا مقاعدهم في البرلمان عبر كردستان العراق. التنافس سيكون على 270 مقعداً في الجمعية الوطنية المقبلة، والصراع سيكون على أول 50 إسماً في قائمة الائتلاف، لأن أصحابها سيكونون الأوفر حظاً بالفوز. ولا بد من ان يحاول كل حزب أو جماعة تصدر القائمة، بما يعكس شعوره بمدى التأييد الشعبي له. إذا لم تسفر جلسات الحوار الحالية عن ائتلاف كبير، فإن الائتلاف المحدود من ستة أحزاب أو نحوها سيظل أكبر مجموعة تخوض الانتخابات. ويبدو ان المؤتمر الوطني العراقي، اي جماعة السيد أحمد الجلبي، استبعد من جلسات الحوار الدائرة، والأرجح ان يخوض الانتخابات وحده، أو مع جماعات أخرى تجد نفسها وقد ركنت جانباً. ولكن سواء كانت هناك مصالحة وطنية شاملة أو محدودة، فإن نجاح الانتخابات يعتمد أولاً وأخيراً على مدى استتباب الأمن. والمنطق يقول ان الأمن لن يستتب نهائياً قبيل اجراء الانتخابات غير ان تحسن الأوضاع الأمنية في شكل كافٍ لاجراء الانتخابات في جميع أنحاء البلاد سيكسب الجمعية الوطنية المنبثقة منها شرعية، ستكون منقوصة اذا استبعدت مناطق ساخنة من العملية. أرجو ان تساعد دول الجوار العربية حكومة الدكتور علاوي بكل الوسائل المتاحة لتتمكن من تنظيم انتخابات تسفر عن برلمان يضع دستوراً دائماً للبلاد، ويضعها بالتالي على طريق العافية. وأعرف ان الكويت تساعد، وبدأت سورية أخيراً تلعب دوراً مساعداً، اقتصادياً وسياسياً، مع ضبط الحدود المشتركة، ودول الخليج الأخرى كلها تحاول، فاستقرار العراق مصلحة قومية لها كما هو للعراق، لذلك ففرص النجاح متوافرة.