هجمة المهرجانات السينمائية التي تشهدها هذه الأيام العاصمة اللبنانية، تبشر بمستقبل لسينما ما كانت لتقوم من رمادها في هذا البلد لولا اصرار جيل شاب من محبي الفن السابع على تحدي المعوقات الكثيرة والمحاربة على طريقته سعياً لخلق سينما جادة في ظل غياب الاهتمام الرسمي الكامل لها. مهرجانات صغيرة، لا تجد أي دعم يذكر تشكل نقطة لقاء لعشاق السينما، وتعرف الجمهور الى أعمال لا مجال لمشاهدتها في غير هذه المهرجانات، إذ أن الصالات السينمائية والتلفزيونات المحلية لا تزال بعيدة عن استيعاب هذه المادة السينمائية التي باتت المهرجانات المكان الحصري والوحيد لها الى حد كبير. حركة سينمائية ناشطة في بيروت... مهرجان يروح وآخر يجيء... فما ان أغلق مهرجان "نما ولد في بيروت" أبوابه مطلع هذا الأسبوع، وما ان بدأ الحديث عن مهرجان السينما الأوروبية ومهرجان بيروت السينمائي، حتى بدأت "عجقة" التحضير لمهرجان آخر، مهرجان "أيام بيروت السينمائية" الذي يبدأ في الخامس عشر من الشهر الجاري ويستمر حتى السادس والعشرين منه. أكثر من مئة فيلم مشارك 13 فيلماً طويلاً، 40 فيلماً وثائقياً، 45 فيلماً قصيراً إضافة الى أفلام تجريبية وأفلام طلاب. جديد دورة هذا العام تصويت الجمهور على أفضل فيلم قصير أو فيلم وثائقي لبناني، تعطى لمخرجه فرصة لربح معدات تساهم في انتاج لفيلمه المقبل تقدمة من شركة dark side، كما يسهم المهرجان في مبلغ قدره 2500 دولار تقدمة من "مؤسسة لبنان سينما" تعطى للمساعدة على كتابة سيناريو فيلم طويل، وذلك بغية تشجيع الانتاج اللبناني والمخرجين الشباب، هذا من دون أن نغفل ما يردده أصحاب المهرجان من أن مهرجانهم "فسحة تعارف لا مسابقة تنافسية". وينظّم المهرجان طاولات مستديرة ونقاشات أهمها ندوة عن السينما الفلسطينية إضافة الى محترف لسينما التحريك رسوم متحركة تحت ادارة المخرج الألماني فوك جيفريموفيك الذي حقق ستة أفلام قصيرة جالت في مهرجانات عالمية عدة إضافة الى ليالي "أندرغراوند" فيها مجموعة من فنون التجهيز والأفلام التجريبية، كما سيكون هناك معرض صور عن الصالات السينمائية القديمة من توقيع رين محفوظ، وعرض ثلاثة أفلام طول الواحد منها خمس دقائق من انتاج بيروت دي-سي، وقد أطلق على المجموعة تسمية 5x5، أما الأفلام فهي "ملعوبة" لقوصاي حمزة، "شاطئ سانت مايكل" لزياد سعد، و"ديكالاج" لكاتيا جرجورة. أفلام..أفلام بالنسبة الى الأفلام الأساسية، المفاجئ هو أن هذا المهرجان الشاب تمكن من الحصول على فيلمين كبيرين على الأقل، الأول فيلم قد تحلم أكبر المهرجانات العالمية، بعرضه "موسيقانا" للمخرج جان لوك غودار، وهو الفيلم الذي شارك أخيراً في مهرجان "كان" ونال الاعجاب في صفوف النقاد، أما الثاني فهو ذاك الذي لا شك تحلم المهرجانات العربية في استقدماه عنينا به "باب الشمس" للمخرج يسري نصرالله الذي سيكون فيلم الافتتاح، على ان يكون له عرض ثان في الوقت نفسه الذي يعرض فيه في المهرجان في مخيم مار الياس، وذلك في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا. ويتميز المهرجان البيروتي في شكل عام بأفلام روائية وثائقية ملتزمة، ناقدة، تحمل نظرة خاصة الى مجتمعاتها من المشرق العربي والمغرب. فيأتينا من لبنان الفيلم الطويل الأول لمحمود حجيج "الأكثرية الصامتة" بانتاج مستقل ومتواضع اضافة الى الفيلم القصير "فان اكسبرس" لايلي خليفة و"أولاد الأرز" لديميتري خضر، ومن مصر "كليفتي" للمخرج محمد خان الذي يخوض هنا تجربته الأولى المتميزة في السينما الرقمية و "بين النساء" لهالة جلال لنصل الى تونس مع فيلم محمد زران "أغنية الألفية" فالى الجزائر مع فيلم مالك بن اسماعيل "اغترابات". والأفلام عن فلسطين موجودة بكثرة في هذه الدورة من المهرجان، سواء كانت أفلاماً عربية أم اجنبية، ومن هذه الاعمال: "خلقنا وعلقنا" من إخراج علا طبري، "سوريدا امرأة من فلسطين" لتهاني راشد التي عرفت من خلال فيلمها "أربع نساء من مصر"، "كتاب الحدود" من اخراج سمير عبدالله وخوسيه رينياس سوريبه، "اجتياح" لنزار الحسن، "مثل عشرين مستحيلة" من اخراج آن ماري جاسير، و"الشهر التاسع" من اخراج علي مطر... أما تظاهرة "نظرة الى العالم العربي" فتمكن المشاهد التعرف الى أفلام تأتينا من الخارج وتحمل نظرة خاصة الى عالمنا، البداية هنا مع "موسيقانا" لجان لوك غودار يليه فيلم فريديريك لافون "1001 يوم" ف"2000 ارهابي" لبيتر سبيتجنز وهنرو سميستسمان في "2000 ارهابي" و"طريق الغرب" لغايل موريل. سينما من الماضي بعد ذلك كله، يعيدنا المهرجان البيروتي الى الأفلام الوثائقية في السبعينات والثمانينات لنكتشف أعمال أربعة مخرجين عرب صوروا أفلاماً في تلك الفترة وهم: عمر أميرلاي وأسامة محمد و وتهاني راشد وميشال خليفي. فنتعرف من جديد الى "السد" لعمر أميرلاي الذي كان تجربة صاحبه الأولى في عالم السينما 1970 و"الحب الموؤود" و "الى السيدة بنظير بوتو" وهي من مجموعة أسفار قام بها المخرج في عالم النساء. الأول صوره في مصر والثاني في باكستان، لنصل الى فيلم أسامة محمد "خطوة خطوة" الذي صور عام 1979 ولم يعرض "لأسباب سياسية"، كذلك نشاهد فيلماً آخر لتهاني راشد عن الحرب اللبنانية عنوانه "في بيروت... من قلة الموت" الذي صورته عام 1985 ولم يعرض قبلاً في بيروت، وأخيراً هناك فيلم ميشال خليفي "معلولا" الذي صوره في بلدة معلولا في فلسطين عام 1983. أما ضيفا المهرجان من الخارج فهما "أبونا" باللغة العربية من اخراج محمد صالح هارون من التشاد، و"فودكا ليمون" للمخرج هنير سليم وهو عراقي كردي صور فيلمه في أرمينيا. وأخيراً نذكر أن نشاطات "أيام بيروت السينمائية" لا تقف عند هذا الحد إذ تنظم جمعية بيروت دي-سي بالتعاون مع معهد الفنون في زوريخ أسبوعاً للأفلام العربية يعرض فيه عدد كبير من الأفلام التي تشارك في المهرجان، وهي تظاهرة يفيدنا أهل المهرجان أنها ستقدم أيضاً في مدن أوروبية أخرى.