جهاز تلفزيوني قديم يزين ملصق الدورة السادسة من «ايام بيروت السينمائية»، ونسخة فيلم «كارلوس» الخاصة بالشاشة الصغيرة (أكثر من خمس ساعات) تنتظر ليلة الختام. وبين الإثنين، مشاركة لقناة «بي بي سي عربي» من خلال فيلم سبق وعرض على القناة البريطانية بعنوان «يهود لبنان... الولاء لمن» (من إعداد وتقديم ندى عبدالصمد)، وندوة تفاعلية حول دور الإعلام الفضائي في تحرير الانتاج الوثائقي التلفزيوني من العوائق التي تقف حجر عثرة أمام انتاج وثائقيات مطلوبة وضرورية لتطوير المعرفة العامة والتأريخ... من دون ان ننسى مشاركة قناة «الجزيرة للأطفال» القطرية عبر فيلمين من إنتاجها. إنها «غزوة» التلفزيون ل «الأيام السينمائية»... او ربما تكون طوق نجاة المهرجان الذي يبدو انه يعيش أزمة مادية بعدما خذلته المؤسسات التي كانت تدعمه طوال السنوات الماضية، ما انعكس على الأفلام المشاركة التي تقلّص عددها مقارنة بالأعوام الماضية... كما انعكس على هامش الاستعانة بالتلفزيون موسّعاً إياه، سواء من خلال العروض او من خلال الرعاة الرئيسيين (منهم قناتا «بي بي سي عربي» و «آرتي» الألمانية - الفرنسية»). لكنّ التلفزيون ليس حاضراً وحده في «الأيام البيروتية». السينما موجودة أيضاً، حتى وإن لم يكن فيلم الافتتاح («كل يوم عيد» للبنانية ديما الحرّ) الذي عرض على جمهور سينما «متروبوليس» أمس موفقاً. فهذا العمل الذي يشكل باكورة أعمال الحرّ الروائية الطويلة أتى غير متماسك البتة... بل يمكن القول ان السيناريو فيه بدا أعجز من ان يطرح القضية الكبيرة التي نفترض ان الفيلم يريد ان يصوّرها: أزمة المفقودين في الحرب اللبنانية ومن خلالها بعض اوضاع المرأة العربية كما يبدو. ولا شك في ان كثراً من مشاهدي هذا الفيلم خرجوا منه تائهين، طارحين على أنفسهم السؤال: إذا كان هذا هو مستوى فيلم الافتتاح، فماذا ينتظرنا في الأيام المقبلة؟ فلسطين بوفرة ولكن، لا شك في ان ما ينتظر الجمهور في الأيام المقبلة أفضل بكثير مما شاهدوه امس. فالمهرجان الذي تستمر عروضه لعشرة أيام أخرى، يقدم مجموعة من أبرز الأفلام العربية التي عرضت في المهرجانات العربية والدولية خلال السنتين الماضيتين. ففي فئة الأفلام الروائية الطويلة هناك ثلاثة افلام من فلسطين هي، «المر والرمان» لنجوى النجار الحائز جائزة مهرجان الدوحة والرباط بين جوائز اخرى، و «زنديق» ميشال خليفي الحائز جائزة مهرجان دبي، إضافة الى فيلم رشيد مشهراوي «عيد ميلاد ليلى». ومن الجزائر فيلمان، هما «حراقة» لمرزاق علواش و «القبلة» لطارق تغية. وهناك أيضاً فيلم «الجبل» للبناني غسان سلهب، و «ابن بابل» للعراقي محمد الدراجي و «الليل الطويل» للسوري حاتم علي. ولمحبي السينما الوثائقية، اختارت إدارة المهرجان تسعة أفلام، هي: «شيوعيين كنا» لماهر ابي سمرا و «بحبك يا وحش» لمحمد سويد من لبنان. ومن فلسطين «العودة الى الذات» لبلال يوسف و «صداع» لرائد أنضوني و «ميناء الذاكرة» لكمال جعفري. كما يشارك المغرب من خلال «أشلاء» حكيم بلعباس، ومصر مع «جيران» تهاني راشد وسورية من خلال «في انتظار ابو زيد» لمحمد علي اتاسي، وتونس عبر «كان يا مكان في هذا الزمان» لهشام بن عمار.ولا تقتصر الأيام على هذه العروض فحسب، فهناك أيضاً برنامج للأفلام القصيرة يضم سبعة أفلام، وبرنامج آخر بعنوان «كلاسيكيات السينما العربية» يضم أربعة أفلام هي: «نهلة» للجزائري فاروق بن عمار و «الذاكرة الخصبة» لميشال خليفي و «عزيزة» للتونسي عبداللطيف بن عمار و «أحلام المدينة» للسوري محمد ملص. وهناك إلى هذا كله فيلمان يندرجان ضمن برنامج سينما الأطفال، وفيلم ضمن برنامج «صندوق سينما العالم»، إضافة الى برنامج أفلام الطلاب وبرنامج خاص بالتبادل بين مخرجين لبنانيين ودنماركيين. كما هناك مجموعة من الندوات، منها ندوة مع مخرج «كارلوس» أوليفييه أساييس وأخرى في إطار التبادل اللبناني الدنماركي مع آرن برو، وثالثة مع مدير المشاريع في «صندوق مهرجان برلين العالمي لدعم السينما» فينسنزو بونيو، ورابعة مع المخرجين غسان سلهب وطارق تقية، إضافة الى ورشة عمل «الوجه والوجه الآخر» لتطوير الفيلم الوثائقي. وفي إطار التكريمات، يكرّم المهرجان الممثلة اللبنانية ياسمين خلاط، كما يمنح خمسة آلاف دولار لدعم فيلم وثائقي لبناني قيد التنفيذ من تقديم مهرجان دبي السينمائي. موقف من الرقابة! إذاً، تكثر النشاطات الموازية لعروض الأفلام في هذا المهرجان الذي يطلّ على الجمهور البيروتي كل سنتين... وفي المقابل، تكثر الأحاديث عن الأزمة التي يعاني منها، والتي لن تمكّنه، كما هو ظاهر، من تحقيق حلم أصحابه، بأن يتحوّل الى تظاهرة سينمائية سنوية. ومع هذا ربما تعود الأزمة بالفائدة على المشاهد الذي لن يضيع بين الكمّ الكبير من الأفلام، إنما سيضع كل تركيزه على عدد محدود من الافلام، يختار منها اكبر نسبة ممكنة للمشاهدة. أفلام تطرح الهمّ الإنساني وقضايا العرب بلغة شبابية مفعمة بالحماسة. لغة تشبه حيوية القائمين على هذا المهرجان البيروتي. من هنا، بدا غريباً تعاطي المهرجان مع منع الرقابة اللبنانية فيلم «شو صار؟» للمخرج ديغول عيد. ففي حين وقفت جمعية «بيروت دي سي» التي تنظم المهرجان ضد قرار الرقيب نفسه بحذف دقائق قليلة من فيلم «سمعان بالضيعة» لسيمون الهبر، لم نسمع باحتجاج مماثل تجاه فيلم عيد الذي يقدم بأسلوب سينمائي مميز نوعاً من تصفية حساب شخصية مع الحرب اللبنانية من خلال عودة المخرج الى قريته ووضع قاتل امه في مواجهة شديدة القوة مع الكاميرا. فهل الشللية هي التي تحكم عمل إدارة المهرجان ام انها رأت ان الفيلم أقسى من قدرتها على الدفاع عنه باسم حرية الإبداع، خصوصاً في هذا الظرف المقلق الذي يعيشه لبنان، فكان سكوت مذهل عن منعه؟