مع اعلان الحكومة المصرية خطة لهيكلة قطاع المصارف في البلاد، يترقب المتعاملون مع المصارف من المستثمرين وصغار المودعين تبعات ذلك على حساباتهم مع المصارف الحكومية والمشتركة والخاصة. ويشهد القطاع المصرفي حركة نشطة من جانب المدخرين الافراد تؤدي الى تغيير هيكل الودائع المصرفية، بعدما اعلن مصرفان عن وعاء ادخاري جديد يوفر عائداً مرتفعاً ويستهدف مدخرات القطاع العائلي. تشهد السوق المصرفية في مصر حمى اسعار الفائدة المرتفعة على الودائع، التي فاجأ بها الاوساط المصرفية اثنان من المصارف العامة هما"البنك الاهلي"و"بنك مصر". ونجحت الظاهرة في تعديل الميول الادخارية لما يعرف بالقطاع العائلي، اي صغار المدخرين الافراد، الذي يشكل اكثر من 60 في المئة من حجم المدخرات الوطنية، ليتجه نحو تلك الاوعية الجديدة التي طرحها المصرفيون بسعر عائد 12 في المئة، بزيادة اربعة في المئة في المتوسط عن الاوعية الادخارية الاخرى. وإذا كانت هناك مبررات قوية لطرح هذه الاوعية الجديدة في اطار السياسة النقدية للبلاد، فإن على القطاع العائلي الذي يندفع وراء اسعار العائد المرتفعة الانتباه الى حقيقة معيار قياس العائد الذي اعتمدت عليه الدولة في تحديد هذه الزيادة. ويتعين التحسب لأي مخاطر يمكن ان تصيب صغار المدخرين هؤلاء بسبب هذا الاندفاع، وينبغي ان تكون العملية برمتها محل مراجعة ومساءلة داخل اجهزة الرقابة في البلاد. ومنذ الاعلان عن اوعية الادخار ذات العائد المرتفع، تزايد الإقبال على تلك الاوعية داخل المصارف واصبح الجانب الاكبر من النشاط منذ الصباح الباكر يومياً على مدى ثلاثة اسابيع ينصب على استحواذ هذه النوعية من المدخرين على القدر الاكبر من شهادات الادخار ذات العائد المرتفع. وبدأ البعض في تحويل مدخراته من اوعية الى اخرى، بحثاً عن التمتع بهذا العائد المرتفع. وتفرض تلك التحولات التزاماً ادبياً على المصارف في مواجهتها، بمعنى توفير ضمانات لعدم تعرض البعض منهم لخسائر غير منظورة يستفيد منها الجهاز المصرفي، على اعتبار انه لا حجر على سلوك اي مواطن وان الاصل هو حرية الارادة الفردية في الملكية الخاصة. وعلى رغم هذا المبرر القانوني، يرى الخبير المصرفي خليل ابو راس ان"استمالة المُدخر الى شراء شهادات ووثائق اي وعاء ادخاري امر مشروع، ولا يقع تحت طائلة الاعمال المجرَّمة قانوناً والا فإن المصارف ما كانت لتقدم عليها، كما ان اساس تقديم الخدمات المصرفية هو المنافسة، وهذا يعني انه لا قيود على تسعير المصارف لخدماتها، ولكن شريطة الا يتعرض العميل لأي من اعمال الغش او التدليس فيما هو معلن من اهداف تلك الاوعية وقواعد اصدارها والحصول عليها، وتبعاً لذلك فإن تعرض المدخر لأية خسائر بعد ذلك يتحمل تبعاتها بنفسه، لذا ينبغي ان تتوفر لديه خبرة الاختيار بين اشكال الادخار وادارة الفوائض التي يمتلكها". ويرى ابو راس ان طرح تلك الأوعية من قبل اثنين من مصارف القطاع العام يعني استهداف تلك الشريحة من المدخرين عمداً، لأن تلك المصارف هي اكثر مستحوذ على أرصدة هذا القطاع. وتتركز المخاوف التي تنتاب السوق من هذا الاجراء على التغيير الذي احدثه في هيكل الايداعات، سواء داخل تلك المصارف نفسها، او داخل السوق المصرفية بأسرها. ومن شأن التحولات في هياكل الإيداع واندفاع المدخرين وصغار المستثمرين نحو الأوعية مرتفعة العائد حرمان القطاع المصرفي من مراكمة عائدات الأوعية الاخرى، التي تسبب ظهور الاوعية الجديدة في هجرة القطاع العائلي لها. ومن جانبه، يلاحظ نائب المدير العام في المصرف العربي الافريقي احمد سليم ان"اقبال صغار المدخرين والقطاع العائلي على الأوعية الادخارية الجديدة وضع طبيعي، ولكن المبالغة التي حدثت في ردود فعل هذا القطاع وسريان بعض الشائعات حول قصر أجل طرح هذه الاوعية تسببا في مزيد من الاندفاع الى تملكها، وهو ما دفع اكثر من ستة مصارف الى طرح أوعية مماثلة داخل السوق". ويرى سليم ان"هذا التحرك ربما كان توسعاً في سلوك لا ترغب السلطات النقدية في توسيع نطاقه، وهنا قد يصبح هذا التوجه تهديداً على المدى الطويل لوضع السيولة داخل المصارف، خصوصاً وانه يرفع بشكل مباشر كلفة الاموال، وبالتالي اسعار الاقراض".