لم يعلم بروفيسور الاقتصاد في جامعة «يال» الأميركية وصاحب نظرية الاستثمار الشهيرة «جيمس توبن» أنه سيأتي زمان يحتار فيه أهل الأموال بأموالهم. فبعد 28 عاماً من فوزه بجائزة نوبل للاقتصاد عام 1981، وبعد 7 سنوات من وفاته، يبدو ان نظرية توبن في تنويع المحفظة الاستثمارية والتي تتلخص في مقولته الشهيرة «لا تضع كل البيض في سلة واحدة» لم تعد صالحة للاستخدام سواء في العالم المتقدم او النامي، اذ لم يعد هناك سوق في العالم يمكن وصفها بالأفضل، وبقي البحث عن مصطلح الأقل سوءاً هو غاية ما تطمح اليه الدول خلال أواخر العام الماضي وعامنا الحالي وربما حتى نهاية العام المقبل. وعلى رغم أن النظرية ذات الخلفية الرياضية المعقدة تتوافق مع المنطق ومع العقل السليم في تنويع المخاطر على الاستثمارات، الا ان رداءة الأسواق جعلت جميع أنواع الاستثمار رديئة وذات عائد سلبي مهما تنوعت الاوعية الاستثمارية. وعلى رغم كثرة أساليب وطرق الاستثمار، الا انني سأقتصر هنا على 4 أنواع هي الأشهر في العالم وفي كتب الاقتصاديين ونظرياتهم، كما سأقتصر أيضا على الحديث عن هذه الأوعية الاستثمارية في المملكة. وقبل الحديث عن الانواع الاربعة للاستثمار، أود أن أشير إلى أن الاستثمار يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسعر الفائدة مهما اختلفت مسمياتها، فأذونات وسندات الخزانة هي أوراق يشتريها الشخص ليحصل على الفائدة، ومثلها سندات الحكومة، كما ان الودائع الادخارية في المصارف تستحق فائدة، والاقراض مقابل الفائدة، بل حتى التورق الشرعي يحسب ربح القرض فيه مقارنة بسعر الفائدة في السوق، كما ان دراسة جدوى المشروع تعتبر المشروع ذا جدوى مربحة اذا كان العائد من المشروع أعلى من سعر الفائدة الذي تعطيه البنوك على الودائع الادخارية وهو ما يعرف بكلفة الفرصة البديلة. أما الأنواع الأربعة الشهيرة في الاستثمار، فهي: أولاً: أذونات الخزانة، وهي سندات قصيرة الأجل يصدرها عادة البنك المركزي وتعطي عائداً قليلاً إلا أنها أكثر الاستثمارات أماناً (مخاطرتها صفر)، وهذا النوع لا يوجد في المملكة، وأما سندات الحكومة فهي موجودة وغير موجودة، بمعنى أن وزارة المالية حينما أرادت ان تقترض من السوق المحلية قبل سنوات طرحت سندات التنمية السعودية، واشترتها المصارف التجارية وتتقاضى عليها سعر فائدة سنوياً، واذكر انه في العام الماضي أرادت وزارة المالية تسديد البنوك واستعادة سنداتها، الا أن البنوك تفاهمت مع الوزارة على ابقاء هذه السندات نظراً لعدم حاجتها للسيولة بحسب ما نشر في حينه. ولعدم وجود النوع الأول، ومحدودية المستفيدين من النوع الثاني، إضافة إلى عدم وجود سوق لبيع وشراء هذه الأوراق فليس متاحاً حالياً أمام المواطن السعودي الاستثمار في أي من النوعين. ثانياً: الودائع الادخارية، وهي الخيار الثاني للمستثمر الباحث عن العائد الصغير في مقابل المخاطر الضئيلة، ولكن في ظل الأزمة المالية وانخفاض سعر الفائدة لما يقارب الصفر، فقد توقفت المصارف العالمية وبالتأكيد السعودية عن اعطاء أية فائدة على الودائع قصيرة الأجل، وتدفع فائدة ضئيلة على الودائع طويلة الأجل، وبالتالي فالادخار في البنوك حالياً دافعه الخوف من السرقة وليس بحثاً عن فائدة. ثالثاً: سوق الأسهم، ولا اعتقد أنه في ظل الأزمة الحالية تكون السوق خياراً مناسباً لارتفاع المخاطرة فيها، كما ان خروج كثير من متداوليها مديونين وليسوا خاسرين (لأنهم بدأوا فيها بأموال مقترضة)، لايشجع المدخر الصغير (وأظن بعض الكبار) لتكرار التجربة مجدداً. والأخير هو العقار، وعلى رغم ما يقال إن العقار ابن صالح، إلا ان خسائر المستثمرين فيه بلغت بحسب التقديرات (وليس الدراسات) ما يصل الى 40 في المئة، وهي نسبة كبيرة إذا ما عرفنا ان الاستثمار في العقار يتطلب رأسمالاً كبيراً، كما ان رأس المال الكبير هذا قد لا يسعف المستثمر الصغير الذي يدخر مبلغاً صغيراً للبدء في العقار، كما ان تعثر المساهمات العقارية لايشجع الصغار لدفع أموالهم لمساهمات جديدة بعد ما شهدته السوق من «نصب» و«احتيالات» و«شكاوى». وأختم بالعودة للنظرية، فلو كان «توبن» حياً هل تراه سيغير رأيه ليبدل مقولته الشهيرة لتكون «ضع كل البيض تحت «البلاطة»!