لا شك في أن لطيفة هذه الأيام مشغولة بالتحضيرات لعملها المنتظر في الحادي عشر من الشهر الجاري في مسرحية "حكم الرعيان" التي تطل من خلالها على جمهور بيت الدين، وإذا كان الجمهور يترقب دوماً أعمال منصور الرحباني، إلا أنه ينتظر بفارغ الصبر المفاجأة الجديدة: لطيفة. ويلمس من شاهد حلقة البرنامج التلفزيوني "خليك بالبيت" يوم الثلثاء الماضي على شاشة تلفزيون المستقبل والتي حلت لطيفة ضيفة عليه فتحدثت عن المسرحية وغنت أغانيها اللبنانية بإحساس عميق، أو تابع وقائع المؤتمر الصحافي الذي عقدته أسرة العمل منذ أيام، حماسة المطربة التونسية التي تعلق آمالاً كبيرة على التجربة الجديدة التي تخوضها في مجال العمل المسرحي. قد يعتبر البعض أن لطيفة فنانة محظوظة، إلا أن قراءة متعمقة لسيرة الشابة التي انتقلت من تونس إلى القاهرة استجابة لنصيحة عبد الوهاب محمد، يلاحظ ذلك التخطيط الذكي الذي اعتمدته في كل جديد تقدمه - وقد استطاعت من خلال التجارب الغنية التي خاضتها والدراسة التي صقلت موهبتها بها أن تشكل علامة فارقة بين فنانات جيلها، وأن تتفوق بذلك على زميلات يتمتعن بحناجر تفوق قدراتها الصوتية أحياناً. لفتت لطيفة الأنظار منذ دخولها معترك الغناء، فكانت بداياتها مع عبد الوهاب محمد وبليغ حمدي وسيد مكاوي وعمار الشريعي. ولم تقف المطربة التونسية عند هذه التجربة بل دخلت في أوائل التسعينات مرحلة صلاح الشرنوبي الذي برز في ذلك الوقت كواحد من أهم ملحني الأغنية العربية بعد أن اكتشفته وردة وأعاد إليها بريقها. قدمت لطيفة مع الشرنوبي أغاني كرست نجوميتها مثل "حبك هادي" و"بحب في غرامك". بعد صلاح الشرنوبي، غنّت لطيفة لكاظم الساهر الذي لحن لها ألبوماً كاملاً - وهو قلما يلحن لزملائه - تضمن قصائد لنزار قباني وقدم، في ألبومها اللاحق أغاني مميزة أيضاً وأمنت تجربة كاظم الساهر للطيفة انتشاراً كبيراً خصوصاً مع "ما وحشتكش" و"تلوموني الدنيا". انتقلت لطيفة بعد تجربة كاظم الساهر إلى العالمية، وعرفت كيف تستفيد من الموجة الفاعلة التي شهدها عالم الغناء آنذاك بين الموسيقى الغربية والإيقاعات العربية - اتجهت لطيفة إلى شركة عالمية وسجلت ألبوم "انشالله" الذي اعتمد أسلوب "الفرانكو اراب" وحققت من خلاله انتشاراً أوروبياً، وغنت على مسارح باريس والبرت هول. عام 2001، دخلت لطيفة عالم السينما من بابه الواسع، إذ اختارها يوسف شاهين بطلة لعمله قبل الأخير "سكوت حنصور"، وتألقت في التمثيل السينمائي، وبعيداً من النقد الذي وجه إلى الفيلم لاقت لطيفة الاستحسان والترحيب من الجمهور العربي العريض. قبل عام ونصف، انتقلت لطيفة إلى شركة "عالم الفن" واستطاعت من خلال "ما تروحش بعيد" أن تزيد من نجوميتها وقدرتها على الاستعراض بعد أن أطلت ب"لوك" زاد من تألقها. من جهة ثانية، تتميز لطيفة - اضافة الى دراستها الموسيقية وحيازتها شهادة بكالوريوس بامتياز من "المعهد العالي للموسيقى العربية" في القاهرة - بمواقفها السياسة وثقافتها الواسعة ودعمها لفن ثوري يدافع عن القضايا العربية، فغنت القدس مع كاظم الساهر وأحيت "مدردرة"، أغنية تونسية تراثية. عزت لطيفة قبولها العرض الرحباني، لأنها "فرصة من عملاق المسرح الغنائي الذي عرف كيف يخلق مسرحا ثوريا وانتقادياً". وأكدت: "أنا مؤمنة بقضية منصور الرحباني، والإنسان إذا تواجد عليه أن يثور لكي يثبت وجوده". لا تخشى لطيفة الاخفاق، فسياسة منصور الرحباني تجعل المقارنة بينها أو بين أي نجمة حلت ضيفة على المسرح الرحباني وبين فيروز مستحيلة - فالرحباني يعرف جيداً كيف يعطي للشخصية الجديدة مقوماتها المستقلة، كما ان إتقانها للهجة اللبنانية العامية - وعزت ذلك إلى حبها لأغاني فيروز ولبنان - سيسعفها في امتحانها. لطيفة التي غنت لهجات عدة وتطرق اليوم باب الأغنية اللبنانية، تنتظر حكم جمهور يترقب ويراقب إذا كانت تجربة "رحبنتها" سيكتب لها النجاح. إلا أن لطيفة الميزو سوبرانو وصاحبة صوت يتميز ب 3 أوكتاف عن غيره من الأصوات، تألقت سابقاً على مسارح قرطاج وجرش وليبيا ومصر وبيروت وغيرها، وإذا لاقت لطيفة في التجربة الجديدة استحسان الجمهور، تكون كسبت رهانها وجعلت الجمهور العربي ينتظر مرة أخرى وبشغف ما الجديد الذي ستقدمه، علماً أن ألبومها مع زياد الرحباني سيبصر النور قريباً، وهنا أيضاً تسجل علامة للطيفة التي استطاعت التعامل مع قطبي المدرسة الرحبانية، ونادراً ما استطاع أحدهم أن يجمع بينهما.