أعلنت شيرين عبادي المحامية الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام، رفضها استخدام القوة العسكرية الأميركية في العراق أو ضد أي بلد آخر بما فيها ايران. ودعت الى دور فاعل للأمم المتحدة. ورفضت في مقابلة مع "الحياة" إلصاق تهمة الارهاب بالإسلام والمسلمين. واستنكرت تهرب اسرائيل من الالتزام بالقرارات الدولية، وانتقدت المضايقات للصحافيين في ايران، مؤكدة تفاؤلها بمستقبل المرأة في ايران. وهنا نص الحديث: هل يمكن أن تلعبي دوراً بين ايران وأميركا في ضوء ما حدث وقد يحدث؟ - أنا لست سياسية، ولست قائدة لحزب، أنا محامية بذلت جهوداً لمدة تزيد على خمسة وثلاثين عاماً لنشر حقوق الإنسان في ايران والشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه أقول لك: أنا أعارض أي هجوم مسلح سواء كان ضد ايران أو ضد أي بلد آخر. مصير الشعب يجب أن يحدده الشعب بنفسه. وعلينا أخذ العبرة مما يُجرى في العراق. لا أحد يدافع عن صدام، وسقوط صدام لم يحزن أحداً، ولكن ليته تم العمل على توفير أجواء يمكن فيها للشعب العراقي بنفسه اسقاط صدام، لا أن يأتي جيش أميركا ويسقطه، ويلحق الضرر بجميع المؤسسات المدنية والسياسية، ثم بعد أن تنهب المتاحف والثروات وينعدم الأمن عندها يلجأون الى مجلس الأمن للقول ماذا نفعل بالعراق؟ الذهاب الى الأممالمتحدة كان يجب أن يكون قبل الهجوم على العراق. كان يجب أن يكون هناك اجازة بالهجوم على العراق واجازة بتغيير النظام في العراق من جانب الأممالمتحدة. عندها ستكون القصة مختلفة! في السابق هجم العراق على الكويت فصوتت الأممالمتحدة على ارسال القوى لإخراج العراق من الكويت، وهذا قد حصل. ورأيتم أنه لم يترتب عليه عواقب فادحة. ولكن في هذه المرة أميركا هجمت على العراق من تلقاء نفسها. من الممكن أن يتصور بعضهم ان الشعب العراقي لا يستطيع بعد سنوات مديدة من القمع أن تكون لديه القوة لإسقاط صدام من دون مساعدة قوى خارجية وبالتالي سيستمر صدام لمدة أطول في الحكم وبالتالي يدوس مرة أخرى على حقوق الشعب العراقي، ولكن حتى مع هذا التفكير، ليس الحل هو الهجوم العسكري بل الحصول على تأييد الأممالمتحدة ومن خلالها إجبار صدام على التخلي عن السلطة للشعب العراقي. وفي هذه الحالة ما كان النظام السياسي ليتعرض للتخريب. بالنسبة لمستقبل العراق، ما الذي يمكن فعله بعد أن أصبح الاحتلال أمراً واقعاً؟ - للأسف حصل الهجوم، وللأسف تضرر الأمن العراقي في شكل مؤلم، ماذا علينا أن نفعل؟ في الدرجة الأولى يجب نسيان الاختلافات بين العراقيين شيعة وسنّة، أكراداً وغير أكراد. ولتتحد الطوائف المختلفة، وهذه أول خطوة. وكل من يفرق بين العراقيين فهو عدوهم وعليهم أن يطردوه. ثم يجب تشكيل حكومة شاملة أي تمثل أكثرية المجتمع من خلال انتخابات حرة، ولكن علينا ألا ننسى أن الأكثرية التي ستفوز بالحكومة لا يحق لها أن تحكم كما يحلو لها، حكومة الأكثرية لها اطار، واطارها هو حقوق الإنسان، وعليه فالحكومة التي تصل الى السلطة بحسب نظام الأكثرية عليها أن تراعي حقوق الأقليات وأن تراعي قواعد حقوق الإنسان، في هذه الحالة يهدأ المجتمع وتتحقق ديموقراطية مع رعاية حقوق الإنسان. وهل لديكم قلق من احتمال حرب داخلية بين السنّة والشيعة؟ - أنا آسفة، لأن هذه الحرب قد بدأت فعلاً! هذه القنابل التي توضع ماذا تسمى؟ هل هي صلح؟ هل هي سلام؟ هذه حرب! بعض العراقيين يلجأون الى الأسلحة ضد اخوانهم. ما اسم ما حصل في كربلاء؟ هل هو صلح وسلام؟ بالطبع هذه حرب وان كانت بأبعاد أصغر! وإذا لم تراع الديموقراطية فإن نار الاختلافات التي حصلت يمكن أن تطاول الجميع وبالتالي فإن ألسنتها يمكن أن تحرق جميع أنحاء العراق، شرارات الاختلافات يجب القضاء عليها في مهدها، وعلى العراقيين ألا يسمحوا للاختلافات أن تفرق بينهم أكثر من هذا. وماذا بشأن دور الأممالمتحدة؟ - منظمة الأممالمتحدة هي آخر نقطة اتكاء للبشرية، ولكنها للأسف تُضعّف من بعض الحكومات. وخير دليل على ذلك الهجوم على العراق من دون الالتفات الى الأممالمتحدة، هذا تضعيف لها وليس نقطة ايجابية. ومن الدلائل أيضاً أن الأممالمتحدة أصدرت ضد اسرائيل قرارات كثيرة ولكن لم يتم تنفيذ قرار واحد منها، وهذا تضعيف للأمم المتحدة. وهكذا فإن هناك حكومات وأفراداً لا يرغبون بوجود أمم متحدة قوية في العالم، لأنهم يريدون تحويل العالم الى قرية صغيرة، ليمارسوا الزعامة بأنفسهم عليها. ولكن أحرار العالم لا يوافقون على هذا! يعتقدون بأن الطريق الوحيد للنجاج هو تقوية الأممالمتحدة وجعلها ديموقراطية أكثر. الأممالمتحدة يجب أن تكون انعكاساً وصورة للإرادة الوطنية للشعوب وليس ألعوبةً بيد دولة أو دول كبرى في العالم. وما هي رسالتك لما يحصل في فلسطين؟ - القضية الأهم بالنسبة إليّ كحقوقية هي السؤال ما سر عدم اكتراث الحكومة الاسرائيلية بالقرارات التي تصدرها الأممالمتحدة ولماذا لا تنفذها؟ هل قرارات الأممالمتحدة للدول الضعيفة؟ بناءً عليه فإن هذه المسألة بالنسبة إليّ مهمة جداً. ومن جهة أخرى فإنني أود أن أشير الى قضية أخرى هي ضرورة الفصل بين خطأ الحكومات وأخطاء البشر وبين الدين والمذهب الذي ينتمون اليه. هذه الأخطاء الفادحة ترتكبها الحكومة الاسرائيلية ولا يجوز تحميلها للدين اليهودي. إذاً أنت تفصلين بين اليهودية والصهيونية؟ - أجل، أجل، أنا أعرف مؤسسات غير حكومية تعمل على مساعدة الفلسطينيين منذ سنوات. لا يمكن النظر الى جميع اليهود في العالم بعين واحدة. الكثيرون يخطئون، ولكن هذا لا علاقة له بدينهم، تماماً كما أننا لم نحمّل الديانة المسيحية في العالم مسؤولية ما حصل في البوسنة. المسلمون يقبلون بحضرة عيسى وحضرة موسى. وفي المقابل فإنني أريد أن أقول شيئاً لمن يعنيهم الأمر في العالم: لماذا تحملون الإسلام أخطاء مجموعة أو مجموعات صغيرة وتقولون "الإرهاب الإسلامي"؟ إن الإسلام يعارض الإرهاب، لماذا تنظرون الى المسلمين بعين الإرهاب؟ يجب أن تفصلوا بين أخطاء البشر والدين والحضارة اللذين ينتمون اليهما، البشر يخطئون، ولكن الأديان ولا سيما منها التوحيدية الابراهيمية بينها الكثير من الجذور والمشتركات. ما هو موقفك تجاه الاعتداءات الاسرائيلية والإجراءات الهادفة الى عزل الفلسطينيين بما في ذلك احتمال الهجوم على بيت المقدس وقضية الجدار العازل؟ - ان أي عمل عنيف وخشن يستدعي رد فعل أكثر خشونة وعنفاً. إذا كانت اسرائيل تنشد السلام، وإذا كانت الحكومة الاسرائيلية تريد لشعبها أن يعيش بأمان، فإن عليها أن تلتزم بقرارات الأممالمتحدة وبرأي محكمة لاهاي، وفي غير هذه الحالة فإن السلام غير ممكن وللأسف وقد قلت للتو ان السلام له أساسين هما الديموقراطية والعدالة الاجتماعية. يمكن من خلال الحراب والرشاش اسكات الشعب لمدة ولكن هذا لا يدوم، ترون ان الشعب في تلك المنطقة يتلظى بالنار. اسمحوا لي أن أقول لكم ان قلبي يتقطع للطرفين، للشباب الاسرائيلي الذي يقتل بسبب أنانية وغرور حكومته، كما أن قلبي يتقطع للشباب العرب الذين كتب عليهم أن يتعرفوا منذ نعومة أظفارهم إلى السلاح والموت والخشونة، الى متى ستستمر هذه القصة؟ إذاً، أنت تحملين الحكومة الاسرائيلية مسؤولية ما يحصل... - عندما تطبق قرارات الأممالمتحدة فإن السلام سيعود الى المنطقة. علينا ألا ننسى أن قرارات الأممالمتحدة هي انعكاس للعقل الجماعي، العالم اجتمع وقرر ذلك، كما حصل في محكمة لاهاي التي قالت لا للجدار. بناء على هذا، الحكومة الاسرائيلية يجب عليها أن تطيع، وفي غير هذه الحالة يتحول العالم الى غابة يمزق فيها القوي الضعيف... والضعيف يظهر رد فعل أحياناً! إذا انتقلنا الى الحديث عن الحريات الاجتماعية، ما هي نظرتك الى حرية الصحافة في ايران؟ - عندما أتحدث عن وضع ايران أو دولة أخرى لا أنظر الى المسألة بشكل مجرد، بل أنظر اليها من خلال مراحل زمانية مختلفة. إذا أردنا أن نقايس حرية البيان في عامنا هذا مع وضعها عليه قبل اثنتين وعشرين سنة فإن حريتنا اليوم أكثر من تلك المرحلة. وهذا وجه للحقيقة، والوجه الآخر هو أن حرية البيان في ايران ليست كاملة. خلال مدة تقل عن سنتين تم اغلاق ما يزيد على تسعين صحيفة، عندي صديق صحافي، غيّر شغله في سنة واحدة ثلاث عشرة مرة، كلما ذهب الى مكان أغلقت الصحيفة. وهكذا رأينا أنه تم أخيراً اغلاق صحيفتي "وقائع اتفاقية" و"جمهوريت" من دون سبب واضح، هناك أشخاص من أفضل صحافيينا يقبعون في السجون، وهذه ليست علامات جيدة لحرية التعبير والبيان. بالنسبة للصحافية الايرانية الأصل والكندية الجنسية زهراء كاظمي، الى أين وصلت قضيتها لا سيما أنك أحد وكلاء الدفاع عن عائلة الضحية؟ - زهراء كاظمي كانت مصورة صحافية تحمل ترخيصاً رسمياً، كانت تلتقط صوراً لعوائل الطلاب المسجونين، اعتقلت من دون سبب وجيه أي من دون أن ترتكب جرماً محدداً. في السجن بسبب ضربها، أصيبت بنزيف دماغي ثم توفيت. الرأي الذي أصدرته المحكمة لم يكن عادلاً واعترضنا عليه. برئ المتهم الوحيد في الملف، والأهم من ذلك فإن المدعي العام والمحكمة أعلنا القتل قتلاً غير متعمد، في حين أن هذا القتل طبقاً لقوانين ايران، وطبقاً لمحتويات الملف كان قتلاً متعمداً. المحكمة الصالحة للنظر في هذا الاتهام هي محكمة الجنايات في المحافظة وبحضور خمسة قضاة، في حين أن المحاكمة أجريت في المدينة وبحضور قاض واحد! وما هي الخطوة اللاحقة لمتابعة هذه القضية؟ - ان الحكم الذي صدر يقبل اعادة النظر، وسنطلب اعادة النظر في القضية، وسأستفيد من جميع السبل القانونية لإحقاق حقوق موكلتي، ولكن إذا استنفدت جميع الطرق الممكنة ولم أصل الى نتيجة، وإذا وصلت الى طريق مسدود من خلال جميع الطرق القانونية، في تلك الحالة، وانطلاقاً من كوني محامية قانونية لموكلتي وانطلاقاً من قيامي بواجباتي، فإنني سألجأ الى المراجع الدولية ومنه الأممالمتحدة، وسأدافع عن هذه القضية حتى آخر نفس. بناء عليه ما هو تقويمك لوضع المرأة في ايران؟ - ثلاثة وستون في المئة من طلاب الجامعات الايرانية هم من الإناث أي أن نسبة الدارسين من النساء في جامعاتنا أكثر من نسبة الرجال. إن لإيران حضارة تمتد في التاريخ سبعة آلاف سنة. ومع هذه الحضارة العريقة، ومع هذه النسبة من النساء المتعلمات، فإننا نتوقع أن يكون لدينا قوانين أكثر تطوراً تتناسب مع وضع المرأة الإيرانية في يومنا هذا. ولكننا مع وجود نسبة التعليم العالية عند النساء والمتفوقة على الرجال، نرى نسبة البطالة بينهن ثلاثة أضعاف الرجال وفقاً للتقارير بهذا الشأن. تعدد الزوجات اعترف به رسمياً في قوانينا. الرجل يستطيع أن يطلق زوجته من دون سبب وجيه ولكن حصول المرأة على الطلاق صعب جداً. المرأة لا يحق لها السفر من دون اذن زوجها. دية المرأة نصف دية الرجل، ولو قتل رجل امرأة فإن على أسرة المرأة أن تدفع نصف دية الرجل مسبقاً لتستطيع المطالبة بالقصاص منه. سن الزواج في ايران منخفض جداً ثلاثة عشر عاماً للبنت وخمسة عشر للشاب. سن المسؤولية الجزائية في ايران منخفض أيضاً تسع سنوات للبنت وخمس عشرة للذكر. هذا يعني ان بنتاً في العاشرة من عمرها لو ارتكبت جريمة فإن القانون يتعامل معها وينظر اليها تماماً كما يتعامل معي أنا لو ارتكبت هذه الجريمة. ولكن بما ان هذه القوانين لا تتناسب مع ثقافتا ولا تتناسب مع الوضع الثقافي للمرأة الإيرانية فإن الحركة "النسوية" في ايران اتسعت وامتدت كثيراً. هل أنت متفائلة بمستقبل المرأة في ايران؟ - أجد، بالتأكيد، وقد حققت النسوة الايرانيات مكاسب منها تغيير قانون الحضانة في العام المنصرم، وهذا الانتصار تحقق بيد المرأة الإيرانية بعد جهود عشرين سنة. حققنا انتصارات ونحن في انتظار انتصارات أخرى أيضاً. ما هي رسالتك بشأن السلام العالمي؟ - السلام يدوم عندما يعتمد على أساسين هما الديموقراطية والعدل، وعندما يتعرض أحد هذين الأساسين الى ضربة، أي يتحول المجتمع الى مجتمع غير ديموقراطي، فإن هذا المجتمع يجب عليه أن يتوقع الفوضى والاضطراب. عندما تنعدم العدالة الاجتماعية فإن من المسلم أنه لن يكون هناك سلام مستقر. السلام يستمر عندما يكون على أساس العدالة الاجتماعية والديموقراطية. وفي غير هذه الحالة، إذا كان المجتمع ساكتاً فإن السكوت ليس هدوءاً بل هو استبداد، استبداد المقابر، وعاجلاً أو آجلاً يتعرض للاضطراب. وبناء عليه إذا كنا نبحث عن السلام فعلينا أن نتوجه الى الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.